| تحقيقات
*
لقاء عبدالرحمن المصيبيح تصوير فتحي كالي
يمر الإعلام العربي باختلاف وسائله بتطورات كبيرة مع التقدم المستمر في التقنيات الاتصالية، ولادة أجيال جديدة من الاتصالات والبث التلفزيوني الرقمي المباشر، وشبكات الإنترنت، العولمة الإعلامية، وكل المعطيات الاتصالية المتلاحقة التي بشكل او آخر ساهمت في هذا التطوير الإعلامي مسموعا ومرئيا ومقروءا، جريدة الجزيرة التقت بالدكتور عبدالله الجاسر وكيل وزارة الاعلام، عضو المجلس الاعلى للإعلام، استاذ الرأي العام والدعاية الدولية جامعة الملك سعود سابقا، وكان مسؤولا مباشراً عن مسيرة العمل الإعلامي المشترك في إطار مجلس التعاون لأكثر من عشر سنوات وله كثير من الدرسات والأبحاث في مجالات الإعلام بشكل عام والإعلام السياسي واقتصاديات الاعلام، العولمة إعلامياً، وطرحت مجموعة من الرؤى من أجل توضيح واقع الإعلام العربي في وقتنا الحاضر، ثم جاءت الاجابات متخصصة ومهنية في إطارها النظري والعملي، وقد ركزت محاور النقاش فيما تقوم به أجهزة الاعلام العربية من جهود مشتركة وفق ما أقره وزراء الاعلام العرب منذ بداية اجتماعاتهم الاولى وحتى وقتنا الحاضر.
* نود بداية الحديث عن الإعلام في زمن العولمة؟
العولمة ظاهرة قديمة برزت على الساحة الدولية الحالية نتيجة التقدم الهائل علمياً وتقنياً في وسائل الاتصالات من الاقمار الصناعية والبث التلفزيوني الرقمي المباشر وشبكات الانترنت، والعولمة الاعلامية توجب التعايش معها وتطويع معطياتها لخدمة العمل الاعلامي باختلاف وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية، وهناك اختلاف بين الاعلام المعولم والهيمنة الإعلامية، نحن أمام متغيرات عالمية إعلامية وسماوات مفتوحة فيها كثير من التقنيات الاتصالية التي أضحت مصدر تقدم للحضارة الإنسانية والحالة هذه لابد ان ينظر برؤية استراتيجية تكاملية لأجهزة الاعلام محليا وعربيا وحتى يتم ذلك يجب إعادة تكوين البنيات الاساسيه للإعلام على المستوى المحلي والعربي لكي تستطيع اقتحام عصر جديد نحافظ فيه على خصوصياتنا الإسلامية والثقافية والمجتمعية والتصدي لكل الإفرازات السلبية لما نسميه بالثقافة الكونية الشاملة، اولى هذه التحديات القدرة على تحديث تقنيات الاعلام وابتكار مفاهيم جديدة لتوطين الصناعة الإعلامية فكراً ومهنة في ظل ما هو قادم من فتح الحدود أمام المنتجات الثقافية والإعلامية العالمية التي سوف تؤثر على هويات الشعوب ضمن التوجهات المتسارعة داخل منظمة التجارة العالمية، يتطلب صون أهداف رسالة الإعلام بشكل عام سواءً أكان مصدرها إعلاماً حكومياً أم إعلاماً مملوكاً للقطاع الخاص من خلال مراكز إنتاجية مسموعة ومرئية تلبي احتياجات المستمع والمشاهد المحلي والعربي وتأتي بعوائد مالية من خلال برامج تسويقية واسعة على مستوى العالم العربي عوضا عن صرف جل الاهتمام الإعلامي للتصدي والمواجهة إذ أن الأسلوب الأفضل هو تحسين المنتج الإعلامي وتطوير أدواته بحيث يتعامل مع العولمة بأساليب تفاعلية حوارية حضارية لا تقوقعية أو تصادمية.
إننا في عصر تتحاور فيه الثقافات والحضارات ولابد من جهود لتطوير الإعلاميات المحلية والعربية لخلق ما نسميه بحوار التكافؤ مع الاخر حتى نضمن صورا صحيحة لمظاهر التنمويات المحلية والعربية ونواجه ما يلحق بها من تشويهات أو إساءة ولا شك أن تنمية وتدريب العناصر البشرية للتعامل مع تقنيات العصر يعتبر أحد الركائز الاساسية في مسيرة التحديث الإعلامي المنشود.
إن الإعلام المعولم هو كم هائل متدفق من المعلومات الحرة وهو حقوق من الاتصالات الإعلامية المرئية والمسموعة والمطبوعة توفرت وسوف يتوافر مزيد منها غير محدود تبرز اختيارات متعددة للمشاهد والقارئ والمستمع بإيجابيات كثيرة وبسلبيات اكثر وإن تأخرت الدول العربية في تحسين منتجاتها الإعلامية وتأخرت في مسيرتها الاعلامية التكاملية فإن من شأن ذلك تأخر عولمة الاعلام العربي.
* هناك تباين فكراً ومهنةً بين أجهزة الاعلام الحكومية وأجهزة الاعلام المملوكة للقطاع الخاص ما رأيكم في ذلك؟
هناك فعلا تباين في تحديد الأولويات بين قطاعات الإعلام الحكومية والأخرى المملوكة للقطاع الخاص واستطيع القول إن الحكومات العربية تمارس العمل الإعلامي باختلاف أنواعه من منطلقات المسؤوليات الاجتماعية الملقاة عليها تجاه شعوبها وهي أولويات أساسية، حيث ان الإعلام هو تعليم وتثقيف وتوعية وترفهي بعيدا عن التركيز الدائم على الأهداف التجارية التي عادة تدخل ضمن حسابات الاعلام الخاص، وعلى أية حال لابد من إيجاد صيغ تكاملية إعلامية بين القطاعات الإعلامية المملوكة والمدارة من قبل الحكومات العربية والأجهزة الإعلامية المملوكة للقطاع الخاص وقد ناقش وزراء الاعلام كثيرا أهمية التنسيق والتعاون والتكامل بين القطاعين وشكل وزراء الاعلام العرب لجنة عليا للتنسيق مع الاعلام الفضائي المملوك للقطاع الخاص وذلك من اجل الوصول الى رؤية إعلامية عربية موحدة وتتمثل مهمات هذه اللجنة العليا بين القطاعين في التنسيق في المجالات الهندسية بما في ذلك توحيد أنظمة النفاذ للقنوات الفضائية العربية ورقمنة التبادل التلفزيوني ( عرب سات) ونظام التبادل الاذاعي عبر(ساتل). وفي مجالات التدريب بما في ذلك القيام بتنفيذ نظام التدريب عن بعد لاتاحة الفرصة امام القنوات الفضائية الراغبة في الاستفادة من هذا النظام. عمل خطة سنوية لإقامة دورات تدريبية عن طريق المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني في دمشق لتمكين القنوات الفضائية من الاستفادة من هذه الدورات، وفي مجالات الاحداث الرياضية وذلك بضرورة التزام القنوات الفضائية العربية بمبدأ التفاوض الجماعي في اطار اتحاد اذاعات الدول العربية مع الجهات مالكة حقوق بث الاحداث الرياضية الكبرى ولاسيما مباريات كأس العالم لكرة القدم، التنسيق مع الاتحادات الإذاعية الدولية والإقليمية ضمن جبهة موحدة بهدف حمل الجهات مالكة الحقوق على التفاوض مباشرة مع الاتحادات الإذاعية، إلزام القنوات الفضائية لرصد ميزانيات للأحداث الرياضية تتلاءم مع حقيقة الأسعار في سوق الأحداث الرياضية وتطوراتها المرتقبة في ظل احتدام المنافسة في هذا المجال، تبني موقف عربي موحد حازم إزاء ظاهرة احتكار الحقوق من قبل التلفزيون المشفر في المنطقة العربية بما يضمن نقل الأحداث الرياضية الكبرى عبر القنوات التليفزيونية المفتوحة خدمة للمشاهد العربي.
واخيرا التنسيق مع الهيئات المكلفة لحماية الملكية الفكرية في الوطن العربي بما في ذلك إعداد الدراسات وأوراق العمل الأساسية عن واقع حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي، والتعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية واتحاد الاذاعات الاوروبية، تأسيس إدارة تستقبل الشكاوى التي تقدم عن طريق الدول ضد معتدين في الدول الاخرى وتقوم هذه الادارة بمتابعة القضايا ومايصدر بشأنها من احكام وحقوق لصاحب الشكوى، وذلك داخل الادارة العامة للاعلام بالجامعة العربية بالقاهرة، حث جميع الجهات المنتجة والموزعة والعارضة على تضمين عقود التوزيع التي تنظمها بندا يوضح نوع الحقوق الممنوحة للهيئة العارضة مثل: حقوق البث الفضائي حقوق البث الأرضي حقوق البث الارضي والفضائي المشترك حقوق اعادة البث.. وغيرها.
* أحد قرارات وزراء الاعلام تتعلق بالإنتاج التلفزيوني المشترك أين وصلت مراحل هذا المشروع؟
في زمن الاعلام المعولم وفي ظل تطورات التقنية العالمية يواجه الاعلام العربي حاليا تدفقاً معلوماتياً وانتاجاً درامياً وحتى برامجي غير متكافئ مع الاعلام خصوصاً الاعلام الغربي بمافي ذلك الامريكي، ونعتقد أن التقوقع او التصادم من مظاهر الانهزام الاعلامي العربي ولابد من تحسين المنتج المحلي سواء على مستوى كل دولة بمفردها او على مستوى الدول العربية مجتمعة من اجل ذلك أسست لجنة عليا لشؤون الإنتاج العربي وتقوم بدراسة جميع الجوانب والمسائل المتعلقة بالإنتاج العربي المشترك ووضع استراتيجيات وخطط آنية ومستقبلية للنهوض بهذا الإنتاج وبالذات الدرامي كما ونوعا والسعي من قبل هذه اللجنة العليا لشؤون الإنتاج العربي على دعم الإنتاج وفق احتياجات القنوات الاذاعية والتلفزيونية العربية وذلك بدراسة شؤون الإنتاج واحتياج أجهزة الاعلام العربي العامة والخاصة وتنشيط الإنتاج الإعلامي العربي والنهوض بمستواه الفني ودراسة المشاريع الانتاجية المشتركة، وتحديد الوسائل المتاحة لتنفيذ مشاريع الإنتاج المشترك بين أجهزة الاذاعة والتلفزيون العربية الأرضية والفضائية، من اجل تحقيق التكامل بين القطاعين العام والخاص في مجال الإنتاج التلفزيوني، ثم القيام باعداد دراسة متكاملة حول الإنتاج الإعلامي العربي من حيث الوضع الحالي والخطط المستقبلية الرامية الى تطويره بما يتناسب والاهداف العربية في ضوء تحديات العولمة في ابعادها الثقافية والحضارية، دعوة المستثمرين العرب والمهتمين بشؤون الإنتاج الإعلامي لبحث إمكانية التعاون في تمويل بعض المشروعات الإنتاجية الإعلامية العربية الكبرى، واخيرا اهمية السعي لتخفيف القيود الإدارية والمالية التى تعيق حركة القطاع الخاص في مجال الإنتاج وتقديم اكبر قدر ممكن من التسهيلات المتعلقة بإدخال التجهيزات والإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وتوفير مزيد من الدعم وبخاصة لمشاريع الانتاج الاعلامي الجيد.
* ما دور الاعلام العربي في التصدي للجريمة؟
قرر وزراء الاعلام العرب استراتيجية إعلامية عربية متكاملة للتوعية الامنية والوقاية من الجريمة والارهاب وبدأت وسائط الاعلام في مجملها تطبيق هذه الاستراتيجية، والاعلام الامني جزء لا يتجزأ من الاعلام الشامل ومفهوم التوعية الامنية يستوجب تعاوناً بين مختلف الاجهزة الاعلامية في الدول العربية لمواجهة ما يبث وينقل عبر الفضاء حتى يمكن للمجتمع العربي أن يكون قادراً على مواجهة الارهاب والجريمة ومكافحتها وهذا يتطلب من الأجهزة الإعلامية في الدول العربية انتاج برامج مرئية ومسموعة ومطبوعة تراعي الأسس التربوية وغرس القيم الدينية والأخلاقية وتركز أيضا على الضوابط الاجتماعية من قيم خيرة وعادات وتقاليد أصيلة واحترام القوانين والأنظمة، وفق منطلق أن الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، هو الركيزة الأساسية التي تحكم هذه البرامج الاعلامية التي يمكن أن توعي المستمع والمشاهد بطرق الوقاية من الجريمة والارهاب وتبصيره بأهمية اتخاذ التدابير الوقائية لحماية نفسه وممتلكاته مع إبراز دور الأجهزة الأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، والسعي الى تطوير التعاون العربي والدولي في مجال التوعية الامنية والوقاية من الجريمة والارهاب مع المساهمة في إنتاج برامج إعلامية مرئية ومسموعة ومطبوعة تراعي الأسس التربوية التي تكرس المبادئ الاسلامية في النفوس وتقوم الاخلاق، وتهذب السلوك وتنمي بواعث الخير والاصلاح، وإجراء بحوث ودراسات وإقامة ندوات لتطوير المؤسسات والآليات الإعلامية لتوعية المواطن العربي، عقد دورات تدريبية للعاملين في اجهزة الاعلام الامني لتنمية قدراتهم في مجال اختصاصاتهم.
* ناقشت اللجنة الدائمة للإعلام العربي مشروع الطريق السريع للمعلومات ما مرتكزات هذا المشروع؟
الطريق السريع للإعلام والمعلومات هو شبكة ذات مواصفات وإمكانيات تتيح نقل وتبادل المعلومات والبيانات والمواد الاذاعية المرئية والمسموعة والمطبوعة بسرعة عالية وفي ازمنة اقصر كثيرا من ازمنتها الحقيقية عبر الاقمار الصناعية والالياف الضوئية، ولاستخدام هذه الشبكة والاستفادة من المعلومات والخدمات المتوافرة فلا بد من تضافر الجهود الإعلامية العربية من نقل وتبادل المواد الإعلامية بين كافة مراكز الشبكة حتى يساهم المشروع من تحقيق أهداف الرسالة الاعلامية العربية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ولكن ذلك يتطلب الإسراع في إقامة شبكة لربط كافة المراكز في الوطن العربي لاستقبال وتراسل فضائي للصوت والصورة والنص والبيانات، والعمل على تسهيل عمليات الربط الداخلي والاستفادة من هذه الشبكة عن طريق توفير الوصلة الأرضية داخل كل دولة مع باقي المحطات الطرفية المحلية مثل المراكز الوطنية للمعلومات وبنوك المعلومات ومعاهد البحوث والجامعات التي سوف تشكل في مجموعها شبكة عربية سريعة ومتطورة للمعلومات قادرة في نفس الوقت على الارتباط مع الإنترنت.
* ما الأدوار التي يقوم بها الاعلام العربي في مسيرة الاقتصاد والتنمية العربية وما الوسائل الممكنة لتنشيط دور أجهزة الاعلام العربية في هذا المجال؟
يحتل الاعلام الاقتصادي والتنموي في عالمنا المعاصر مكانة مهمة ومتزايدة في جميع أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة نظرا لدوره الكبير والمهم في التعريف بالنشاطات والفعاليات الاقتصادية والتنموية والطاقات المتاحة وتشجيع حركة التبادل الاقتصادي والاستثماري بشتى مجالاته وصوره على مستوى الوطن العربي لأهمية التنمية والنشاط التبادلي الفاعل بين دولنا العربية في توفير القاعدة الأساسية للنهوض والتقدم في جميع المجالات والذي يشكل مرتكزات القوة الحقيقية للمجتمعات العربية على المستوى المحلي والعربي تجاه التكتلات الاقتصادية الكبري ومواجهة التحديات التي تتعرض لها بلداننا العربية فلابد من وضع استراتيجية إعلامية عربية في مجال الاعلام الاقتصادي والتنموي تحدد فيها المنطلقات والأهداف والتوجهات الرئيسية وآليات التنفيذ ويتطلب ذلك بطبيعة الحال التركيز على موضوع الاستخدام الأمثل للموارد والطاقات الاقتصادية والبشرية العربية المتاحة وعلى أهمية العمل وزيادة الإنتاج والمردود وترشيد الإنفاق ومكافحة الهدر والتبذير الاستهلاكي ومكافحة التصحر وهدر موارد البيئة الطبيعية وهذه امور ينبغي الاهتمام بها واخذها بعين الاعتبار في خطط التنمية العربية.
وفي المعالجات الاعلامية عمل موقع على شبكة الإنترنت ضمن موقع جامعة الدول العربية لعرض الجهود التي تبذلها الدول العربية من اجل التنمية الشاملة والمستدامة في الوطن العربي، الاهتمام بالاعلام التنموي ضمن برامج التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لاتحاد إذاعات الدول العربية وكذلك حث الجامعات العربية بتوجيه كليات الاعلام لانشاء اقسام للاعلام التنموي في هذه الكليات وتشجيع الباحثين على اختيار موضوعات الاعلام التنموي للدراسات العليا.
* في ظل التباين بين اجهزة الاعلام العربية الا ترون ضرورة وجود ضوابط او قيم موحدة تتفق عليها أجهزة الاعلام العربية ؟
|
|
|
|
|