| مقـالات
في مطلع الأسبوع الفائت، وفور إعلان محكمة العدل الدولية حكمها في قضية النزاع على الجزر الخمس بين «قطر والبحرين»، بادرت الدولتان إلى إعلان موافقتهما على الحكم، بل صدر مرسومان على الجانبين باعتبار ذلك اليوم عيدا وعطلة رسمية في البلدين، ووصفته صحيفة الأنباءالكويتية بيوم الفرح.
وعلى الفور عادت الحياة إلى شرايين العلاقات بين الشقيقتين باستئناف أعمال اللجنة العليا المشتركة برئاسة وليي العهد في البلدين، من أجل تنفيذ المشروعات المشتركة بدءاً «بجسر السلام» الذي يربط بين:« الدوحة والمنامة» براً، كما دُعيت شركات التنقيب العالمية لاستئناف أعمالها في البحث عن النفط والغاز الطبيعي، في المناطق التي كانت محل النزاع. وهكذا عاد قطار التنمية إلى مساره الصحيح من أجل مستقبل أفضل للطرفين، بعد أن أصبح الخلاف كما صرح أمير قطر« جزءمن التاريخ وراء ظهورنا».
والتفت الفريقان بالتحية إلى الرياض تعبيرا عن الامتنان لجهودالوساطة السعودية ودورها في تهدئة التوترات الثائرة منذ بدء الخلاف عام 1937م، وما شهده من صدامات عديدة بلغت أحيانا حدَّ التلويح بالسلاح، حتى كانت القمة الخليجية في الدوحة عام 1990 وفيها نشبت أزمة عنيفة بين الطرفين كادت أن تعصف بالوفاق في المجلس فتقدم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز باقتراح«محضر الدوحة» ويعني مواصلته يحفظه الله مساعيه لحل النزاع ودياً في موعد أقصاه شهر مايو 1991م، وإلا جاز للطرفين بعده عرض الخلاف على محكمة العدل الدولية. وبعد المهلة تقدمت « قطر » رسمياً بطلب إلى المحكمة واعترضت «البحرين» في البداية لكنها بعد خمس سنوات حذت حذو قطر فتحاكمتا أمام المحكمة المذكورة، وهكذا انتهى النزاع عن طريق أكبر مرجعية قانونية وقضائية كما يقول أمير قطر في رسالة شكر لخادم الحرمين الشريفين على ما بذله مخلصاً في هذا الصدد، وهذا ما عبّرت عنه أيضا زيارة أمير البحرين للرياض مؤخرا للغرض ذاته.
والسعودية من جهتها عبّرت عن سعادتها بالحدث ذاته ووصفته بأنه سوف يعطي دفعة قوية لمسيرة التعاون والتكافل في مجلس التعاون الخليجي، وللعمل العربي المشترك على نحو عام، كما أشاد بيان السعودية بحكمة القيادة في البلدين، وهو ماأكده نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي عندما وصف قبولهما للحكم بأنه «تغليب للحكمة ومنطق العقل ومثال ناصع للتعاطي الحضاري».
ولا شك أن العرب جميعا سعداءبهذا التوجّه المتحضر في حل النزاعات، ومن قبله سعدت الأمة العربية باتفاقيات ترسيم الحدود بين اليمن وكل من سلطنة عمان والسعودية، كما وقّعت السعودية مؤخراً اتفاقية ترسيم الحدود مع الشقيقة قطر. وكل ذلك بالحوار المباشر بين الأطراف، ولا شك أن هذه الوقائع سوف تضاف إلى ميزان الإيجابيات في أوراق القمة العربية المنعقدة غداً في الأردن الشقيق.
وإذا كانت بعض الأصوات الخليجية تنادي الآن بضرورة إيجاد آلية داخل مجلس التعاون الخليجي، لمعالجة جميع المشكلات التي قد تنشأ بين أعضائه، فإن هذا لايصادر حق الجماهير العربية في المطالبة بإحياء مشروع«محكمة العدل العربية» على غرارالمحكمة الدولية، لكنها تختص فقط بالفصل في النزاعات العربية العربية، وتمثَّل كل دولة فيها بعضو قضائي عالي الكفاءة، وتكون أحكامها بالأغلبية مع تعظيم نسبتها ضماناً لمزيد من نزاهة الأحكام. وتجدر الإشارة إلى أن حكم المحكمة الدولية في المناطق الخمس المتنازع عليها لم يصدر فيها جميعا بالإجماع، بل صدر في واحدة منها بأغلبية اثني عشر صوتا مقابل خمسة أصوات، وأخرى صدر فيها الحكم بأغلبية ثلاثة عشر صوتا مقابل أربعة أصوات، ولا مانع أن يستقدم المتقاضون أمام محكمة العدل العربية فريق الدفاع من الخارج على نحو ما فعلت كل من قطر والبحرين، حيث تشكّل فريق الدفاع لكل منهما من جنسيات عربية وآسيوية وأوروبية وأمريكية، ودعونا نبدأ بالخطى السهلة على طريق التوحّد والاكتفاء الذاتي، وهذه بلا شك واحدة من أهمها.
|
|
|
|
|