| مقـالات
شيء مثير ولافت ويدعو للتفكر ذلكم التعلق المحبب من أطفالنا بخروف العيد )الأضحية( هي مدار حديثهم واهتمامهم قبل العيد بمدة تليق بالمناسبة والحدث السعيد، خلالها تكون ذكريات الأضحية السابقة في الموسم الفائت تردد وتقال في كل جلسة وتعاد حكايات الأطفال مع الخروف وحسن تعاملهم معه مع الشوق للقاء الخروف الجديد المنتظر للموسم الذي يحل مجددا ليسعد الأحبة قبل الكبار بمؤانسة أضحيتهم العزيزة وملاطفتها وتقديم مالذ وطاب لها من مأكل ومشرب حتى إن غالبية الصبية الصغار يقدمون لها مخصصهم من المكسرات والتسالي يضيفون لها قشور الفاكهة، بل الفاكهة كلها ويؤثرون على أنفسهم وفي الليالي التي تسبق ليلة العيد لا ينامون قبل إلقاء نظرة على خروفهم الذي حرص الأهل على جلبه الى المنزل لعلمهم مدى تعلق فلذات الأكباد وحبهم لخروف العيد، فهم قبلهم في الصغر كانوا كذلك، فالمسألة متوارثة بين المؤمنين بالله المسلمين له سبحانه أطفالا وكبارا منذ قصة )البلاء المبين( وما جرى من امتحان الله لنبيه سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما أفضل الصلاة والتسليم، توارثت الأجيال هذا الحب وتلكم الحكمة والموعظة واستلهموا العبرة واستشعروا الموقف الرهيب المهيب والابتلاء العظيم بعد ان تعلق قلب )الأب الرحيم( إبراهيم بابنه العزيز جدا على قلبه وزاد ذلكم الحب وتدرج حتى بلغ شغاف القلب، يقول سبحانه في سورة الصافات:« فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أ ذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين».
ولكن القلب يجب أن يخلص الحب لله وحده ولا يجب ان ينصرف للابن بهذا القدر الدافق بغزارة لئلا ينصرف عما هو أهم من ذلك فالقلب قلب نبي ويريد الله ان يجعله خالصا من هذا التعلق الذي لا يجوز إلا به سبحانه، ولكنه جل شأنه رحيم بعباده وبلطف منه بلسم القلب الشغوف بوقع رقيق حسن بدأ في المنام كتنبيه وتدرج سلس لطيف، فالرؤيا المشاهدة في المنام لأمر يكرهه المرء في يقظته فيه توطين للنفس وتطهيرها وتزكيتها وتفريغها رويدا رويدا دون نزع الحب منها للابن بأكمله بل تحويلها للأسمى من الغايات والأهداف، وبتكرار رؤيا إبراهيم عليه السلام تلك كما يقول المفسرون يكتمل تدريب النفس على مواجهة البلاء والواقع المؤلم لدرجة أهَّلته لمفاتحة ابنه الحبيب بالأمر فكان الابن المطيع راقيا في تعامله مع أبيه بل كان قدوة في هذا المسلك، ورد ردا يليق بمن هم مثله وعلى شاكلته.. وحينما اطمأنت النفوس وتوجهت بقناعة ورضى ممتلثة للتوجيه الرباني جاء التطمين الالهي والبشرى المفرحة: «فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم».
فقضت إرادة الله سبحانه ان تكون هذه الحكمة البالغة والعظة اللطيفة باقية الى الأبد، ومن هنا كما يقول الفقهاء كانت السنة المؤكدة للأضحية بما فيها من المواعظ والحكم والدروس للآباء والأبناء، وهذا على ما يبدو لي وأنا الاحظ الصغار في تعاملهم الرقيق مع خروف العيد هو السر والرابط للاحتفاء بالأضحية والاهتمام بها وتقدير المناسبة )عيد الأضحى المبارك( وارتباطنا بها وجدانيا روحانيا حتى إننا بدافع لم نستقص سره نحرص ان نحضر خروف العيد للمنزل قبل العيد بيوم أو يومين لشعورنا بما يولده هذا الإجراء من بهجة وحبور لدى الصغار لا يدركون سببه ولكنها السنة التي أراد لها الله أن تبقى، وهي القدوة الحسنة التي أراد الله للمؤمنين ان يتوارثوها، وكم في القرآن الكريم من حكم ومواعظ نستشعرها كلما تدبرنا آياته.،
|
|
|
|
|