أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 25th March,2001 العدد:10405الطبعةالاولـي الأحد 30 ,ذو الحجة 1421

وَرّاق الجزيرة

علاقة الفيروز آبادي بسلاطين عصره 2/2
محمد بن يحيى الفيفي *
نستكمل في هذه الحلقة ما كنا قد بدأ ناه في الحلقة السابقة عن علاقات الفيروز آبادي بسلاطين وحكام العالم الإسلامي في عصره، وذلك بالحديث عن علاقته بسلاطين الدولة الرسولية )626 858ه( في اليمن، والتي تعد هي الأبرز بين علاقاته المتعددة مع ذوي السلطان والنفوذ.
فبعد السنين الطويلة التي قضاها في الترحال من بلد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى دون استقرار في أي منها، حط رحاله في اليمن، واستوطنها بقية حياته، وعاش في كنف بني رسول معززاً مكرماً، يدرّس ويفتي، ويؤلف، بالإضافة إلى العمل بسلك الدولة، حيث تولى منصب قاضي القضاة وزارة العدل اليوم وهو منصب يأتي في درجة ثانية بعد السلطنة، ويفوق منصب الوزارة في تلك الفترة، وكان صاحبه هو المسؤول عن كل ما يتعلق بالقضاء والأوقاف والشؤون الدينية بصفة عامة.
لقد اشتهر بنو رسول بحبهم للعلماء والمثقفين بصفة عامة والوافدين عليهم من خارج اليمن على وجه الخصوص، ويذكر ابن فضل الله العمري أنهم كانوا يبعثون إلى مصر والشام والعراق، فضلاً عن الحجاز، من يبحث لهم عن العلماء والمبرزين، ويغريهم بالقدوم إليهم، ويردف قائلاً: وأن من قصدهم قل أن يتركهم لما يلقاه من الرعاية والتكريم ورغد العيش.
ولابد، والحال هذه، أن الفيروز آبادي قد سمع عنهم، وعن حسن استقبالهم لأقرانه ولذلك قرر أن يقصدهم ويجرب حظه معهم، ولاسيما وأن الأوضاع في أنحاء العالم الإسلامي آنذاك كانت غير مستقرة بعد اجتياح تيمور لنك لبلاد فارس والعراق والأناضول والشام، فوصل إلى ميناء عدن قادماً من بلاد فارس في شهر ربيع الأول سنة 796ه، ومكث هناك عدة أشهر يدرس، ويفتي ، فلما نمى خبره ومنزلته العلمية إلى السلطان الأشرف الثاني )778 803ه( استدعاه للوصول إليه في مدينة تعز، حاضرة الدولة، وأمر ناظر عدن أن يجهزه بألف دينار، فوصل إلى بلاطه في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من السنة نفسها، فاستقبله السلطان أحسن استقبال، وأمر بأن يخصص له منزل يليق به، وأن يصرف له ألف دينار برسم الضيافة، فلم يزل كما يقول الخزرجي مقيماً عنده على الإعزاز والإكرام، يدرّس، ويفتي، وينشر العلم بين الناس، فقصده العلماء وطلبة العلم من كل مكان، وقرأوا عليه الحديث والتفسير والفقه واللغة والنحو والأدب والتاريخ وغيره، وانتفعوا به نفعاً عظيماً. وكان السلطان يحرص على حضور بعض مجالسه وحلقاته العلمية مصطحباً معه أبناءه وبعض رجال الدولة، وتذكر المصادر أنه درس عليه صحيح البخاري كاملاً. ويتحدث البريهي عن مجالسه فيذكر أنه إذا بدأت القراءة يدور الخدم على الحاضرين بالبخور من العود والعنبر حتى النهاية، وأن العلماء إذا حضروا مجلسه التزموا الأدب معه، وصاروا كسائر المستفيدين، وأنهم كانوا يدونون معظم ما كان يتكلم به في دفاترهم، وأنه كان يعمل في اليوم الواحد سماطين واحداً في أول النهار وآخر في نهايته يأكل منه كل من يحضر للقراءة عليه.
وقد توطدت العلاقة بين الفيروز آبادي والسلطان الأشرف بشكل ملفت للنظر، وتأثر الأخير بالأول تأثراً كبيراً وأحبه حباً عظيماً، وبالغ في إكرامه وإجلاله حتى إنه تزوج ابنته، وولاه منصب قاضي القضاة في الدولة، وكتب له منشوراً بذلك قرىء على منابر المساجد، فارتفعت منزلته، وصارت كلمته مسموعة، وشفاعته مقبولة، وحكمه نافذاً في جميع أقاليم الدولة، وخاصة على القضاة وما يتعلق بالشؤون الدينية.
وفي سنة 799ه كتب الفيروز آبادي إلى السلطان يستأذنه في الحج فلم يأذن له، وكتب له في طرة كتابه ما يلي: «إن هذا شيء لا ينطق به لساني ولا يجري به قلمي، فقد كانت اليمن عمياء فاستنارت، فكيف يمكن أن تتقدم وانت تعلم أن الله تعالى قد أحيا بك ما كان ميتاً من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبت لنا بقية هذا العمر، والله يامجد الدين يميناً بارة، أني أرى فراق الدنيا ونعيمها، ولا فراقك أنت اليمن وأهله، فبحياتك إلا رجعت عن ذلك».
إن هذا الرد من السلطان ليدل دلالة واضحة على مدى حبه للفيروز آبادي وتعلقه وأهل اليمن به، حتى إنه بلغ به الحال إلى الحلف بغير الله، وهذا لا يجوز اطلاقاً، أما الفيروز آبادي فلم يجد أمام إلحاح السلطان إلا الاستجابة له والبقاء في اليمن، ولكن نفسه بقيت مشدودة لبيت الله الحرام، فظل يتحين الفرصة المناسبة لتكرار طلبه مرة أخرى، حتى إذا ما جاءت سنة 802ه أعاد الكرة بطلب الحج، فما وسع السلطان إلا أن يأذن له، فحج تلك السنة، وجاور بمكة بقيتها وشيئاً من أول السنة التي تليها، وجعل داره التي أنشأها على الصفا مدرسة باسم السلطان الأشرف وقرر بها طلبة وثلاثة مدرسين في الحديث، والفقه المالكي والشافعي، كما زار المدينة المنورة وقرر بها مثل ذلك الذي قرره بمكة. ثم قرر العودة إلى اليمن ماراً بمكة المكرمة، فلما وصل اليمن كان السلطان الأشرف قد توفي وتولى بعده ابنه السلطان الناصر أحمد )803 827(، فكانت سيرته معه كتلك التي كانت مع أبيه وأحسن، فأبقاه على ما كان عليه، وكتب له منشوراً بإطلاق يده ونفوذ أمره على كل أحد في الدولة.وفي سنة 805ه ذهب الفيروز آبادي إلى الحج مرة أخرى، وظل يتنقل بين مكة والطائف والمدينة حتى نهاية موسم حج سنة 806ه، ثم قفل راجعاً إلى اليمن عن طريق السراة، فلما وصل إلى الخُلُف والخليف أقام بها حوالي تسعة أشهر، ولا شك أن تو قف مثل هذا العالم الموسوعي المشهور على مستوى العالم الإسلامي بهاتين القريتين ليدل دلالة واضحة على مكانتهما العلمية المتميزة في تلك الفترة، حيث من المؤكد أنه طوال الأشهر التي قضاها فيهما قد عمل في التدريس والفتوى، وأخذ عن علمائهما وأخذوا عنه كما هي عادة العلماء يأخذ بعضهم عن بعض. وهذا يؤكد ما ذكره الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي في كتاب الخلف والخليف، ص 2330، حول مركزها العلمي المتميز خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
ومهما يكن الأمر، فقد رجع الفيروز آبادي إلى اليمن وظل بها يباشر عمله في القضاء، ويدرِّس، ويفتي، ويؤلف حتى توفي في ليلة العشرين من شوال سنة 817ه في مدينة زبيد عن عمر يناهز التسعين عاماً)1(.
مؤلفاته أثناء اقامته في كنف بني رسول:
أولاً مؤلفاته للسلطان الأشرف:
1 القاموس المحيط: من المؤكد أن الفيروز آبادي قد شرع في تأليف هذا الكتاب قبل دخوله اليمن، إلا أنه أكمله، وهذبه، ورتبه في اليمن، ثم قدمه للسلطان الأشرف فيما بين سنتي 800 و802ه على الأرجح.
وقد ضمن المقدمة جزءاً خاصاً في مدح السلطان، وبيان حسناته ومميزات حكمه، وكرمه وإحسانه إليه ولذلك أهدى له هذا الكتاب.
2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز.
وقد ألفه بناء على طلب السلطان، يقول في مقدمته: «فهذا كتاب جليل، ومصنف حفيل، ايتمرت بتأليفه الأوامر الشريفة، العالية المولوية، الإمامية السلطانية... الملكية الأشرفية.. قصد بذلك جمع اشتات العلوم، وضم أنواعها، على تباين أصنافها، في كتاب مفرد، تسهيلاً لمن رام سرح النظر في أزاهير أفنان الفنون، وتيسيراً لمن أراد الاستمتاع برائع أزهارها....». وهو كتاب يشتمل على عدة علوم في آن واحد، مثل التفسير، والفقه، والنحو، والبلاغة، وشذرات من الهندسة والطب والفلاحة.
3 تيسير فتاحة الإهاب في تفسير فاتحة الكتاب:وهو في تفسير سورة الفاتحة كما يتضح من العنوان، ويظهر فيه مجاملته للسلطان ومسايرته له في الأخذ بآراء الصوفية في تفسير بعض الآيات بما يخالف ما ذهب إليه الفقهاء)2(
4 مِنَح الباري بالسيح الفسيح الجاري،
في شرح صحيح البخاري:يذكر ابن حجر أنه قد رآه، وأن مصنفه قد ملأه بغرائب المنقولات من كتب الصوفية مداراة للسلطان الأشرف، ويذكر أيضاً أنه قد رآه بعد وفاة صاحبه وقد أكلته الأرضة ولم يبق منه أي شيء مقروء، وكأنه يقول إن السبب في ذلك ما احتوى عليه من أقوال الصوفية الفاسدة.
5 مختصر الفيح القسي في الفتح القدسي:
وهو تلخيص لكتاب «الفيح القسي في الفتح القدسي» لعماد الدين محمد بن محمد الأصفهاني المتوفى سنة 597م، وهو في التاريخ.
ويذكر الفيزور آبادي في مقدمة مختصره أنه لما اطلع السلطان على كتاب الأصفهاني وجده محشواً بأشياء لا داعي لها من البلاغة وغيرها، وأنه بحاجة إلى تلخيص ليصير مقتصراً على التاريخ فقط، فطلب منه أن يقوم بذلك، فاستجاب له، وقام من فوره ليلخصه ويجرده من الفنون الأخري غير التاريخ، بادئاً بترجمة المؤلف الأصل)3(
6 الاسعاد بالاصعاد إلى درجة الاجتهاد:
وهو في الفقه الإسلامي، ويذكر الخزرجي )العقود، 2/244( أنه انتهى من تأليفه في الخامس عشر من شعبان سنة 800ه، وحمل إلى باب السلطان مرفوعاً بالطبول والمغاني، وحضر سائر الفقهاء والقضاة والطلبة وساروا أمام الكتاب إلى باب السلطان، وهو في ثلاثة مجلدات يحمله ثلاثة رجال على رؤوسهم فلما دخل على السلطان وتصفحه أجاز مصنفه بثلاثة آلاف دينار.
7 تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين: يذكر المؤلف في مقدمته أن سبب تأليفه له أنه قرأ على بعض مشايخه جزءاً من حديث جرى فيه ذكر «التّشْعيت» منطقها في أحد المجالس بالسين والشين، فسأله أحد الحاضرين عن نظرائها في كلام العرب، وكان يحضره منها زهاء خمسين، فابتدره أحد الحاضرين وقال: لا نظير لها سوى أربعة ألفاظ هي: الشطرنج، والتنسم، والشبت، والسناسين، فقرر تأليف هذا الكتاب.وقد بالغ المؤلف في مقدمته في مدح السلطان والثناء عليه، وجعل اسمه مدخلاً للكتاب وبرر ذلك بوجهين: أحدهما، اشتماله اللقب الشريف بالشين )الأشرف(، واشتمال الاسم الشريف بالسين )اسماعيل(.والثاني: كون الاسم الشريف قبل التعريب بالعبرانية «اشموايل»، فعربته العرب وقالت اسماعيل، فساغ من هذا الوجه فيه السين والشين.
8 تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس اسماعيل.
ثانياً مؤلفاته للسلطان الناصر:
1 الأحاديث الضعيفة، في عدة مجلدات.
2 تسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول، في عدة مجلدات أيضاً.
3 بعض الرسائل والفتاوى في الرد على منتقدي الصوفية، بعضها مكتوب باسم السلطان الناصر مباشرة)4(.
*مكتبة الملك فهد
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved