أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 31th March,2001 العدد:10411الطبعةالاولـي السبت 6 ,محرم 1422

متابعة

أوراق من تاريخ مدينة الرياض )6(
بداية التعليم النظامي في مدينة الرياض
د. محمد بن عبدالله آل زلفة
تجمع المصادر التي أشارت الى البدايات الأولى للتعليم النظامي في مدينة الرياض مع اقتضابها الشديد على أن بدايته الحقيقية تعود الى عام 1367ه/1947م. وكانت البداية بافتتاح المدرسة الأهلية على الضفة الشرقية من وادي البطحاء الذي كان يخترق مدينة الرياض.
أما قصة بناء هذه المدرس وافتتاحها، وما صاحبه من بعض العوائق فهو ما سيكون مدار هذه الورقة بعد إعطاء لمسة عن التعليم غير النظامي وشبه النظامي في هذه المدينة العاصمة.
تشير المصادر الى ان التعليم في مدينة الرياض يعود الى فترات مبكرة من تاريخها، وربما الى ما قبل ان تصبح عاصمة للدولة السعودية الثانية في عهد الإمام تركي بن عبدالله، بدليل ورود أسماء بعض علماء من أهل الرياض، وهذا يعطي دلالة على عدم خلو المدينة من أماكن للتعليم بالشكل التقليدي الذي لم تكن تخلو منه بلدة في الجزيرة العربية في حجم مدينة الرياض أو حتى البلدان الأقل منها، ولكن مصادرنا التقليدية تقف في معظمها صامتة عن ذكر مثل هذه المسائل الحضارية، مثل التعليم والمكتبات، وحركة التأليف وحلقات العلم وأماكنها، وأولت جل اهتمامها لأخبار الحروب والكوارث من قحط وجدب، وأمراض وغيرها، وإشارات قليلة غير موثوقة من أخبار الأنساب والانتماءات القبلية.
ولكن الرحالة ويليام بلجريف الذي زار الرياض عام 1862م، وهو أول أوروبي يزور هذه المدينة يشير الى بعض المظاهر الثقافية والتعليمية في المدينة مثل مكتبة القصر الملكي قصر الإمام فيصل بن تركي، ومثل حلقات العلم التي يقصدها كبار علماء الرياض مثل الشيخ عبداللطيف آل الشيخ كبير العلماء وقاضي مدينة الرياض.
ويظل التعليم ووسائله ومناهجه في مدينة الرياض يتبع الطريقة التقليدية الى وقت متأخر من توحيد المملكة، ويعود ذلك لأسباب خاصة بمدينة الرياض، وبمنطقة نجد بشكل عام التي ظلت محافظة على خصوصيتها حتى وإن أخرتها عن اللحاق بركب التعليم الحديث ووسائله ومناهجه المتطورة.
ولكن الملك عبدالعزيز يرحمه الله أدرك خطورة انعكاس هذا الانغلاق على مستقبل التعليم لأبناء هذه المنطقة الهامة والحساسة من بلاده، فعمل على كسر طوق هذا الانغلاق دون أن يحدث ردة فعل لدى الرافضين لفكرة التعليم الحديث بتبني طريقتين:
الأولى: فتح أول مدرسة منظمة في مدينة الرياض وفق منهج يأخذ بالحديث ولا يلغي التقليدي، وهي مدرسة خاصة بأنجاله، استقدم لها المدرسين من الحجاز.
أما الطريقة الثانية فهي دعوة الآباء في منطقة نجد للسماح لأبنائهم بالذهاب الى الحجاز للتعلم هناك على حساب جلالته، ولم يكتف بهذا، بل أمر بصرف تعويضات للآباء مقابل خدمات كان يقوم بها أبناؤهم مثل الرعي أو العمل في الزراعة. ونجح الملك في مشروعه، والتحق عدد من أبناء منطقة نجد بمعاهد التعليم في الحجاز، وخاصة المعاهد الدينية التي كانت تجمع بين المنهج الحديث والقديم، وتخرج منها عدد أصبح لهم شأن مثل الشيخ حمد الجاسر، والشيخ عبدالكريم الجهيمان، والدكتور عبدالعزيز الخويطر وغيرهم كثير.
كان الملك عبدالعزيز يدرك بثاقب نظره وعمق رؤيته ان الزمن بطبيعة متغيراته كفيل بتغيير موقف أهل نجد من التعليم الحديث ففتح مع تطور الزمن في بعض المناطق والمدن النجدية بما فيها الرياض مدارس حديثة، ولكن مع تحفظ على بعض مواد المنهج، مثل الجغرافيا وبعض المواد العلمية القائمة على التجريب. ثم ما لبثت نجد المحافظة بعد عقد من فتح أول مدرسة نظامية اتبعت في مناهجها وطرق تعليمها الطرق الحديثة، وكانت تمثل نقطة تحول نوعية في تاريخ التعليم في عاصمة البلاد.
مالبثت بعد عقد واحد من هذا التاريخ ان افتتحت بقلب مدينة الرياض أول جامعة تعرفها الجزيرة العربية هي جامعة الملك سعود وهي الجامعة التي تحمل كل المعايير والمواصفات لمفهوم الجامعة، يدرس بها كبار المثقفين والمتخصصين من البلاد العربية وغيرها، وتدرس بها اللغات الأوروبية والطب والصيدلة والهندسة.. التي كان الحديث عنها الى عهد قريب يعد ضربا من الخيال.
هذه سنة الحياة والتطور والتغير الذي لا يقف عند حد ولا يعوقه عائق.
نعود الى الحديث عن أول مدرسة نظامية عامة تنشأ في مدينة الرياض:
ولقصة نشوئها تاريخ، ولبداية انطلاقتها تاريخ أيضا وللحديث عنها وثيق علاقة بمعرض تاريخ التعليم في المملكة الذي تنظمه وكالة الوزارة للآثار بوزارة المعارف في مطلع هذا الأسبوع، وبمن سيتشرف المعرض بافتتاحه حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان أول من تابع افتتاح هذه المدرسة، حينما كان أميرا لمنطقة الرياض حينذاك. هذا الموقف الذي نفخر بتوثيقه من خلال وثائق رسمية تدلل على حرص الأمير سلطان المبكر بالتعليم، ووقوفه الى جانب إنجاز أي مشروع يتعلق بالتعليم، والارتفاع والارتقاء بالمستوى الثقافي والفكري لأبناء هذه البلاد، هذا الاهتمام الذي بدأ مبكرا.
وما انفك ملازما لهذا الأمير العظيم إلى يومنا هذا، نلمسه في ما يتبناه من إنفاق سخي على التعليم في كل مجالاته، وفي كل مناطق المملكة. فهذه كلية الأمير سلطان الأهلية في مدينة الرياض النواة الأولى للتعليم الأهلي الجامعي في المملكة، حينما أدرك سموه ان الجامعات الحكومية بدأت تضيق قدراتها الاستيعابية عن قبول عشرات الآلاف من خريجي الثانويات العامة، فأخذ المبادرة على نفقته الخاصة وبتبرعه السخي لإنشاء هذه الكلية التي تعد نواة لجامعة متكاملة تسهم في تخفيف الضغط عن الجامعات، والارتقاء بمستوى التعليم الجامعي التخصصي.
وتتوالى عطاءاته التي لا تعرف التوقف، وكان آخرها تبرعه السخي في مطلع الأسبوع الماضي في سبيل تشجيع التعليم الجامعي الأهلي وذلك بإنشاء الكلية الجامعية في الطائف التي تحمل اسمه، والتي تمثل بحول الله علامة فارقة في انطلاقة لتعليم جامعي متخصص، لسد حاجة البلاد من الكفاءات المتخصصة.
وهناك كلية الأمير سلطان للسياحة والفندقة في مدينة أبها، وهي الكلية الأولى المتخصصة في هذا المجال الجديد الذي تقدم عليه المملكة، وغيرها وغيرها من المؤسسات التعليمية التي يقف وراء إنشائها ودعمها. هذا الأمير العظيم بهذه الروح الوثابة، والعطاء الذي لا يعرف حدودا.
أما قصة نشوء المدرسة الأهلية بالرياض وهي المدرسة الأهلية الأولى بها فتعود إلى عام 1364ه، العام الذي عاد فيه جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه من رحلته التاريخية الى مصر. أراد سكان مدينة الرياض الاحتفال بهذه المناسبة، وذلك بإقامة حفلات وزينات ومهرجانات أسوة بما قامت به مدن المنطقة الغربية التي احتفت احتفاء كبيرا بعودة الملك عبدالعزيز من زيارته لمصر. إلا أن الملك يرحمه الله اقترح على أهالي مدينة الرياض بأن يجمعوا ما خصصوه من أموال لإقامة هذه الاحتفالات وينفقونها على إقامة مدرسة كبيرة يتعلم فيها أبناؤهم، وخصص لهم أرضا كبيرة على الضفة الشرقية لوادي البطحاء لإقامة هذه المدرسة، فانصاع الأهالي لرغبة الملك، وشرع في بناء المدرسة، ونفذت حسب مواصفات معمارية مميزة عن السائد، وتم تنفيذ البناء في مدة لا نعرف مداها، ولكن المدرسة لم تفتتح إلا بعد سنتين من تاريخ عودة جلالة الملك. أما مدة البناء، ومن قام برسم البناء وتنفيذه، والمواد المستخدمة فيها فهذا ما لا أعرفه شخصيا، ولعل من يملك معلومات موثقة حول هذا الموضوع يتكرم بتزويدنا بها، لا سيما ونحن نهدف من خلال كتابة هذه السلسلة توثيق تاريخ عاصمتنا.
ولعل الإخوة القائمين على معرض التعليم يقدمون لنا وثائق حول أول مدرسة حديثة تعرفها العاصمة مثل أسماء طلاب الدفعة الأولى من خريجيها وأبرزهم، وأسماء المدرسين ونماذج من المناهج التي كانت تدرس في المدرسة.
مضى على الانتهاء من بناء المدرسة الأهلية كما يبدو سنتان، ولم تفتح أبوابها لاستقبال الدارسين. ويقول أول مدير لها وهو الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم ان الملك عبدالعزيز قام بزيارة لبريدة في عام 1366ه:
«وخرجنا بطلاب مدرسة بريدة لاستقباله وألقى طلبة المدرسة في مخيمه أناشيد الترحيب وبعض الكلمات فأعجب جلالته بذلك» )1(.
بعد أن رجع الملك الى الرياض من زيارته للقصيم تقدم جمع من الموظفين في مدينة الرياض ملتمسين من جلالته الأمر بفتح المدرسة الأهلية)2(.
ومن هذا الالتماس من قبل الموظفين يبدو ان هناك أسباباً لا نعرفها أدت الى تأخير فتح المدرسة،ولكن يمكن ان نستشف جانبا من هذه الأسباب من خلال حديث الملك إلى من اجتمع عنده من العلماء والأعيان، وذلك في مطلع عام 1367ه حينما فاتحهم بقوله:
«الناس يأتون الى الرياض لخدمتنا ولا يليق بنا أن نهمل أولادهم بدون تعليم، والمدرسة قد انتهت عمارتها منذ سنتين ونريد فتحها فاختاروا من ترون لإدارتها»)3(.
فوقع الاختيار على الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم، مدير مدرسة بريدة ليكون أول مدير لها، ربما لما عرفه عنه جلالة الملك أثناء زيارته للقصيم، وصدر الأمر من مديرية المعارف في مكة بنقله لتولي إدارة مدرسة الرياض الأهلية الأولى.)4(
بقيت المدرسة الى نهاية شهر رجب ولم تفتح، فلم يكن بها شيء مما تحتاجه من التأثيث فتقدم مدير المدرسة بقائمة طلباته الى مقام سمو ولي العهد وأحاله سموه بدوره الى مالية الرياض ولكن لأسباب لا يعرفها إلا رجال المالية في كل الأزمان والأحوال لم تسارع الى تلبية طلبات مدير المدرسة، مما جعل المدير يتقدم بطلبه هذه المرة الى صاحب السمو أمير الرياض سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز بخطاب وذلك بتاريخ 26/7/1367ه مرفقا به قائمة بطلبات المدرسة)5(.
«حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض المعظم
بعد التحية والإجلال. يعرض الخادم لسموكم ان الطلبات اللازمة للمدرسة الأهلية والتي رفعت لسمو سيدي ولي العهد المعظم سابقا وصدر أمره السامي على المالية بتأمينها جميعا لم تنجز حتى الآن ولقد مضى عليها مدة ، فبناء على ما ذكر استرحم من سموكم صدور أمركم الكريم بما يراه نظر سموكم السديد على الجهة المختصة بالإسراع في إنجازها وتسليمها إلينا في أقرب وقت ممكن ليتسنى لنا فتح المدرسة لحضور المعلمين وبقائهم بدون عمل ولسموكم صائب الرأي سيدي.
الخادم لسموكم مدير المدرسة الأهلية «توقيع».
كتب سمو الأمير سلطان الى مدير المالية بما يلي:
«حالا تخبرونا عن أسباب عدم تأمين ذلك وتعلمون أهمية هذا الأمر واهتمام مولاي ولي العهد المعظم بإنجازه فإن شاء الله تجرون اللازم لانجازه.
في 26/7/سنة 1367ه
أمير الرياض
التوقيع سلطان بن عبدالعزيز
وفي نفس التاريخ كتب مدير المدرسة الى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بيانا يوضح فيه طلبات المدرسة ومن الواضح بأنه بإيحاء وتوجيه من سمو الأمير سلطان نفسه هذا نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السمو الملكي سيدي الأمير سلطان بعد التحية والإجلال.
يرفع الخادم الى سموكم كشفا بطلبات مدرسة البطحا حسب أمركم الكريم مسترحما صدور أمركم عليه بما يلزم بتحضيرها لتتمكن المدرسة يا سيدي من أداء واجبها على أكمل الوجوه التي ترضيكم إن شاء الله تعالى ولسموكم أزكى السلام.
الخادم لسموكم مدير المدرسة الأهلية
توقيع
شرح سمو الأمير في أعلى ورقة الطلب ما نصه:
«مدير المالية
للاطلاع على هذا البيان الملحق لسابقه وإجراء اللازم لتأمينه.
26/7/1367ه
أمير الرياض
توقيع
بعد ذلك تم افتتاح المدرسة، ولم يحدد مدير المدرسة تاريخ اليوم الذي تم فيه الافتتاح، وذلك بإقامة حفل كبير حضره جلالة الملك والعلماء، وأعيان أهل الرياض، ورؤساء الدوائر)6(.
وظلت المدرسة حتى يوم الافتتاح وهي تحمل اسم المدرسة الأهلية نسبة الى الأهالي كما أراد لها الملك عبدالعزيز أن تكون، وذكر مدير المدرسة في خطابه الى سمو الأمير سلطان المدرسة باسم البطحا.
ولا ندري متى تغير اسمها الى المدرسة التذكارية هل كان مع يوم احتفال افتتاحها أم بعد ذلك، والتذكارية مستمد من ذكرى مناسبة عودة جلالة الملك من زيارته لمصر.
في عام 1369 ه افتتحت بنفس المدرسة أول مدرسة ليلية بالرياض، ليدرس بها الكبار الذين فاتهم قطار التعليم الحديث من الموظفين وغيرهم )7(،
وكان يستعان في التدريس الليلي ببعض مدرسي معهد أنجال جلالة الملك.
وبموافقته رغبة من جلالته في نشر العلم في صفوف كل طلابه.
ومع تنامي أعداد خريجي المدارس الابتدائية في الرياض والمناطق المجاورة لها افتتح في المدرسة الأهلية نفسها أول مدرسة ثانوية، وكلف مديرها المؤسس بإدارة المدرسة الثانوية، إضافة الى كونه مدير مدرستها الابتدائية والليلية.
هذه جوانب من قصة أول مدرسة نظامية في مدينة الرياض، وآمل أن تكتمل الجوانب الأخرى.
)1( الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم، التعليم في عهد الملك عبدالعزيز، مجلة الداره، العددان )1،2( المحرم، ربيع الثاني 1421ه وهي شبه مذكرات أو ذكريات كتبها الشيخ السليم.
)2( المصدر نفسه.
)3( المصدر نفسه.
)4( المصدر السابق.
)5( انظر القائمة في الملحق.
)6(المصدر السابق.
)7( المصدر السابق.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved