| مقـالات
ترى كم من الأصدقاء غير الطبيعيين تركونا بمحض إرادتهم بعد أن تعلقنا بهم وتعودنا عليهم وأصبحوا جزءاً منا، فهل نسيناهم رغم أنهم فارقونا؟ بل حتى رغم أنهم هم من أرادوا ذلك؟.. أبداً!.. كم من أولئك الأصدقاء المميزين الذين وجدنا فيهم أنفسنا في يوم ما ودون ميعاد وكم منهم بقي معنا حتى الآن؟ أقصد في قلوبنا وعقولنا؟ وكم من أولئك الاصدقاء الذين جرحونا وأساءوا إلينا وأتعبونا دون قصد، فهل تحاملنا عليهم أو اتخذنا منهم موقفاً معادياً؟ أبداً.. وكم من أولئك الأصدقاء الذين نجري خلفهم ونطلب ودهم ونسعى إليهم ومع ذلك لا نجد منهم سوى الصدود والبرود! نجدهم متقلبي المزاج معنا، كل يوم لهم حال! كم من أولئك الأصدقاء رغم ما بيننا وبينهم من سنوات طويلة وما بيننا وبينهم من عِشرة إلا أننا لم نستطع فهمهم حتى الآن؟ ولم نستطع أن نفهم ماذا يريدون هم؟
نعم أصدقاء كثيرون فارقونا ورحلوا عنا ومازلنا مشغولين بهم، مازلنا نحبهم أكثر مما كانوا معنا لأننا عرفنا قيمتهم ومقدار حبنا لهم، وأصدقاء آخرون مازالوا معنا ولا نعرف كيف نكافأهم!.
نعم أصدقاء تركونا ومع ذلك لم نغضب منهم، لم نحمل عليهم في قلبنا أية ضغينة بقدر ما حملنا لهم كل الود رغم أنه كان بإمكانهم عدم الرحيل ولكننا كنا ومازلنا نتلمس لهم الأعذار الواحد تلو الآخر فما بالك ووداعهم لنا ورحيلهم عنا لم يكن بأيديهم بل رغما عنهم؟!.
نعم إنهم يرحلون عنا ويودعوننا ومع ذلك نبتلع آلامنا ونكبت أحزاننا ونخفي دموعنا في مآقينا ولا نغضب منهم لأننا نعلم يقينا أنهم لا يفارقوننا كرها فينا ولا نكاية بنا ولا انتقاما منا، وإنما فارقونا لأن ظروف الحياة أجبرتهم على ذلك!.
إنهم يغادروننا لأن الظروف أقوى منا ومنهم! لأن هذه هي سنة الحياة أو أنهم يغادروننا لأنهم وجدوا أن هناك من يحول بيننا وبينهم، ولكن ما يريحنا أن البعد المكاني لم ولن يكون هو الحائل بيننا وبينهم في يوم ما!.
إن مثل تلك الصداقات الرائعة المخلصة رغم ما تُشكِّله لنا من أهمية كبيرة في حياتنا ورغم ما تضيفه لنفوسنا من راحة نفسية ورغم ما تُحدثه بداخلنا من تغيرات وتحولات إيجابية، إلا أنها مع ذلك قد توصلنا إلى مرحلة التعب خاصة إذا كنا حساسين جداً ومخلصين جداً في صداقتنا لدرجة أن كلانا يُطلق على نفسه أنه توأم الآخر!.
ولكن هذا التعب النفسي هو شعورنا الدائم أننا سوف نخسر هذه الصداقة لأن هناك شخصاً ما أو أكثر سوف ينتزع منا توأم روحنا سوف يُفصلنا عنه ويبعده عنا، سوف يأخذه بعيداً لدرجة يصعب معها الاتصال به والتواصل معه!.
والسبب الآخر هو سؤالك الحائر لنفسك ماذا لو زعل عليّ هذا الصديق العزيز، هذا الإنسان الغالي هذا الكيان الكبير، هذا الجود المتدفق؟ كيف أُراضيه؟ وماذا لو غاب عني كيف لي أن أعرف أراضيه؟.
تفكر وتفكر في الأمر وتقول: هل يكفي أن أعتذر له؟ وبأي صيغة؟ هل بالصيغة اللفظية العادية التقليدية التي يستخدمها الآخرون؟ إذن ما الفرق بينه وبينهم؟ إنه شخص مختلف رائع في كل شيء وهكذا ينبغي أن يكون الاعتذار لو كان اعتذاراً مختلفاً يتناسب ومكانته في قلوبنا.
تفكر وتفكر ثم تقول: هل الهدية كافية لإرضائه؟ ولكنها أي الهدية تُقدم لأي شخص فهل هو كذلك مثل أي إنسان آخر؟.
تفكر في أن تنقل محاسن هذا الصديق لغيرك كنوع من الاعتراف بالجميل له فهل يكفي ذلك؟ وهكذا تستمر في تساؤلاتك الحائرة إلى أن تقول لنفسك: أبداً. لا هذا الحل ولا ذاك الاعتذار بل رضاؤك الحقيقي الذي تستحقه، الذي يتناسب ومكانتك الغالية لدي هو أن أظل لك كما أنا توأم روحك، أظل ذلك الجود المتدفق صدقا، ذلك الشلال المتدفق حباً.
نعم يظل الحل هو أن أعرف حقيقة مفهوم هذا الزعل الذي يعني دليل حبك لي وحرصك عليّ ورغبتك في أن تحافظ عليّ كيف يظل ما بيننا شيئاً رائعاً يملأ حياتنا سعادة ويضيء دروبنا نوراً ويشعل شمعة الأمل في داخلنا ويرقى بذوقنا العام لأننا متقبلون لبعضنا منفتحون على الآخرين لا نغضب من آراء بعضنا؟
نعم يظل الجواب هو أن تكون تلك الصداقة التي تربطنا أنموذجاً حياً رائعاً تُقدمه للآخرين كي يدركوا بأنفسهم معنى هذه الصداقة ومتانتها وعمقها كي يستفيدوا منها وكي يعرفوا كيف يقدرون اختلاف وجهات النظر فيما بينهم ويراعون ظروف بعضهم ويراعون اهتمام الآخرين أيضاً.
إن ما يتعبنا بحق مع أصدقائنا أننا نتوقع منهم الكثير والكثير جداً وأقل هذا الكثير هو أن يكونوا عند حسن ظننا، أن يكونوا بجانبنا وقربنا متى احتجنا لهم، أن يساعدونا وأن يمدوا لنا أيديهم حتى قبل أن نطلب منهم ذلك أو نتفوه به لهم لأنهم لابد أن يشعروا ويحسوا بنا خاصة حينما نكون في ظروف صعبة ومحرجة وليس لدينا الوقت الكافي للتفكير أو التصرف.
نعم هذا ما يُتعبنا من الصديق أحياناً «أجل صديق على الفاضي!!» هذا ما سوف نقوله أحياناً وبقهر وبطريقة محبطة ومضحكة أحياناً لقلة الحيلة وانعدام التصرف تقولها وكأنك تقول لهذا الصديق: إذن ما قيمتك إن لم تساعدني الآن أو تفهمني؟! ألم تقل هذه العبارة يوماً ما بشكل أو بآخر؟ ألا تذكر؟.
ألم تقلها أحياناً لأنك تريده أن يبقى معك ليشاركك كل شيء وأي شيء؟.
إذن فالصداقة ليست بالشيء بل شيء مهم وضروري في حياة كل منا، وهذا ما يجعلنا نتضايق لدرجة التعب أحيانا حينما نشعر أننا غير قادرين على تكوين صداقات حميمة أو المحافظة عليها! غير قادرين على أن نقطف ثمارها وأن نستفيد منها كما ينبغي، بل غير قادرين على فهمها وفهم ماذا يريده الطرف الآخر منا!!
إن تكوين الصداقات قد تكون أمرا سهلا في كثير من الأحيان لأنها قد تحدث بشكل تلقائي وعفوي وغير مرتب ولكن المهارة تكمن في كيفية المحافظة عليها وديمومتها وجعلها عامل دعم ومؤازرة فبالنسبة لنا، ولكي نحافظ على أصدقائنا فلابد من تحبيب الناس فينا أولاً، ولكن كيف؟ ولكي أسهل عليك المهمة هناك مجموعة من النقاط الأساسية منها:
*أظهر اهتمامك بالناس الآخرين «أصدقائك» ومن ذلك ألفاظ الأدب والاحترام مثل إذا سمحت.. إلخ.
*تذكر أن اسم الإنسان هو أجمل وأهم الأسماء إليه بالنسبة إليه فناده به.
*تبسّم.
*كن مستمعا لبقاً وشجع الآخرين للتحدث عن أنفسهم.
*قدر ظروفهم وراع مشاعرهم.
*تحدث عن الأشياء التي هي موضع اهتمام الآخرين.
إن المبدأ الجميل المتعارف عليه في تكوين الصداقات والعلاقات الإنسانية هو «أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به» أليس كذلك؟! ولكن لنتذكر أيضاً شيئاً مهما قد يحدث فرقا كبيراً في المحافظة على صداقتنا مع الآخرين وبخاصة في أوقات الحزن والألم،
ففي هذه الأوقات بالذات لا أحد منا يعرف ماذا يقول؟! المهم ليس ماذا تقول، إنما المهم هو تواجدك بالفعل لتقاسم صديقك آلامه، فالناس يُحبون من يشاركهم أفراحهم ويحتاجون لمن يقاسمهم أحزانهم وحينما يتواجد الصديق في مثل هاتين المناسبتين، فإنه يعتبر عملة نادرة ولا يُقدر بمال «أجل صديق على الفاضي!!».
عموما الموضوع شيق ومهم ولا أحب الإطالة فيه لأنني أعرف أن الإطالة فيه لن تنتهي خاصة حينما نتحدث عن أسس تكوين الصداقات والمحافظة عليها وهذا ما لاحظته بنفسي حينما كنت أقوم بتنفيذ بعض الدورات التدريبية في الصداقة وتكوينها وآليات المحافظة عليها في المملكة، لقد وجدت بالفعل أن الناس وبالذات الشباب في حاجة لتعلم الكثير والكثير جداً وجدتهم متعطشين جداً لمعرفة المزيد والمزيد لأن الناس فيها الخير والخير الكثير طالما عرفنا كيف نصل إليهم وندخل قلوبهم.
عموماً وقبل أن أنسى كل عام وأنتم بألف خير بمناسبة السنة الهجرية الجديدة التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلها فاتحة خير وبداية سعادة وأن يجعلها فرصة لنقوي علاقتنا بربنا ومن ثمّ علاقتنا بأصدقائنا وأن يحفظ أحباءنا ويديم علينا نعمة الصحة والأمن والاستقرار.
همسة
ماذا أعمل؟
قُل لي أنت..
كيف أتصرف..
وأنا أعلم يقيناً..
أنك سوف تسافر قريباً؟
سوف ترحل عني بعيداً؟
سوف تتركني لوحدي؟
ولا صديق لي سواك!
***
ماذا أفعل وأنا أدرك
يا صديقي..
أنني لن اجتمع بك
كما تعودت؟!
لن أراك بسهولة
حينما أريدك؟!
لن أسمع صوتك..
حينما أحتاجك؟!
يا من أنت أكثر من صديق
***
ماذا أفعل
وقد أصبحت جزءاً مني..
بعد أن أصبحت
توأم روحي؟
بعد أن ارتبط اسمك باسمي؟
***
إنني لا أستطيع منعك من السفر..
لا أستطيع أن أبقيك معي..
وإن استطعت
فإلى متى ومتى؟
ولكن ما حيلتي..!
وهو أمر محتوم..
لا رجعة فيه؟
إنه رغماً عنك!
***
شيء مؤلم ذلك السفر!
حينما يأخذ مني أعز صديق..
ولكن عزائي
أن الرحيل..
لا يعني النسيان!
لا يعني الهجران!
لا يعني النكران!
***
عزائي أنني حينما أودعك
فعلى أمل أن ألقاك غدا..
أو بعد غدٍ..
وقد عُدت إليّ!
***
لأنني منذ عرفتك..
استبعدتُ من قاموسي
شيئاً اسمه:
رحيل.. وداع.. سفر!
رحيلك أنت..
وداعك أنت..
سفرك أنت..
وربما هذا هو ما يتعبني!
رغم أنه يسعدني!
|
|
|
|
|