| شرفات
خالد المعالي مهاجر عراقي يعيش في المنفى يكتب الشعر ويترجم عن الالمانية ما يعجبه من قصائد.. وبسعيه الدؤوب نجح في خوض مجال النشر كناشر محترف.. التقته الجزيرة في حديث ذي شجون عن الشعر في المنفى واحوال الثقافة العربية (رؤية من الخارج):
العراق وطن الشعر
* هناك مقولة تتردد بأن العراق بلد الشعر..فهل تعتقد بأن ثمة اماكن تفتح افق الشعرية اكثر من غيرها؟
هذا الكلام كلام فلكلوري.. وهو يشبه قولنا: ان القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ.. واذا حدث ان كان في العراق شعراء لهم باع كبير، فهذا يعود..ربما الى تأثيرات عبقرية المكان كما يسميها جمال حمدان.. وإلا بماذا تفسر ان تونس انجبت شاعراً رائعا مثل ابي القاسم الشابي او ان مصر في عصورها القديمة تركت لنا اعمالاً شعرية رائعة ولو قرأناها اليوم لوجدناها نصوصا معاصرة بكل معنى الكلمة.. هذا شيء عرضي. ربما هو محض صدفة لأن المكان يترك تأثيرات ويخلق تقاليد في التيارات الثقافية التي ستنشأ.. واذا صادف ان وجدت هذه التيارات المناخ الملائم فانها ستعطينا لاشك نتاجا شعريا عظيما.. لكن الملاحظ الآن ان الكوارث التي حلت بالعراق في السنوات العشرين الاخيرة لم تترك تأثيراً كما هو معهود وانما قدمت لنا البؤس الثقافي والشعري!
الانتماء إلى الشعر
* لكن، أليس هناك من شعراء العراق الكبار من ترك أثراً ما على تجربتك الشعرية؟
بداية إذا كان ثمة شعر لدي.. واذا كنت انا حقا لدي شيء من الشعر، فهذا يعود الى مجموع الشعراء الذين اطلعت على اعمالهم سواء أكانوا من العراقيين او من غير العراقيين.. فقد تراني مشدوداً لشاعر روسي مثل اوسيب ماندلشتام او لقصيدة شاعر غير معروف سومري او مصري قديم.
الشعر لا يعرف الحدود.. ماذا يعني الانتماء لشاعر معين ..؟ انت تشعر عندما تقرأ قصائد لشاعر معين بأن هذا الشعر يعطيك دفقا معينا استناداً الى مميزات خاصة، وهذا ينطبق على كل شاعر جيد سواء أكان هذا الشاعر هو السياب او سركون بوليص او باول تسيلان..
شعوري بالانتماء يتحدد فقط بأنني انتمي للشعر.
خصوصية المنفى
* باعتبار ان تجربتك الشعرية نمت في المنفى.. فهل يمكن القول ان الشعر العراقي في المنفى يختلف جذرياً عن شعر الداخل؟
من الصعب الفصل بين النتاج الشعري العراقي في الداخل والخارج.
ومهما بدت الاختلافات الخارجية كبيرة فان النتاجين الشعريين مرتبطان ببعضهما اشد الارتباط.. وهذا دليل على ان الشاعر الذي يسير في المنفى تائهاً تشده الخيوط غصباً عنه الى المكان الاول. وبما ان الثقافة العراقية حاليا والشعر جزء لا يتجزء منها قد تعرضت لتخريب كبير فان الشعر يعيش سواء بالداخل او الخارج اسوأ حالاته.
* اذا اقتربنا اكثر من اهم ملامح تلك الازمة.. ماذا تقول ... ؟
الملمح الذي يمكن ان تراه ان هذا الشعر او تلك الثقافة بشكل عام فقدت القدرة على التعبير عن المعيش اليومي اي انها تقريبا ثقافة مجانية.. مهما كانت نية الكتّاب المنفيين وغير المنفيين نية حسنة.. بمعنى انها منتج ذهني محض لا ترى فيه لاحداث المكان اي اثر!
*وهل تجربتك الشعرية افلتت من هذا المأزق ... ؟
هذا شيء لا يحق لي ان اتحدث فيه.. فانا حاولت واحاول التعبير عن نفسي.. لا اعرف ماذا انجزت.. على الشعر ان يكون ذاتيا وإلا لن يكون شعراًَ.. فنفس الشاعر هي المصدر الوحيد لكل ما يكتبه من قصائد، ذلك انها بمثابة المطبخ الذي تنجز فيه كل التجارب ببعديها الشخصي والعام.
* هناك ادوار اخرى تمارسها مثل الترجمة ومثل العمل كناشر.. من خلال قيام بترجمة كتابين.. على اي اساس تنتقي ما تترجمه؟
اترجم بشكل خاص الاعمال التي احب ان اقرأها في العربية او احب ان يقرأها اصدقائي في العربية.. بجانب اعجابي بالنص هناك عوامل اخرى تتدخل كأن يثير انتباهي احد الاصدقاء الى عمل ما لم يسعدني الحظ للاطلاع عليه.. وما اكثر الاعمال الجميلة التي لم نقرأها.
* وماذا عن عملك كناشر بماله من تعقيدات تجارية ألا يؤثر على روح الشاعر بداخلك ... ؟
هل نسأل الشاعر الذي يعمل سفيراً مثل أوكتافيوبات او سان جون بيرس كيف يفصل عمله كسفير عن كونه شاعراً.. ما الغريب في الامر؟.. على عكس آخرين يتيح العمل بالنسبة لي ان اعيش في اجواء ثقافية اكثر مما لو كنت صحفيا اتابع احوالاً مدنية واقتصادية.. ماذا تطلب من الشاعر ...؟ان يموت من الجوع او لا يملك النقود او يأكل بشكل سري.. هناك شاعر عربي معروف اسمه ابو الحسين الجزار كان يعمل قصاباً وابن الحجاج البغدادي كان محتسباً للخليفة.. وهكذا!!
*اهتمامك بالنشر والترجمة يفرض سؤالاً عن امكانية تقديم الثقافة العربية الى الآخر.. من خلال الحياة في المنافي كيف ترى هذا الموضوع الشائك ... ؟
اولاً، العرب مقصورون جداً في تقديم ثقافتهم واسناد هذا التقديم في اللغات الاخرى .فبلد مثل الدانمارك تدفع حوالي مائة مليون دولار سنويا من اجل اسناد ثقافتها في الخارج وهذا المبلغ لا تقدمه الدول العربية مجتمعة!! بالتالي تبقى المحاولات مرهونة باهتمام الطرف الآخر.. واي نقد نوجهه لهذه المحاولات هو صحيح بمعنى ما..لكنه ينطبق علينا نحن العرب قبل غيرنا.
* هل يعني هذا ان الثقافة العربية مازالت بعيدة عن العالمية بعكس ما يتردد ... ؟!
الثقافة العربية سواء الادب او حتى السينما لم تزل بعيدة عن المستوى العالمي.. هناك محاولات قليلة لبعض الكتب يمكن اعتبارها ذات شأن كبير لكنها قليلة جداً.. والحديث عن هذا الموضوع يتطلب منا ان نعرف الثقافة العربية على نحو اعمق: مالها وما عليها..
باختصار شديد.. فان ثقافتنا تعيش حالات تخبط وانحطاط ما بعده انحطاط فلا وجود لقاموس او معجم لغوي يتجدد بين فترة واخرى كسائر اللغات الاخرى..لا وجود لترجمات منهجية من اللغات الاخرى في شتى المجالات. فنحن لا نملك إلا في القليل النادر ترجمات كاملة لاعمال مفكرين وكتاب من العالم. نحن نعيش ايضا في تصادم مع ثقافتنا المحلية.. هذه بعض المطبات التي تواجهنا حاليا وتحتاج الى اعادة النظر في مسلمات كثيرة.
|
|
|
|
|