| وَرّاق الجزيرة
لعل من أبرز ما يعانيه الباحث صاحب القراءة الجادة في المطولات؛ والمهتم بالمراجع والكتب هو قضية )نسيان( أو )تسرب( الكثير من المعلومات التي طالعها وقرأها؛ وقد يضطر هذا الباحث للرجوع الى المصادر والمراجع مرة أخرى للتأكد من معلومة معينة سبق ان عرفها جيدا. ومن أجل هذا قال الأوائل )آفة العلم النسيان( إذ ان لكل أمر ناجح آفة تضر به؛ وكذا العلم والتحصيل والقراءة آفتها النسيان الذي لا يسلم منه بشر؛ مهما كانت درجة الحفظ لديه.
ومن هنا يجدر بكل منا أن يحرص على الوسائل المعينة على تثبيت المعلومات في صدره؛ وانه يجب ان تكون معلوماته كما قيل قديما: العلم من الصدور لا من السطور!! وفي ظني أن من أبرز وسائل تثبيت المعلومات لدى الجميع هو الانتظام مع بعض الزملاء والمحبين للمعرفة في حلقة ثقافية مصغرة يتذاكر فيها الحضور كل ما لديهم من قديم أو جديد في شتى حقول المعرفة، إذ ان هذه الجلسات التي تخلو من الرسمية والجانب الخطابي غالبا ما تكون أرضا خصبة لتداول الأفكار والبحوث والمناقشات العلمية التي كل منا بأمس الحاجة اليها؛ ومن أبرز فوائدها ان كل فرد يستطيع ان يعرض فكرته دون أدنى تردد؛ ومن ثم يجد التقويم والمناقشة من الحاضرين؛ وهذه الجلسات المختصرة مع ما يأتي فيها أحيانا من مناقشات قد تكون غير موضوعية أو علو أصوات وتجاوز لأدب الحوار إلا أن هذا ليس مسوغا كافيا لتركها وهجرها؛ وقديما وصفت هذه الجلسات بجلسات )المذاكرة( لأن الحضور يتذاكرون ما لديهم من مسائل ومعلومات؛ وقد حفلت الكثير من كتب التراث بالحديث المفصل عن مثل هذه المظاهر العلمية؛ وبخاصة فيما كتبه المحدثون في كتب أدب طلب العلم؛ وكتب مصطلح الحديث لمذاكرة الأسانيد والمرويات العلمية.
ومن مزايا المذاكرة ان الحاضر لا يكون مستمعا كما هو الحال في المحاضرات أو الندوات بل مشاركا بما لديه وان كان محدودا؛ والمهم في هذا، المشاركة العلمية والتذاكر؛ ولعل أبرز ما نستطيع ان نصف به مجالس المذاكرة هو المجالس التي يكون أغلب حضورها أو أكبرهم متقاربين في الجانب العلمي إذ انه يقال قديما؛ اذا جلست مع من هو أعلم منك فانصت للتعلم؛ واذا جلست مع من هو أدنى منك علميا فتحدث ليتعلم؛ واذا جلست مع من هو في مستواك العلمي والفكري فتشاركا في الحديث لتتذاكرا؛ فكل منكم ينفع الآخر وهذه الطريقة جادة علمية سار عليها الكثير قديما وحديثا؛ ولهذا دائما ما نجد ان القارىء المتحدث والمحاضر والمناقش أكثر أثراً وتأثيراً وحفظاً من حبيس الكتب والمكتبات في أغلب الأحيان.
|
|
|
|
|