| عزيزتـي الجزيرة
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
غني البيان والذكر ما يموج فيه العالم من صراعات مسلحة دامية بين بعض دوله من اجل فتات من الارض متنازع عليه او مصالح متباينة او نزاعات طاحنة بين دعاة الاستقلال وبين القوات الحكومية في بلدان اخرى او ثورات ناقمة لسبب ما.
وفي خضم هذه الصراعات المتأججة والمستعرة بين الفينة والاخرى وما نتج عن ذلك من افرازات منتنة وروائح كريهة بدأ اثرها يختال ويتمطى في مناخ العالم الحالم بالطمأنينة والاحلام الوردية المفعمة بالعواطف المخملية الجياشة.
وفي هذا المناخ العالمي المفعم بالقلق والترقب كان للمملكة العربية السعودية اليد الطولى والنجم الاسنى في احلال السلام والطمأنينة في كثير من بقاع العالم واطفاء جذوة كثير من الصراعات الملتهبة ونزع فتيل الحرب التي حاولت ان تطل بوجهها البشع في بعض البقاع وذلك بفضل الله ثم حنكة وسياسة ولاة الامر وفقهم الله لكل خير المتسمة بالعقلانية والرشاد وعدم التدخل في شؤون الآخرين والاعتماد على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ونبذ العنف والارهاب بجميع صوره والوانه المألوفة وغير المألوفة فضلا عن عدم الخروج عن الاعراف والعهود والمواثيق الدولية طالما انها لم تتعارض مع الشريعة الاسلامية الغراء واهدافها السامية النبيلة. لقد كان لهذه السياسة الرائعة اثرها الجذاب وصيتها الذائع في العالم مما مكن المملكة من تبوؤ مكانة مرموقة بين الدول فهي محور ارتكاز لا يمكن تجاهله بأي حال من الاحوال كما ان المملكة من منطلق العقيدة الاسلامية التي تحملها قلبا وقالبا وثقلها الديني في العالم الاسلامي اضحت العمود الفقري ومركز الثقل الروحي والسياسي والاقتصادي للمسلمين في جميع انحاء العالم فأينما حللت في اي بقعة في العالم يوجد فيها مسلمون تجد بصمات المملكة ظاهرة للعيان (مساجد، مراكز دينية، جامعات، كليات، معاهد، مدارس، مستشفيات، مستوصفات، مراكز طبية، آبار وشبكات مياه، دور لرعاية الايتام والمعاقين وووالخ).
كل ذلك وغيره مما لا يسع المقام لذكره انما يقدم لوجه الله تعالى لا تريد المملكة من ورائه جزاء ولا شكورا من احد فقد اخذت على عاتقها اطعام المسلمين في يوم ذي مسغبة.
ولم تتوقف المملكة عند هذا الحد بل امتدت يدها الحانية للدول الاخرى غير المسلمة حيث تجدها من الدول السباقة لاغاثة المنكوبين نتيجة الكوارث الطبيعية وما زالت المملكة ولله الحمد قبلة كثير من الدول والمنظمات الاقليمية والدولية ولاسيما عند ازدياد الامور تعقيدا نتيجة للاوضاع المضطربة الخانقة في بعض اجزاء من العالم فترنو ابصارهم للمملكة لايجاد الحلول الملائمة لهذه الازمات الحالكة.ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) ازمة البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان حيث انبرت المملكة (حكومة وشعبا) للدفاع عن المسلمين وحقوقهم في هذه البلدان ومد الجسور لهم والمنافحة عنهم في كل المحافل الدولية وتقديم جميع المساعدات الانسانية الممكنة لهم وفقا للأسس والمعايير الدولية بدون اجحاف بحق احد وتبني الحلول السلمية الموضوعية الواقعية بعيدا عن الاستغراق في الرومانسية الخيالية وذلك لتحقيق اكبر قدر من حقوق المسلمين وبأقل الخسائر الممكنة بعيدا عن استخدام اساليب العنف والارهاب التي تأكل الاخضر واليابس ويكون اتونها وضحاياها (في الغالب المسلمون العزل الذين لا حول لهم ولا قوة) ولقد دهش العالم لحادثة خطف الطائرة الروسية من قبل بعض المحسوبين على الشعب الشيشاني حيث لا يوجد مبرر لهذا العمل لكون الطائرة مدنية، وتحمل بين جوانبها شيوخا وعجائز ونساء واطفالا لا ناقة لهم ولا جمل في الاحداث الدائرة في الشيشان، ولاسيما ان اسلوب خطف الطائرات المدنية لإسماع العالم بقضية ما قد عفا عليه الزمن وتجاوزه منذ سنين.فهناك قنوات رأسية وأفقية وبمختلف الاشكال والالوان (في ظل انفجار الاتصالات والاعلام في العالم) يمكن من خلالها اسماع الآخرين ما يريدون دون اللجوء الى الاساليب الارهابية الممجوجة المستهجنة.
ان تجاوب المملكة الرائع باستقبال الطائرة المذكورة وتزويد ركابها بجميع الاحتياجات الانسانية واستخدام اسلوب الحكمة والتؤدة لحل عملية الاختطاف بأقل الخسائر الممكنة وبأيد سعودية مخلصة ودون السماح بأي تدخل اجنبي لهو دليل ساطع لكل ناعق او مرجف حاقد على قدرة المملكة الفذة في ادارة الازمات وحلها بكل رشاقة وخفة في احلك الظروف والاوقات.
ولقد ظهر للعيان آثار السياسة الحكيمة لولاة الامر (سلمهم الله) لتدريب رجال الامن البواسل حينما ظهر الجنود البواسل وهم يقتحمون الطائرة بشجاعة واقدام ليس لهما نظير ويخلصون الرهائن في وقت قياسي وبخسائر طفيفة جدا بالمعايير الامنية في مثل هذه الحالات الصعبة جدا.
ولو ان هذا الاقتحام في بلد غربي او شرقي او بقوة اجنبية وحقق نفس النتائج (او اقل) لرأينا التهليل والتطبيل والنفخ بالابواق الاعلامية المختلفة لهذا الفتح المبين فضلا عن استعراض العضلات المفتولة تجاه الآخرين. لقد أُلقم كل فيه متشدق وناعق بمقولة ضعف رجال الامن في المملكة بحجر صاعق ونجم ثاقب واثبت رجال القوات الخاصة انهم رجال مواقف يعتد بهم في مثل هذه الازمات وانهم ذوو كفاءة ومقدرة عالية لا يشق لهم غبار.
لذا يحق لنا ان نفتخر بجنود الامن البواسل من قوات الامن الخاصة وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية وسمو نائبه وسمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية الذين لم يألوا جهدا في سبيل تطوير والارتقاء بالكوادر الامنية في مختلف قطاعات وزارة الداخلية من خلال تأهيلهم وتدريبهم وتمكينهم من كل جديد في مجال اعمالهم واستخدام التقنيات وتوظيفها بشكل فعال ومتابعة كل جديد يلوح في الافق في المجال الامني مسترشدين في ذلك بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الامين نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام (حفظهم الله من كل سوء ووفقهم لكل خير) حيث دعموا وآزروا وشجعوا بلا حدود وبلا كلل ولا ملل قطاعات واجهزة وزارة الداخلية وقد تجلت صورها فيما يقدمه منسوبوها من اعمال جليلة ومهام جسيمة لخدمة الوطن والمواطن، فأضحت قطاعات وزارة الداخلية مؤهلة بشكل يدعو للفخر والاعجاب والاعتزاز (ولله الحمد) ومن هذه القطاعات (قوات الامن الخاصة) التي لعبت دورا حاسما في سبيل انهاء عملية الاختطاف فلهم منا كل شكر وتقدير.
فولاة الامر (وفقهم الله لكل خير) شدوا عرى الامن فلم تنحل ورصعوا عقد الطمأنينة فلم ينفرط واوثقوا حبل الامان فلم ينقطع اذ جعلوا نصب اعينهم بسط فرش الامن وصفّ نمارق الامان ولبس سندس الطمأنينة وتسربل ازر السكينة لكل من وطئت قدماه هذه الارض الطاهرة تبرق اساريرهم ويتلألأ جبينهم اذ ساد الامن بثيابه وحل بردائه في هذه الارض الطاهرة ( فلله الحمد والمنة).
فهم البلسم الشافي والدرع الواقي والحصن الراسي (بعد الله) للأمن في هذا البلد المقدس.
كما اود التذكير بما ورد في الشريعة الاسلامية حيال حكم قتل المعاهد (غير المسلم) حيث جاءت الاحاديث الشريفة مشددة على عدم ايذاء المعاهد وان من قتل معاهدا فإنه لا يجد رائحة الجنة فعن ابي بكر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة ان يشم ريحها).
وفي رواية اخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفساً معاهدة في غير كنهه حرم الله عليه الجنة).
وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفساً معاهدة بغير حق لم يرح رائحة الجنة وإنه ليوجد ريحها من مسيرة اربعين عاما).ان هذا السلوك الخاطىء من قبل الخاطفين دل على ضعفهم في امور دينهم وقلة بضاعتهم وضحالة ثقافتهم وانهم يفتقرون الى النضج الكافي فضلا عما احدثه هذا الفعل غير المسؤول من تشويه لصورة الاسلام الجميلة وخدش للمرآة العاكسة للسلوك الحضاري المتميز للمسلمين كما دل على وجود بعض القصور في معرفة الاحكام الشرعية الاولية لدى بعض المسلمين.لقد اثبتت المملكة على رؤوس الاشهاد نبذها للعنف والارهاب بكافة اشكاله وصوره وألوانه ومهما كان مصدره وانها لن تكون بوابة للارهاب او مأوى له.
اسأل الله عز وجل ان يحفظ هذا البلد الطاهر المقدس من كل سوء ومكروه وان يحفظ هذه الدولة السنية وولاة امرها وان يأخذ بنواصيهم لكل معروف.
عبد المحسن بن محمد العنقري
عضو هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة القصيم - بريدة
|
|
|
|
|