| وَرّاق الجزيرة
قبل أن يودع العالم القرن الحادي عشر الهجري، كان عدد من الأساعدة قد استوطنوا الزلفي بعد قدومهم من وادي رهاط بالحجاز، في قصةٍ ذكر الشيخ حمد الجاسر أنها من القصص التقليدية القديمة التي تتناقلها كثير من القبائل!! وإن كنتُ أرى أن سبب نزوح الأساعدة كان اقتصادياً في الدرجة الأولى، حيث عم الجدب والقحط أرجاء مكة المكرمة والطائف فمات خلق كثير، كما يذكر ذلك العصامي في سمط النجوم العوالي، ولهذا موضعه في بحث آخر.ويذكر الشيخ القاضي أحمد الحميدان الدوسري )93 عاماً( أن الفراهيد نزلوا ضبعان في علقة، في الوقت الذي كانت رئاسة الزلفي وإمارته لآل المحدث من بني تميم، فعاشوا معهم في أمان، إلى أن حدث بينهم شقاق، أري من وجهة نظري، أنه بسبب مزاحمة الفراهيد لآل المحدث على مراعيهم، الأمر الذي استدعى آل المحدث من السطو على الفراهيد وإخراجهم من الزلفي بالقوة عام 1098ه، وهذا الحدث ذكره المؤرخ ابن منقور في أحداث سنة 1098ه وهو معاصر لذلك الحدث، إلى أن استعان الفراهيد بأبناء عمهم من آل راشد الذين كانوا في تنومة الأسياح، فسطوا على آل المحدث في عام 1113ه فأخرجوهم من الزلفي، وهذا ما سجله ابن ربيعة ومن جاء بعده كابن بشر وغيره، في أحداث سنة 1113ه،فبقيت إمارة الزلفي لآل راشد منذ عام 1113ه على ما يذكر الشيخ عبدالله بن بسام في كتابه التراجمي، وتكاثر آل راشد وتفرعوا إلى أسر شهيرة كآل حمد بن رشيد وآل بداح، وآل ناصر وآل عبدالكريم.ومن أسر آل راشد التي اشتهرت بالعلم الشرعي والقضاء وبرز عدد من أبنائها في طلب العلم والجلوس له، وتعليمه، والكتابة للناس في وصاياهم ومواريثهم وعقودهم، أسرة «آل سلمان» التي تنسب إلى الجد المميز لها وهو: الشيخ القاضي سلمان بن عبدالمحسن بن حمد الراشد، ولسلمان اخوان هما بداح، جد آل البداح )أمراء الزلفي(، وشايع جد آل شايع بالزلفي والكويت،
ويُعد الشيخ سلمان العبدالمحسن أحد أبرز طلبة العلم في وقته، وكثير من الوثائق والأوراق الخاصة لعدد كبير من أسر الزلفي، والتي يعود تاريخها إلى العقود الأولى من القرن الثالث عشر الهجري، كتبها الشيخ سلمان العبدالمحسن، وقد اطلعت على عدد من الوثائق الفرهودية وقد خطها بيده الشيخ سلمان العبدالمحسن، ويذكر الشيخ عبدالله بن بسام أن الشيخ سلمان من علماء أول القرن الثالث عشر الهجري، وذكر أنه ولي قضاء الزلفي وطالت ولايته، وأنه كان مرجع أهالي الزلفي في القضاء والإفتاء والوعظ والخطابة وجميع الشؤون الدينية )ابن بسام، علماء نجد، ص 259(، ويبدو أن الشيخ سلمان قد خلف الشيخ عبدالرحمن بن عبدالمحسن أبا حسين، الذي ولي قضاء الزلفي زمن الإمام سعود وابنه الإمام عبدالله بن سعود، كما يذكر ابن بشر، والغريب أن الشيخ عبدالله البسام ذكر في نسب الشيخ سلمان بأنه الشيخ سلمان بن علي بن حمد الراشد! ثم ذكر في ملحق الجزء السادس أسماء علماء من نجد لم يعثر لهم على تراجم، وذكر منهم الشيخ سلمان بن عبدالمحسن الذي ذكر أنه وصف بلقب الشيخ في جواب فقهي كتبه الشيخ عبدالله أبا بطين!قلت: هو نفسه الذي نسبته إلى علي بن حمد الراشد، وهو ليس من ذرية علي، إنما من ذرية أخيه عبدالمحسن الراشد، كما ذكرنا أعلاه، وهذا ما يقول به جميع أبناء آل سلمان والبداح.وبعد الشيخ سلمان العبدالمحسن، برز ابنه الشيخ عبدالمحسن السلمان، الذي يعد بحق من أبرز رجالات الزلفي وأعيانها في منتصف القرن 13 الهجري، فالرسائل التي كانت ترد الزلفي من الرياض ذات الصبغة الدينية أو السياسية، لابد وأن يرد ذكر عبدالمحسن السلمان على رأس الرجالات من أعيان الزلفي، الموجهة إليهم الرسائل، كما في رسالة الإمام فيصل بن تركي، بشأن تعيين مجاهد آل مقرن أميراً على الزلفي سنة 1274ه، ومن أبرز الأعمال التي تولاها الشيخ عبدالمحسن السلمان تعيينه من قبل الإمام فيصل بن تركي وكيلاً على بيت المال في الزلفي، وقد ولي قضاء الزلفي كما يذكر ابن بسام بتعيين من الإمام فيصل بن تركي وكان الإمام فيصل يعتمد عليه كثيراً لعلمه وورعه، ويذكر ابن بسام نقلا عن الراوية المؤرخ محمد بن معتق أن للشيخ عبدالمحسن السلمان محبة ومودة لدى مواطنيه، وأنه مرجع لهم في كثير من شؤونهم لنزاهته وعدالته وإخلاصه، وذكر ابن بسام أن له مراسلات مع معاصره الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن.ويذكر أن الشيخ عبدالمحسن السلمان أول إمام لجامع آل حمد الشهير الكائن في البلدة الجنوبية من الزلفي والذي تم تأسيسه على يد الأمير علي آل حمد قائد الحملات النجدية زمن الإمام تركي بن عبدالله وابنه الإمام فيصل بن تركي، والذي ورد له ذكر في تواريخ نجد، حيث كانت جميع قوافل أهالي العارض والوشم والزلفي والقصيم وسدير تحت إمارة ورئاسة علي آل حمد، كما ذكر ذلك ابن بشر وغيره من المؤرخين. كما برز من آل سلمان الشيخ العالم عبدالله بن عبدالمحسن السلمان، الذي خلف والده في مسؤولية بيت المال بالزلفي، كما تولى إمامة جامع آل حمد، آنف الذكر، مدة طويلة قاربت الأربعين عاماً، حتى أن الجامع المذكور عُرف في فترة من الفترات بمسجد عبدالله السلمان،
كما يتضح ذلك في وثيقة كتبت قبل مائة عام تقريباً، وذلك لأنه كان للشيخ عبدالله إضافة إلى إمامته وخطابته، دروسه المنتظمة في المسجد في مجالات العقيدة والحديث والتفسير وغيرها، وقد تخرج على يديه العديد من طلبة العلم آنذاك، وقد عمر الشيخ عبدالله طويلاً، وكانت وفاته سنة الرحمة عام 1337ه، وكانت له هيبته ورأيه وحضوره الفاعل على مستوى الزلفي، حتى أن المستشرق شكسبير عندما التقاه ذات مرة، وهو في السنوات الأخيرة من حياته، وصفه بالشيخ المسن الحكيم، وذكر أن أمير الزلفي كان يخشى سطوة الشيخ المسن الحكيم!! )والأمير عند زيارة شكسبير للزلفي كان علي بن عبدالمحسن البداح، وهو ابن عم الشيخ ابن سلمان، بل كان بمنزلة ابنه نظراً للعلاقة القوية فيما بين الاسرتين، ولكبر الشيخ وصغر سن الأمير آنذاك(. ومنهم السلمان بعنيزة، وأول من انتقل منهم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالمحسن السلمان وأخوه محمد، في نهاية القرن الثالث عشر الهجري، على ما يذكر الشيخ ابن بسام، وقد برز منهم الشيخ المؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن السلمان، له مؤلف مخطوط عن تاريخ نجد تناول فيه الأحداث النجدية خلال الفترة )1284ه إلى 1342ه( وقد ذكرلي د. محمد السلمان، أنه ينوي تحقيقه وطباعته، وقد قام هذا الشيخ الفاضل بنسخ كتاب «فصل الخطاب بتبرئة الشيخ محمد بن عبدالوهاب» وذلك في عام 1307ه وقد أطلعني الشيخ ابن حميدان على الكتاب وقد كتب على غلافه ما يلي )يعلم من يراه بأن عبدالله العبدالرحمن بن سلمان وقف هذه النسخة وحبسها على طلبة العلم خصوص أهل الزلفي وجعل النظر فيها لناصر العبدالله البداح(.ومن آل سلمان اليوم الشيخ عبدالعزيز السلمان، المدرس سابقاً في معهد إمام الدعوة بالرياض، وصاحب المؤلفات العديدة والجهود الكبيرة في مجالات العقيدة والدعوة والفكر الإسلامي، ومنهم الأستاذ الدكتور محمد السلمان رئيس قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود، والتي تعد أطروحته عن الأحوال السياسية بالقصيم في عهد الدولة السعودية الثانية، من أوثق وأغزر الدراسات وأشملها عن تلك الحقبة من تاريخ القصيم، كما أن فيهم اليوم أطباء ومهندسين وطلبة علم، وفقنا الله وإياهم.
|
|
|
|
|