| العالم اليوم
أثارت الصورة التي وزعتها وكالات الأنباء العالمية للبطلة الفلسطينية آمنة جواد وهي تصرخ «إنني فخورة بنفسي» اثناء محاكمتها من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي بتهمة استدراج مواطن اسرائيلي الى داخل الاراضي الفلسطينية وقتله في القضية التي اصبحت معروفة باسم «فتاة الإنترنت»، قضية تجاهلها دوما الإعلام العربي والعالمي الا وهي دور المرأة الفلسطينية في مراحل النضال الفلسطيني.
لقد احتلت المرأة الفلسطينية مكانا بارزاً ومميزاً في النضال الوطني بكافة اشكاله، وبدأ نشاطه في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، فشكلت مجموعة من النساء لجان اسعاف، ولجاناً لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن ومواجهة الخطر الناجم عن وعد بلفور عام 1917م، وكانت «ثورة البراق» عام 1929م نقطة تحويل وبداية عهد جديد في حياة المرأة الفلسطينية التي وجدت نفسها امام المسؤولية الملقاة على عاتقها، فقد اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني المئات من الرجال، وهدمت المئات من البيوت، ويتمت الآلاف من الأطفال الذين اصبحوا بلا معيل، ولم تستطع المرأة الفلسطينية ان تقف مكتوفة الأيدي وان تظل صامتة امام الظلم الفادح الذي حل بأبناء شعبها الفلسطيني، فقامت ولأول مرة في تاريخ فلسطين بعقد مؤتمر نسائي في مدينة القدس بتاريخ 26 اكتوبر عام 1929م حضرته ثلاثمائة امرأة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا و صفد ونابلس ورام الله وجنين وغيرها، وكان الهدف من المؤتمر تنظيم الحركة النسائية في فلسطين للعمل على انقاذ الوطن ومساعدة العائلات المنكوبة، وكان هذا المؤتمر نقطة تحول للمرأة الفلسطينية في النضال من اجل تحرير الوطن.
لقد اسهمت المرأة الفلسطينية في جمع الاموال لعائلات الشهداء وعائلات الثوار التي خرج ابناؤها للجبال للاشتراك في الثورة على الاحتلال البريطاني، وشاركت في نقل الطعام والماء والسلاح الى الثوار في الجبال بالاضافة الى تزويدهم بالضمادات والادوية لاسعاف الجرحى، وقد جاهدت بعض النساء جنباً الى جنب مع الرجال في المعارك، وفي خضم مشاركتها بالكفاح المسلح من اجل التحرير ومقاومة الاحتلال البريطاني لفلسطين قدمت اولى الشهيدات في عام 1936م.
كانت المرأة الفلسطينية تودع الثوار بالزغاريد لتلهب حماسهم وتحثهم على التضحية والاستماتة في الدفاع عن الوطن، وحين يعود الثوار وهم يحملون الشهداء تستقبلهم بالزغاريد لتعلن اعتزازها وفخرها بابنائها.
لم تخف المرأة الفلسطينية ولم تجبن، ولم تتردد في التضحية من اجل الوطن، فقدمت مالها وحليها من اجل شراء السلاح للدفاع عن الوطن، وكانت بعض النسوة تشترط ان يكون مهرها بندقية.
وبعد نكبة عام 1948م ضاعفت المرأة الفلسطينية جهودها لتخفيف آلام العائلات الفلسطينية المنكوبة التي اضطرت بسبب الارهاب الصهيوني الى الرحيل عن مدنها و قراها، ففقدت رزقها واصبحت بلا مأوى، فاسهمت الهيئات النسائية في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية لابناء اللاجئين الفلسطينيين بالاضافة الى افتتاح مراكز لمحو الامية وتعليم مبادئ الخياطة والتفصيل وحياكة الصوف والاقتصاد المنزلي..
ومع اتساع نطاق مشاركتها في النضال الوطني وتعاظم فعاليتها، ازداد حجم تضحياتها وهي بذلك اثبتت مقدرتها على التفاعل مع مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية مما اكسبها مكانة مميزة في تاريخ نضال المرأة العربية والعالمية في النضال ضد الاستعمار والاحتلال والاضطهاد.
وفي زمن الاحتلال الاسرائيلي وصلت المرأة الفلسطينية الى درجة من النضج الفكري والوعي السياسي ادت الى ادراكها لاهمية النضال من اجل الوطن وبروز صورة المرأة الفلسطينية القوية الشجاعة، الذكية الواعية، المؤمنة بعدالة قضيتها وبحتمية انتصار شعبها في استرداد حقوقه المغتصبة.
اشتركت المرأة الفلسطينية في الكفاح المسلح ضد الاحتلال رغم علمها ان ذلك قد يسبب في هدم منزلها وتشتيت عائلتها وتعرض افرادها للتعذيب، بالاضافة الى تعرضها للسجن مما يؤدي الى حرمانها من رعاية اطفالها، ولم تستطع ان تتصف بالسلبية واللامبالاة ازاء مايجري حولها، فقد شعرت ان الاحتلال يهدد كيان شعبها ووجوده على ارضه لذلك ناضلت لأجل تحرير وطنها من الاحتلال.
لقد وقفت المرأة الفلسطينية في الصفوف الاولى، وشاركت في العديد من العمليات العسكرية داخل فلسطين وخارجها، وقد اصيبت بعض النساء اثناء قيامهن بعمليات المقاومة فمنهن من فقدت عينا او يدا او كلتيهما ومنهن من اصيبت اصابات بليغة بشظايا المواد المتفجرة ومنهن من استشهدت اثناء تنفيذ العملية او الاعداد لها.
وفي زمن الانتفاضة المباركة الاولى والتي اندلعت في التاسع من ديسمبر 1987م، وانتفاضة الاقصى الحالية اصبحت لدى المرأة الفلسطينية قناعة ذاتية بدورها النضالي وبضرورة ممارسته بكل ثقة ووعي دون خوف.
لقد ظهرت المرأة الفلسطينية كانها الجدار الواقي لصد رياح الاحتلال ودفعت بالمرأة في الاراضي المحتلة للصفوف الاولى فمنذ اللحظة التي خرج فيها الاطفال والشبان الى الشوارع يرجمون جنود الاحتلال لحقت بهم النساء يلقين الحجارة على القوات الاسرائيلية بحقد مزدوج واحيانا تجاوز حقدهن ثنائيته فهن يرجمن الاحتلال ومايمثله عندما يرجمن جنود الاحتلال بحجارتهن ويدفعن رصاص الصهاينة الموجه الى صدور الصبية والمتظاهرين او يدافعن عن اخ او اب او زوج في زنزانات الاحتلال ومعتقلاته وكان اداؤهن مذهلا بالاستمرار.
كثيرات من النساء ممن قمن على درجة كبيرة من الاهمية فمنهن من يساندن القوات الضاربة ويخلصن الشباب من بين انياب الجنود وآخريات يواجهن النقص في المواد الغذائية الناتج عن الاضرابات وحظر التجوال والقيام بمساعدة عائلات الشهداء والجرحى ونقل المياه لاطفال القنابل المسيلة للدموع التي يطلقها جنود الاحتلال ونقل الحجارة والزجاجات الفارغة الى الشبان في المواقع الامامية اي من هم في حالة مواجهة مع جنود الاحتلال.
وشاركت المرأة في المهمات الاكثر خطورة مما يتجاوز وظائف ومهمات المرأة التقليدية مثل اختراق حظر التجوال والحصار العسكري المفروض على منطقة معينة والخروج في المسيرات والمظاهرات وتنظيم الاعتصامات وتشكيل اللجان التي تنبع من طبيعة المهمات النضالية مثل لجان العمل النسائي ولجان الدفاع عن الاسرى والمعتقلين ولجان تقديم المساعدات للاسر المنكوبة المتضررة من سياسات الاحتلال وغيرها..
وفي مرحلة طعن جنود الاحتلال والمستوطنين بالسكاكين كان للمرأة الفلسطينية دور بارز في هذه المرحلة، فعشرات من هذه العمليات قامت بها نساء وفتيات.
لقد جاءت الانتفاضة لتضيف للمرأة الفلسطينية سفرا جديدا الى سجلها الخالد من خلال تصديها البطولي لقوات الاحتلال جنبا الى جنب مع الرجل مضحية بالولد والروح فداء للوطن وحريته وكرامته.
لقد دفعت المرأة الفلسطينية ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني، وتعرضت المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لما يزيد على سبعة آلاف حالة اجهاض في زمن الانتفاضة بسبب استنشاقهم للغاز السام الذي يطلقه جنود الاحتلال الاسرائيلي ضد شباب الانتفاضة وفي المنازل الآمنة.
إن ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني هي التعبير المشرق عن الاستعداد للتضحية من اجل الوطن فلسطين.
آمنة جواد..
اننا فخورون بك كرمز للمرأة الفلسطينية المناضلة.
* كاتب وصحفي فلسطيني
|
|
|
|
|