| مقـالات
ما الذي تكتب أيها القلم؟
وماذا تريد ان تطرح من خلال ما تسطره من الكلمات؟؟
تكتب عن الحجاب «حجاب المرأة» بمعناه الشرعي المشرق؟؟
عجبا لك...
تنسى انك في عصر العولمة الذي يرى ان ما تكتبه عن الحجاب ضرب من التخلّف والجمود والاجترار للماضي الذي لم يعد له مكان في الحاضر؟!!!
عفوا ايها السائل المتعجّب ، أتنسى ان الحجاب الشرعي اضاءة واشراق، وطهر وعفاف، وسموّ وارتفاع؟!
أتنسى ان كلمة «من وراء حجاب» جملة من آية قرآنية كريمة؟
ويحك ايها السائل المتعجّب، كيف تستنكر كلمة الحق التي لا شكّ فيها؟
كيف تستكثر من ريشتي ان تتعطّر بشذا أزهار الفضيلة والنّقاء، والصدق والصّفاء؟!
كيف ترضى لنفسك هذا الانهزام أمام زيْف عصْر «الجَوْهَلة»، نعم ..اسمح لي ان أصحّح هذه اللفظة التي شاعت وراجت بين الناس، وأصبح يردّدها العُلماء والمثقفون والمفكّرون دون ان يتنبّهوا الى حقيقتها..انها «الجوهلة» ايها السائل المتعجّب .. نعم هي كذلك، فخذ عني هذا المصطلح واجره على قلمك ولسانك ، وامسح من قاموسك المعاصر كلمة «عَوْلمة» فمهما كانت دلالتها، ومهما طال من الكتاب والمفكرين شرحها ضع مكانها كلمة «الجَوْهلة» بلا تردّد، فانك عندها ستكون في دائرة الصواب.
هنا يمكن ان أعود بك الى موضوع الحجاب فأقول: ما الذي يعنيك من تُرَّهات عصر «الجوهلة» ما دام الحق أبلج كالشمس الضاحكة في يوم الصّحو الجميل؟ وما الذي يضيرك ان يقول لك المخدوعون بجوهلة هذا العصر: انك متخلّف جامد، ما دمت انت في الحقيقة منطلقا في طريق الخير والصّواب؟ وما الذي يشغلك من دعوى جاهل يحلف لك أغلظ الأيمان ان الشمس تُشْرق ساعة الغروب، وتغرب ساعة الشروق، مع انك تعلم علم اليقين ان الليل يغمره وهو يؤكد لك بزوغ الشمس حتى يغيب عنك شخصه في عتمة الليل، وتتجه انت لأداء الصلاة، وهو يتمتم: الشمس الآن طالعة، ثم تأوي الى فراشك ناعم البال، وهو غارق في وهمه الكبير.
نعم ما الذي يهمّك من جاهل تقول له: قال الله تعالى، وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ويقول لك: الفيلسوف فلان، والمفكر علان، والأديب هلاّن، واذا تأملت ذلك علمت انه ينقل كل ذلك برواية الشيطان، وهل تكون روايات الشيطان نعوذ بالله منه الا مناقضة لآيات القرآن.
أيها السائل المتعجب... ما زلت أنا من أمرك وأمر أمثالك من المسلمين أعجب.. ما الذي يجعل صاحب الحقّ يتضعضع ويتوارى، ويخجل من اعلان ما هو عليه من الحق، ويظل يذوب ويذوب بحجة المسايرة للآخر، حتى تراه خارجا من دائرة حقه وصوابه، الى باطل الآخر وخطئه، وهو في كل ذلك يخشى ان يوصف بالتخلف والجمود فيظل في هذا الوهم والوهن حتى يشطح به الى مزالق الهوى، وهناك يفقد ثباته وصموده وهما عماد الشخصية المتزنة، وركيزة صاحب المبدأ الأصيل.
قلت لك: «من وراء حجاب» وتقول لي: عصْر.. «الجَوْهَلَة»؟
أنسيت قول الله تعالى: «وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهنَّ من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن»؟.
انه مقطع كريم من آية كريمة صريح العبارة واضح الدّلالة، نرتّله بملء افواهنا، ونصغي اليه بقلوبنا قبل آذاننا، ونستجيب له دون ان ننظر الى سخرية ساخر، أو لوم منافق أو كافر، وقد ورد في سورة الأحزاب قبل الآية المذكورة آنفا خطاب من الله تعالى الى رسوله الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم يقول فيه: «ولا تُطع الكافرين والمنافقين ودَعْ أذاهم وتوكّل على الله وكفى بالله وكيلا»، نهي إرشادي واضح موجه من الله الى رسوله بعدم طاعة الكافرين والمنافقين لأنهم لا يريدون خيرا ولا يدعون الى خير وأين الخيرية ممن يكفر بربه عزوجل؟! وما داموا بعيدين عن الخير وارادته والدعوة اليه فهم بلا شك اعداء أهل الخير لا يتورعون عن ايذائهم والإساءة اليهم، ومن هنا جاء الأمر الصريح في الآية «ودعْ أذاهم» نعم ... اصرف نظرك عن ايذائهم لك ولا تشغل نفسك به، ولا تخشى منه، ولا تتوقف عن دعوتك المباركة بسببه، «وتوكل على الله» لأنه هو المشرع وهو القادر على صرف أذاهم عنك، وتأييدك بتوفيقه ونصره «وكفى بالله وكيلا».
هكذا ايها السائل المتعجب علم الله سبحانه وتعالى رسوله صلى عليه عليه وسلم وهكذا ربّى رسول الله اصحابه الكرام، وربّى بتربيته لهم الأمة كلها الى ان تقوم الساعة.
«من وراء حجاب».. عبارة قرآنية مشرقة لا تعزل المرأة عزلا كاملاً، ولا تحول بينها وبين حياتها الطبيعية في المجتمع، ولكنها تصون شخصيتها من عبث العابثين، فالمرأة تتعلّم، وتتفقّه وتسأل وتجيب، وتعمل ، ولكن ذلك كلّه «من وراء حجاب» فما هي صفة هذا الحجاب؟ وماذا يعني؟، ولماذا عُني به الشرع الاسلامي الحنيف؟؟
لن تكون الاجابة نقلا لآراء الفقهاء في هذه المسألة هنا، وانما هي محاولة لتصوير ايحاء هذه الكلمة، وما يحدثه من اثر في النفس المؤمنة المطمئنة التي سلمت فطرتها من الانحراف.
ان للفقه الاسلامي رأيه في تحديد صورة الحجاب «لباساً» وماذا يجب على المرأة المسلمة في هذا الجانب، وما الحدود التي تقف عندها زينة المرأة، ولمن من المحارم تُبدى هذه الزينة وغير ذلك من الجوانب المتعلقة بالصورة الحسية للحجاب.
أما جانب الايحاء فله أبعاد أخرى لا تخفى على كل ذي بصر بدلالات لغتنا الخالدة بصفة عامة، ولغة القرآن بصفة خاصة.
انها الأبعاد الايمانية والأخلاقية والاجتماعية والانسانية التي تحفظ للمرأة قيمتها فعلا وترعى مكانتها الخاصة في حياة الأمم.. ومن هنا تأخذ كلمة «الحجاب» في الاسلام مكانا متميزا بجعلها كلمة مضيئة ذات بعد اخلاقي وانساني وذات قيمة حضارية خاصة، وهي بذلك لا يمكن ان تكون دالّة أبدا على الجمود والتخلّف، لأنها هي التي تكسر معنى الجمود والتخلّف.
كيف ذلك ...
المرأة في ظل المذاهب البشرية المدّعية للتقدم والتطوّر «متاع رخيص» جداً. كائن مخلوق للاستمتاع واشباع رغبات الرجل المتسلط فقط، ومن هنا تنبثق كل الدعوات المضللة الى إخراج المرأة من عوالم نقائها وصفائها «وحجابها» المشرق.
وجميع المذاهب البشرية تتعامل مع المرأة من منطلق هذه الصورة «الشهوانية» الهابطة مهما حاولت الأبواق قلب الحقيقة في هذا الأمر.
ان «الحجاب» بأبعاده الحضارية الاسلامية.. هو طريق السمو بالمرأة الى المنزلة السامية التي رفعها اليها الاسلام...
وعند المفهوم الصحيح «للحجاب» تسقط كل دعاوى التخلف والجمود التي يطلقها اعداء تحرير المرأة الذين يدعون تحريرها زورا وبهتانا .
وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ومعهن كثيرات من النساء الفاضلات العالمات المصلحات اكبر دليل على ذلك البعد الحضاري المشرق لمعنى «الحجاب » في الاسلام.
فالمرأة المسلمة تتعلم، وتتفقّه، وتقرأ وتكتب، وتجيب وتسأل، وترعى حقوق زوجها، وتربي ابناءها، وتستمتع بما أباح الله لها من متع الحياة، وتشترك مع الرجل في أداء كثير من الواجبات والأعمال وهي مع ذلك كلّه تحقّق البعد الحضاري لكلمة «الحجاب» وهنا تسطع هذه الكلمة بنور حضاري تعشى عن رؤيته عيون الواهمين، او المغرضين الذين يريدون ان يستمتعوا بالمرأة في اي مكان، وبأية صورة يريدون، فينزلون بها الى الحضيض مدّعين خداعا انهم يحرّرونها ويرتقون بها.
ماذا قدم اعداء «الحجاب» للمرأة المسلمة بصفة خاصة؟؟؟
اخرجوها من المنزل اخراجاً فوضوياً شائنا، قدّموها قُرباناً على مذابح الشهوة التي تجلب لها الشقاء باسم السعادة، طيّروها خادمة للرجل في الأجواء وسمّوها «مضيفة» قدّموها جسدا للاغراء على مسارح التمثيل، وعرض الأزياء وسمّوها «فنّانة» أدرجوها في عجلة المادة القاتلة بين دخان المصانع، وغبار المباني وسمّوها «امرأة عاملة» عرضوها على الشاشات المختلفة، وعلى اغلفة المجلات وسمّوها «متحرّرة» أخرجوها الى الشقاء باسم السعادة، والى العناء باسم الرّاحة، والى الانحلال باسم الحرية، والى التخلف باسم التقدم، ثم قالوا: ان حجاب المرأة تخلّف وجمود..!!
ألم أقل لك ايها السائل المتعجب ان كلمة «الجوهلة» مناسبة جدا لهؤلاء الذين يركضون وراء سراب «العولمة»؟؟
في عصرنا هذا تقف المرأة المسلمة الواعية شامخة بمبادئها ناهلة من مناهل العلم والثقافة والوعي وهي تحقق دون خجل او وجل معنى «من وراء حجاب» وهذا هو الانتصار الحضاري الحقيقي على كل دعاوى الواهين.
عبد الرحمن صالح العشماوي
|
|
|
|
|