| الثقافية
* حوار محمد الدبيسي:
يتميز صنيعه النقدي بعنايته بالتفعيلات وحساسيته في التعامل مع الإشارات والدلالات تؤزه رغبة عارمة في إضاءة المعتم، والاهتمام بالمهمل في إطار ثقافي مؤسس على وعي بالمتغيرات والتحولات، وتنوع في الاهتمامات والاجراءات.
وكانت منجزاته النقدية إضافة لمشهدنا الثقافي/النقدي..
وعنه وحوله.. كانت لنا مع الناقد الدكتور عالي القرشي هذه المداخلات:
* في كتابك «نص المرأة من الحكاية إلى كتابة التأويل» محاولة لتأصيل مفهوم )الحكاية= التأويل( عبر تطبيقات تراثية ما الذي توصلت إليه عبر هذا البحث..؟
لقد آل التدوين في تاريخ الثقافة العربية إلى استجلاب الخبر، وإحاطة النصوص بعالم غرائب الحكايات والمرويات التي نسجت حول الشعر والشعراء، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى أن الحكايات والروايات جاءت مصاحبة لكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، بعضها صحت نسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والبعض الآخر بقي ينمو في الثقافة العربية ويزداد بمسافة الاسناد كماهو الحال في قصص الأنبياء، والإسراء والمعراج.. مما عرف بالاسرائيليات وغيرها..
وكذلك الحكايات التي تفسر الأمثال، وتحاول أن تؤول بالنص إلى واقع مكتوب خطته يد الأحداث.
ولقد أنشط تدوين الشعر في العصر العباسي حركة الحكاية.. فأصبحنا أمام حركة تهيئ الفرصة لصنع الحكاية، وتشكيلها تفسيراً للشعر وتأويلاً .. فكانت الكتابة المولد لكثير من الحكايات بسبب من الحرص على استثارة القدرة التأويلية لدى الراوي طمعاً من سيرورة الحكاية مع الشعر، وخلودها معه في التدوين، لتعلقها بالشاعر وشعره... وقد استدعت الكتابة حكايات ليست لتأويل النصوص فحسب، بل استدعت خط حكايات في التاريخ الزمن والفعلي للإنسان.
ذلك يقودنا إلى السؤال عن إمكانية تأويل «التدوين» وتفكيك جزئياته.. وإحالتها إلى بنى معينة في نظر الناقد.. فهل هذا ما سعيت إليه..؟
إذا كان الكتاب قد وقف علي إعطاء حركة التدوين فعلاً تأويلياً.. فإن ذلك التأويل مرتبط بنسق ثقافي سيطرت عليه توجهات وأضمر توجهات آخر تقابلها.. فإذا كان هناك نسق توجهه تصور الحاجة إلى الحاق كل فعل بمناسبة، وربط كل تخيل مجازي بحدث يقع.. فكانت هناك توجهات أخرى فعلى من شأن أسطرة الواقع، وتفسيره في ضوء المتخيل.. وربما كانت إشارات الكتاب إلى الحكايات المتعلقة بالشعر والشعراء مع الإشارة إلى نص ألف ليلة وليلة تظهر هذين الأمرين المتقابلين.
في مقارنتك النقدية لرواية رجاء عالم )سيدي وحدان( ذكرت أن هذا النص تجسيد للعلاقة بين الأنثى والكتابة وبين الأنثى والحكاية ما مدى تماس هذا المفهوم الاستنتاجي النقدي مع ما ذهب إليه الغذامي في كتابه «المرأة واللغة».
دخلت إلى عوالم هذا النص وأنا أنظر إلى تأويل النص، ودخوله في أسرار الحكايات وعوالمها، وتجسيده للعلاقة بين الأنثى والكتابة وبين الأنثى والحكاية، وبين الحكاية والتاريخ وبين النص والقارئ.. في الكتابة التي تتأول ذلك كله، وتقيم للنص جسداً من تلك العلاقة المتاوجة، مع كائنات وشخصيات يرهنها النص حينا لإرادته، ويتركها حينا آخر لتصوغ إرادة يحايثها النص.
وكان دخولي إلى هذا النص من باب مختلف عن دخول الغذامي إلى لغة المرأة، ذلك أن الغذامي يرى أن المرأة تمارس الإبداع وهي تدخل إلى لغة استعمرها الرجل.. وهو الأمر الذي بين الكتاب الموقف منه قبل أن يدخل إلى هذا النص، حيث يرى الكتاب أن الأنثى قد تتحدث عن أسرارها وعوالمها، وتستنطق خبايا بنات جنسها.. ولكن ذلك لايكون مبرراً لأن ندخل النص تحت تجنيس أنثوي، ذلك لأن النص فعل لغوي لاينحاز لأن يكون مذكراً أو مؤنثاً.
وقد كان نص رجاء ذا صلة بعوالم الأنثى، ومكتشفا لعوالمها، وقارئاً لأسرارها، ومستنبطا لتأهيلاتها، ولكنه لم يعطنا صفة لغوية، أو هيئة تركيبية لأن يكون جنساً آخر غير جنس النص اللغوي الذي يكتبه الإنسان، فهو أنثوي باعتبار عوالمه وما صرحت به الساردة كثيراً عن فعل المرأة في النص، ولكن وسيلته التي تكلم بها، وأفصح عن مكنونه هي اللغة التي يحاور بها الذكر والأنثى، وهو الحوار الذي شهدناه بين شخصيات النص من ذكور وإناث..
* ما كتبه الدكتور عبدالله الغذامي عن الأنساق الثقافية في نموذجها الشعري يراه الناقد محمد العباس خلل في تأويل النص الشعري.. فكيف تراه أنت..؟
مسألة الخلل وما تثيره من إشارات إلى الوهن والضعف.. من الممكن أن تكون عاملاً إيجابياً باعتبار الخلل أمر يفتح النص على بوابة الاحتمال، وعدم القطع بتأويل واحد له..
ولكن الغذامي قفز على تأويل النص الشعري، بتأويل السياق الثقافي، والإضافة إلى النسق الثقافي الذي رآه هو، فدخل إلى الشعر بنسق من خارج الشعر، رآه مسيطراً عليه وموجها لإرادته وأرى أن ذلك وجه احتمالي، لايرهن جماليات الشعر، وتفرد الإبداع، وتفرد الشعراء للسير في ركاب الفحل الأوحد.
* التجربة الشعرية في المملكة.. أنجزت خلال العقدين الماضيين امتيازات حقيقية على صعيد الرؤية والتشكيل بتجارب مميزة لمحمد الثبيتي، ومحمد الحربي ، وعلي الدميني.
كيف تقيم واقعها الحالي..؟
أرى أنها تتنامى، وتتوالد، بأصوات تتدفق في الساحة الثقافية وبأشكال مختلفة في التجريب.. والأمثلة كثيرة في الدواوين الصادرة، وفي النصوص الشعرية التي يقدمها المشهد الثقافي.
* كتب الكثير حول التجربة السردية «الروائية» في المملكة.. إلى الذي عبر به البعض إلى أنها قامت مع أفق الرواية العربية في نماذجها المميزة فكيف تنظر إليها..؟
نعم للتجربة الروائية في المملكة مسارات مختلفة تبارى مسيرة الرواية العربية، حيث تقرأ لدى رجاء عالم نصا روائياً له عوالمه، وطريقة بنائه.. وتقرأ لدى الدميني في «الغية الرصاصية» نصا مختلفا كذلك.. وكذلك عند عبده خال في «الموت يمر من هنا»، ولدى القصيبي في «العصفورية».
* اثر توليك للجنة الثقافية في جمعية الثقافة والفنون في الطائف.. حققت اللجنة في نشاطها حضوراً جاداً وملحوظاً في الساحة الثقافية. فما هي مشاريعكم القادمة..
سنتجه مستقبلاً بإذن الله إلى قطف ثمرات الانتداء التي تحققت في الجمعية من خلال منتدى عكاظ.. حيث سيتم عقد جلسات دورية لرعاية الإبداع تتم في وحدات متآلفة تنمي التآلف بين أفرادها، وتتبادل التجارب، والقراءات، والرأي فيما تقرأ، وماتتداول.. ليتهيأ من ذلك عالم الإبداع أمام المبدع، وتظهر أمامه مخاتلة التجارب لذلك العالم..
كذلك سنقوم بإ صدار نشرات دورية، تتضمن الإبداعات التي تم الاستماع إليها، والتعليقات التي دارت حولها.
وسنقوم بإذن الله بطباعة إصدار ثقافي إبداعي، يكون نافذة للمنتدى على الساحة الثقافية، ورسولاً من الوسط الثقافي إلى المنتدى.
وقد لمسنا من الأستاذ محمد الشدي رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون كل تشجيع، ووفاء بمستلزمات هذا الفعل الثقافي.
* في هذا الاطار.. كيف تقيم دور الأندية كونها المؤسسات الثقافية الرسمية.. الموكل إليها دعم ورعاية الشأن الثقافي؟
أرى أن الأندية والجمعيات موكلة بهذا الشأن، وأن عليها جميعا التفكير في معايشة الحركة الثقافية، وتنميتها، على نحو مختلف عن الحال الذي يدار به هذا الأمر الآن..
بحيث لايكون النادي أو الجمعية رسولاً فقط، ومستقبلاً للجاهز والمكتمل بل تكون مكان استقبال يتأثر، ويقرأ، ويستوعب، ويعايش فما بالك بناد أدبي لايقر شعر التفعيلة؟ أو آخر لايستوعب علاقة الموسيقى بالشعر والفن؟
أو آخر لايعرف كيفية انتقاد مطبوعاته؟
أو لايعرف الآلية التي يحكم بها على إنتاج أدبي اختلف عما يعرفه اعضاؤه؟
* نشرت مجموعة نصوص شعرية في بعض الملاحق الثقافية.. لم ترق لبعض المهتمين بالشأن الثقافي.
بماذا تفسر نشرك لها في هذا الوقت.. وبعدما قدمته نقديا من دراسات وأبحاث.
الأمر ببساطة شديدة انتاج رأيت من حقه أن يمر خارج رقابتي الذاتية.. وأن يكون تقويمه للآخرين، فلا أظن أن المصادرات مزعجة إذا عرفنا سهولة التطاول على شعراء ملؤوا الدنيا بالشعر، وشغلوا الناس..
وقد ولدت لدي قساوة الهجوم من البعض حنوا على ما كتبت، واعتزازاً به ما جعلت أجعل في مقدمة كتاب )نص المرأة..( نصاً شعرياً، وأجعل خانته نصاً شعرياً كذلك..
كذلك الحال في فاتحة كتاب «شخصية الطائف الشعرية» وخاتمته..
* معطيات مرحلة الرواد في ثقافتنا..
هل هي بحاجة إلى إعادة قراءة..
أم تفعيل حضور لمضامينها.. واستنتاج الجيد منها..
أم ماذا؟
لعل القراءة الواعية، القراءة التحليلية، القراءة التي تستثمر مناهج النقد الحديث كفيلة بإعطاء هذه التجربة حقها، وبتفسير إبداعاتها.. وهذا من حقهم علينا، ولكن من حقنا أن نعرف أن الزمن تجاوز الكثير من خطواتهم..
ولعلي في هذا الصدد أشير إلى قراءات واعية لإبداع الرواد قدمت في مشهدنا الثقافي منها قراءات: الغذامي، والبازعي، والسريحي، ومعجب الزهراني، وحسين بافقيه، وسلطان القحطاني، والشطي.
|
|
|
|
|