| تحقيقات
تحقيق / فيصل بن عبدالرحمن الواصل وشريفة العتيبي
لماذا وماهي وكيف؟ أسئلة تتداعى على بساط الواقع، الواقع الذي قد نتعامى عنه، أو نقلل من أهميته، الواقع الذي نحن من صنعه، ونحن من رسم معالمه عبر هذه الحياة الزاخرة بالمتغيرات أسئلتنا تلك لن نجيب عنها بموضوع من طيف الخيال، ولا من رسم الآمال، بل هو من صميم الواقع، ذلكم هو الفراغ، الفراغ الذي بات يشكل سهما في سفينة المجتمع، هذا السهم لم نحسن استخدامه وتصويبه في مكانه الصحيح، الفراغ الذي سنعالجه يجمع بين الفراغ الذهني الخالي من مقومات التفكير الصحيح والفراغ الوقتي الخالي من مقومات استثمار الوقت الصحيح، حاولنا في هذا التحقيق أن نضع أيدينا على الجرح الغائر، قد نقسو أحيانا كمبضع الجراح، حاولنا رصد مقومات الموضوع من الميدان، من الواقع من الشباب والشابات علنا نرسم صورة جلية تساعد في تشخيص هذا الداء، ومن ثم صرف الدواء اعتمدنا بعد الله على أقوال مختصين في ميادين مختلفة من دينية وتربوية وأمنية ونفسية، فتعالوا معنا في هذه الرحلة..
أسباب رئيسة للفراغ:
يوصف الطبيب بالمهارة والحذق إذا أجاد وصف العلاج، ولا يمكنه ذلك إلا بالتشخيص الصحيح للداء، فداء استشرى ومرض استفحل ذلكم هو الفراغ، ولعل أول جانب يقابلنا في هذا الموضوع هو الأسباب فلقد عرجنا على كثير من الأسباب نرى انها ترجع كلها إلى فراغ داخلي يحسه الشاب أو بمعنى آخر فراغ روحي من الإيمان، فكل منا يحس بفراغ لكنه في الاصل نابع منه وإليه فلعلنا نذكر طرفا من هذه الأسباب:
التفكك الأسري:
يعتبر التفكك الأسري أحد العوامل المساعدة على إيجاد الفراغ لدى الشباب ولعل في المثال يتضح المقال حيث تقول نوف سليمان: نحن أسرة يضمنا بيت واحد يخلو من الحنان والمودة ويفتقر إلى المشاركة الوجدانية فوالدي يشكو من حالة نفسية جعلته دائم العزلة ووالدتي مصدر الحنان كثيرة الخروج من المنزل ودائمة الانشغال عنا وأخوتي كل منشغل بدنياه أما أنا فكأنما كنت أعيش بمفردي لذا صرت أبحث عمن يشاركني حياتي قريباً كان أم بعيداً فاضطررت إلى بناء علاقات شاذة )غير بريئة( مع الشباب.
وبالإضافة إلى التفكك الأسرى فهناك عوامل اجتماعية أخرى تخلق الفراغ لدى الشباب منها الوحدة وتأخر سن الزواج وعدم الإنجاب.
الفشل الدراسي:
لاشك أن الفشل الدراسي هو أحد الأسباب الرئيسية للفراغ إذ إن سبع ساعات يومياً على الأقل كان يقضيها الطالب ما بين المدرسة والمذاكرة اليومية ستتحول إلى فراغ هذا بالإضافة إلى أن تغير الجدول اليومي لدى الشاب سيمنحه فراغاً أكبر.
قصور القدرة الاستعابية للكليات:
ضعف المعدل وعجز الكليات عن استيعاب حاملي الشهادة الثانوية قللت من فرص الشباب في الدراسة الجامعية وبالتالي أوجد ذلك لديهم فراغا كبيرا، تقول شيماء عبدالمحسن: تخرجت من الثانوية بمعدل متوسط وطرت فرحاً أبحث عن مقعد لي في الكلية ولكنني وللأسف لم أجد، وأمام رفض الجامعة وارتفاع رسوم الدراسة في معاهد الدبلوم عشت فراغا جسيما وأحسب أنني قضيت عليه من خلال متابعتي للقنوات الفضائية وخروجي للأسواق بحاجة أو بدون حاجة، وكذلك أشياء آخرى كان ضررها أكبر من نفعها.
الفشل الوظيفي:
لأسباب عدة قد يحالف الانسان فشل وظيفي وبعيدا عن هذه الأسباب فإن هذا الفشل أيا كانت صوره فهو عامل على ايجاد فراغ لدى الشباب.. وللتأكيد على ذلك فاليكم بعض صور هذا الفشل من خلال أمثلة حية:
فدليل على قصور القدرة الاستيعابية لسوق العمل تقول سارة محمد: مضى عامان على تخرجي من الكلية ومازلت في انتظار التعيين لكنه لم يأت بعد وأخذت أبحث هنا وهناك علني أحصل على وظيفة خارج نطاق التعليم فلم أجد وأحسست بفراغ كبير ووحدة مريرة جعلتني أعبث بجهاز المراسلات اللاسلكية )الكنوود( حيث وجدت فيه الكثيرين ممن هم على شاكلتي.
وقد تصنف البطالة المقنعة تحت العوامل المساعدة على ايجاد فراغ، تتحدث لنا ابتهال علي عن دور البطالة في إيجاد الفراغ فتقول: أعمل في مكتب يضم العديد من الزميلات لكن عبء العمل يقع على ثلاث منهن أما نحن الباقيات لا عمل أساسيا لدينا فيمر الأسبوع دون أن نقوم بأي شيء سوى تسجيل الحضور والإنصراف وقد نسجل الحضور والإنصراف معا وهذا بدوره جعلنا نحس بفراغ كبير حتى ونحن على رأس العمل.
عدم استشعار أهمية الوقت:
الشاب عبدالعزيز علي العليان أضاف لنا سببا من أسباب الفراغ، يقول: إنك حين تقلب طرفك في حال بعض الشباب في هذا الوقت ينتابك العجب نتيجة لما نشاهد من فراغ لدى الشباب والحيرة في كيفية القضاء عليه، بيد أن ثمة أمورا مهمة في هذا الصدد أهمها عدم معرفة أهمية الوقت وخطورة إضاعته من غير فائدة ومحاسبة الإنسان عنه يوم القيامة.
الرفاهية:
الشاب صالح محمد السويداني يؤكد على أن الرفاهية التي نعيشها هي سبب من أسباب الفراغ إذ إن وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة اختصرت الكثير من الجهد والوقت أضف إلى ذلك وجود الخادمة والسائقين يقلل من مسؤليات الشباب تجاه أسرهم.
نوال وأريج السالم اتفقتا على أن الرفاهية التي يعيشها شبابنا هي وراء ما نعانيه من فراغ، فنحن نستطيع أن نرى العالم كله من خلال )الإنترنت( مثلاً، وخلاصة الكلام أن التكنولوجيا جعلت الحياة سهلة ميسرة وحلت الآلة محل الإنسان لتدفعه بين أنياب الفراغ.
الآثار المترتبة على الفراغ:
نقلب صفحةأخرى في هذا الجانب تلكم هي الآثار، ابتعدنا فيها عن المثاليات والرؤى الخيالية، حاولنا تلمسها من صميم الواقع الحي وهي كثيرة، منها الإنترنت جانب فيه صفحتان للأسف بحثنا عن الصفحة السوداء وتركنا ما فيه بياض، والكنوود جهاز حيوي فيه مصالح عدة ضربنا بها عرض الحائط واستخدمناه فكانت تلك الآثار نعرض لك جزءاً منها:
الكنوود: يعد جهاز المراسلات اللاسلكية )الكنوود( أحد وسائل الاتصالات ففي السابق كان استخدامه مقصورا على رحلات الصيد أو من خلال عمل الشركات في المشاريع الكبيرة إلا أنه تحول إلى وسيلة للترفيه وقتل الفراغ مما أدى إلى انتشاره بين أوساط الشباب، لذا فإن فوائد هذا الجهاز تطغى سلبياته على ايجابياته ففضلا عن كونه وسيلة لهدر الوقت فقد ينتج عنه سلبيات أخرى كبيرة يتحدث عنها الشاب علي ابراهيم الذي اختار لنفسه لقب )نداء( )السبرنقه أو أبو نونو( والذي يقول: ربما أكون قد اكتسبت من خلاله علاقات طيبة إلا أن علاقتي بهذا الجهاز والتي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات قد ترتب عليها سلبيات أكبر تتمثل في تدهور مستواي الدراسي ومقاطعة الاجتماعات العائلية والتعرف عن طريقه بالصالح والطالح من الشباب، أضف إلى ذلك تقليد بعض الشباب لأصوات نسائية يطلقون على أنفسهم )الأصوات الناعمة(.
الشاب دخيل عبدالرحمن )أبو قلبين( اتفق مع علي ابراهيم على هذه السلبيات إلا أنه ذكر لنا بعض النقاط الايجابية وهي:
وجود قنوات للشعر والألغاز والثقافة وغيرها.
اتصال شباب المدن والمحافظات فيما بينهم.
التعرف على بعض الشباب الطبيين.
وإذا كانت السلبيات السابقة قد ترتبت على استخدام لهذا الجهاز فكيف بها لدى الشابات اللواتي تسللن إلى هذه الشبكة في ظل انعدام الرقابة الأسرية لينسجن لنا قصصا مأساوية تروي لنا جواهر محمد )عيون المها( واحدة منها فتقول: كنت أعيش في فراغ قاتل وأبحث عن ما أقضي فيه وقت فراغي أيا كانت الوسيلة ولعلها كانت )الكنوود( فعندما يذهب اخواتي إلى مدارسهم، كان أخي الصغير يحب العبث بهذا الجهاز مما سهل لي مهمة استخدامه حيث كنت أجلس إلى جواره لأتعرف على كيفية تشغيله والتحدث من خلاله وفعلا تعلمت ذلك وبدأت أتحدث مع بعض الشباب.. كانت البداية تحمل الكثير من التسلية والمتعة ومع مرور الأيام كونت علاقة مع أحد هؤلاء الشباب ولكي تحمل علاقتنا طابع الحرية ونعطى أنفسنا حرية أكبر في التحدث بدلنا هذه الوسلية إلى الهاتف!!! ولأن هذه العلاقة كان لابد لها أن تنتهي اكتشفت أخيرا أن هذا الشاب هو ابن خالي وأن الهاتف الذي كنت أحدثه من خلاله هو هاتف الاستراحة الي كان يملكها هو ومجموعة من اصحابه !!!
انتشار ظاهرة التدخين:
لن نتحدث عن هذا لدى الشباب لأنه وللأسف الشديد قد اصبح أمرا طبيعيا، أما لدى الشابات فذاك الأدهى والأمر حيث سجلت بعض الشابات أعترافهن في الوقوع في هذه العادة السيئة تقول إحداهن: كنت أشعر بفراغ كبير فشلت كثيرا في تحديد أسبابه وأصبحت دائما أفكر بشكل سلبي للقضاء عليه وأجرب كل ما يقع بيدي ضارا كان أو نافعا لايهم المهم هو أن أجرب، وذات ليلة اجتمعت بقريباتي وصرنا نعبث في كل شيء حتى سجائر أبي أشعلنا إحداها لنتبادلها فيما بيننا، كان ذلك مدعاة للضحك حينها وفي الوقت ذاته تسهيلا لمهمتي في تكرار المحاولة. وفعلا تحول الأمر عندي إلى الاستخدام الفعلي رغم محاولاتي الفاشلة للتخلص منها، وبالإضافة إلى الدخان فهناك الشيشة و)الأرجيلة( وجميعها أصبح انتشارها يشكل خطرا على المجتمع.
المعاكسات الهاتفية:
تطور وسائل الاتصالات وانتشارها سهل للذئاب البشرية فرصة انتهاش أعراض الناس وحرماتهم، والواقع المؤلم دليل على ذلك والأمثلة خير شاهد عليه. وهذه تهاني ابراهيم تحكي قصة زميلتها أمل إحدى فرائس تلك الذئاب البشرية فتقول: كانت تقضي ساعات يومها وحيدة فهي تعيش مع والدتها بمفردها فوالدها متزوج باخرى ويعيش مع زوجته الاخيرة لذا احست امل بغربة شديدة وراحت تشكي لي حالها فاعطيتها رقما خاصا بالبريد الصوتي وقلت لها سوف تسمعين اغاني واشعارا تذهب عنك هذا الشعوروفعلا قامت بذلك وصارت تستمع وتسجل كل رقم وارد بالبريد وتتصل بصاحبه، ومن يومها اصبحت لاتتردد في قبول أي رقم يعرض عليها وفي أحد الأيام اتصلت بها اطلبها فقالت لي والدتها انها عند زميلتها تهاني. صعقت بهذا وتخبطت في الكلام فانا تهاني التي تعني وابنتها ليست عندي بعدها عرفت الى اين وصل بها الحال وشعرت بذنب كبير فانا من دفعتها لذلك دون ان اقصد فحاولت ان انصحها فلم تستمع الى فهددتها بفضح امرها فاخذت تبكي وتقول: اعلم اني مخطئة ولكن ظروفي هي التي تدفعني للاستمرار في هذا الطريق.
وبالاضافة الي الهاتف فللمعاكسات صور ووسائل اخرى وايا كانت الصورة او الوسيلة فخطرهما محدق بشبابنا وشاباتنا فمن ينقذهم من هذا الخطر ؟؟؟
السموم الفضائية: من المعلوم والواضح مدى تأثير القنوات الفضائية على الشباب والشابات وإليكم بعضا منهم يتحدث عن أضرارها من الواقع الذي يعيشونه:
معاذ البدر: أصبحت أعيش صراعاً داخلياً بين الحق والباطل والخير والشر نتيجة لاختلاط وتضارب المعتقدات والعادات والتقاليد.
مها ناصر: بدأت أردد وبدون قصد بعض الألفاظ المنافية للدين مثل القسم بغير الله وبعض الألفاظ البذئية.
الأختين نهى وأماني عبدالرحمن: لم نكن نعرف في السابق من أعياد النصاري سوى عيد الميلاد ولانعمل به أما بعد مشاهدتنا لهذه القنوات أصبحنا نعرف عيد الأم وعيد الحب وغيرها من الأعياد بدأنا نتبادل التهاني في هذه المناسبات.
نورة صالح: أرهقت ميزانية والدي بسبب متابعتي لآخر صيحات الموضة في الملابس ومستحضرات التجميل وأصبحت بشرتي معمل تجارب لكل مستحضر جديد.
ماجد عبدالعزيز: كانت القنوات سبباً رئيسياً في انحرافنا حيث تعمل على إثارة الغرائز وتدعو إلى الإنغماس بالرذيلة وشجعتنا على السفر إلى الخارج.
الآثار الأمنية:
قد لا نبالغ إذا قلنا أن ارتفاع معدل الجريمة من قتل وسرقات أو حتى التفحيط والتجوال في الطرقات وإعاقة السير وكثير من المخالفات المرورية هي نواتج طبيعية للفراغ ولبيان خطر تلك الآثار الأمنية نورد قصة الشاب الذي رمز لاسمه بأبو إبراهيم والذي يقول: كنت أجلس برفقة مجموعة من الأصدقاء في أحد الطرق الدائرية وبعد أن تنتهي سهرتنا كنا نتباهى فيما بيننا من خلال التفحيط أو قيادة السيارة بسرعة جنونية وفي إحدى المرات كنت أقود سيارتي بسرعة فائقة وحاولت أن أمازح أحد أصدقائي فاتجهت إليه لتخويفه ثم إنحرفت عنه إذا به يجري في نفس الاتحاه فلم أكن أستطيع تدارك الموقف لاصطدم به ولتكون تلك هي نهايته بعد أن كان ذلك قد تسبب له بنزيف داخلي وكسور في جمجمته أدت إلى وفاته دماغيا.
إذاً فالآثار الأمنية للفراغ كثيرة وعواقبها وخيمة خاصة في ظل ضعف الوازع الديني وانعدام الرقابة الأسرية.
الشبكة العنكبوتية:
عندما تتحدث عن الإنترنت فإننا نتحدث عن تقنية هي في واقعها سلاح ذو حدين ومن خلال استطلاعنا لآراء مستخدمي هذه الشبكة من الشباب اتضح لنا جلياً أن السواد الأعظم منهم اختار الحد الخطر من هذا السلاح لذا فإن أقل ما ينتج عن هذا الاستخدام هو ما تحدث عنه الشاب خالد محمد حيث يقول: أؤمن بأن الأنترنت أصبح من ضروريات الحياة ومستلزمات العصر ولهذا فإنني أقضي ساعات طويلة أمام شاشة الانترنت الأمر الذي أثر سلبا على عملي حيث إنني أجلس حتى أوقات متأخرة من الليل أمام هذه الشاشة فاتأخر عن العمل في صباح اليوم التالي مما أثار استياء رؤسائي واضطرني لتحمل الكثير من الخصومات والإنذارات، وأنا أعترف بأن الاثار السلبية للإنترنت هي أكبر من ذلك فوجود بعض الصور الخليعة والعبارات النابية فضلا عن استخدامه كوسيلة للمعاكسات.
وسائل مفيدة للعلاج:
الطبيب من أجاد التشخيص وأبدع في العلاج، ونحن هنا بعد محاولة تلمس الداء قطع علينا المشوار في البحث عن الدواء، وها نحن نعرض لكم جانبا من تلك العلاجات التي استقيناها من الواقع ورصدها لنا ضيوفنا من عدة جوانب:
المعاكسات الهاتفية:
حول المعاكسات الهاتفية بشكل خاص تحدث للجزيرة الأستاذ عبدالله بن محمد المجماج رئيس مركز هيئة السوق بعنيزة فقال: إن الفراغ لدى الشباب والفتيات يدمر ألوف الكفاءات والمواهب في مجتمعاتنا، ويتبع هذا الاهدار الشنيع لقيمة العمل والوقت خسائر مادية ومعنوية لاحصر لها، وأن الآثار المشاهدة لدى الشباب كثيرة منها المعاكسات والعلاقات غير البريئة... ومن خلال عملنا نبذل قصارى جهدنا في علاج كثير من هذه الآثار وبالأخص قضية المعاكسات، والمراد فيها ما يقوم به بعض الشباب من العبث في جهاز الهاتف وأجهزة الأتصالات الآخرى بهدف الإزعاج أو محادثة النساء ومعاكستهن وعمل ذلك أيضاً داخل الأسواق بمتابعة النساء ومضايقتهن.
والمعاكسات تصدر من الشباب الذكور والأناث إلا أنها من جانب الذكور أكثر ولا سبيل للمقارنة.
ومن أهم الأسباب المؤدية لها:
انعدام الرقابة من قبل أولياء الأمور فكثير من الأسر تمنح أبناءها الثقة المطلقة في تصرفاتهم بل قد يكون له خط هاتفي خاص في غرفته الخاصة.
وجود المؤثرات الخارجية مثل مشاهدة القنوات الفضائية والتأثر بما يشاهدونه فيها من إثارة للغرائز.
تزيين قرناء السوء لهذه التصرفات واعتبارها من الأعمال التي يتباهون بها بين أقرانهم.
حب الشباب للإثارة والمغامرة يدفعهم لخوض هذه التجارب رغم ما فيها من مخاطر.
وقد كان لهذا الأمر انعكاساته السلبية على الشباب خصوصاً والمجتمع عموماً من تلك الظواهر والآثار:
تقصير الشباب في التحصيل العلمي نتيجة لإضاعة الوقت في العبث بجهاز الهاتف.
حدوث العديد من الاضطرابات النفسية لدى الشباب المعاكس تفقده هدوءه واتزانه بل قد تدفعه إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله.
وقوع كثير من الفتيات في المصيدة التي ينصبها لهن الشباب المعاكس وبالتالي قد تقع فيما يفقدها شرفها وكرامتها والواقع يشهد على ذلك.
العلاج التربوي:
الأستاذ مساعد بن يحيى السليم مدير مجمع العليان التعليمي تحدث إلينا حول الحلول التربوية وعن كيفية شغل الفراغ لدى الشباب حيث قال: مما لاشك فيه أن مشكلة الفراغ تعاني منها جميع شرائح المجتمع بنسب مختلفة فالشباب والكبار والصغار والنساء والرجال كل منهم يعاني من هذه المشكلة ونحن عندما نتكلم عن الفراغ لانقصد الفراغ بالوقت فقط فهذا الفراغ )نتيجة حتمية( للفراغ النفسي والفراغ الروحي والفراغ الفكري والفراغ العاطفي... وغيره..
لذا فالتأخر الذي تعيش فيه أمتنا لا أبالغ إن قلت ان من أهم أسبابه أننا لانقدر قيمة الوقت فعلينا أولاً ألا نتهم بعضنا البعض بالتقصير وأن نتبادل الاتهامات فالخطوة الأولى التي علي الجميع أن يخطوها أن نتحاور فيما بيننا حوارات طويلة نستمع فيها إلى حلول ومقترحات واقعية وطموحة على أن يشارك في هذه الحوارات جميع أفراد المجتمع خاصة الشباب والشابات للوصول إلى مقترحات تساعد على التغلب على هذه المعضلة فعلى سبيل المثال أشير أشارات سريعة فقط إلى بعض الحلول التي أعتقد أنها ستساعد على علاج هذه الظاهرة:
أن تنهج الأندية الرياضية المنتشرة في جميع المدن خططا لرعاية المواهب الثقافية والأدبية وتنميتها.
إقامة الدورات واللقاءات والندوات التي تعلم فن إدارة الوقت والأعمال التطوعية والقراءة وتنمية المواهب والترويح الهادف.
توفير الأماكن الترفيهية المناسبة لجميع الفئات العمرية من حدائق ومنتزهات تحترم التعاليم الإسلامية والأخلاق الحميدة.
أن تشترك الأسرة والمدرسة معاً في تأصيل السلوكيات الحميدة ومتابعتها وأن تراعى الرغبات والميول والحاجات لكل مرحلة عمرية ويتم التعامل مع الشاب وفقا لهذه الفروق الفردية والتركيز على:
غرس روح العمل التطوعي للمشاركة في تنمية الوطن.
بناء النزعة التجارية لدى أبنائنا حتى يشبوا على استغلال أوقاتهم بالتجارة.
إنشاء أندية الأحياء حيث يشترك سكان الحي في إقامة نادي ثقافي أدبي رياضي.
تفادي الآثار الأمنية
التقينا بمدير شرطة منطقة القصيم سعادة اللواء خالد بن عباس الطيب ليحدثنا عن الآثار الأمنية التي قد تنتج عن الفراغ وعن كيفية توخيها وعلاجها فكانت إجابته كالتالي:
الفراغ ولا شك يعتبر مفسدة عظيمة لمن يستسلم له وهو سم زعاف إن لم تتقه بالشغل قتلك. وإذا ما لدغتك أفعى الفراغ فإنك ستموت حتماً موتاً بطيئاً كل لحظة من لحظات الحياة فهو أفعى متلونة يئن من لدغتها الكثير من الناس وكم شباب وشابات وقعوا فريسة لذلك الفراغ وقد يكون الفراغ سبباً رئيسياً لانزلاق الشاب أو الشابة في أمور تتنافى وديننا الحنيف وإذا ما كان الفراغ هو ركن من أركان حياة البعض فإن الهم سيلازمه.
ومما لاشك فيه أن الفراغ وبالذات بين الشباب يكون سبباً في تأهيلهم للقيام بأعمال تتنافى والفطرة السوية كقيام البعض منهم بإستغلال الفراغ للتفكير في القيام بالسرقات ثم تتبلور هذه الفكرة ليتم الوصول من خلالها إلى التخطيط وتشكيل فريق لذلك ومن ثم تنفيذ السرقة وهي أمور نربأ بشبابنا عنها، وأحياناً يكون الفراغ سبباً رئيساً لحدوث المضاربات بين الشباب الذين لم يشغلوا أقاتهم بما يجب أن يكون، والتجمعات تحدث المضايقات لأهل الحي وقاطنيه، وقد يعاني الشاب من الملل حتى يطيح به في النفق المظلم للمسكرات والمخدرات..
فعلى الشاب أن يشغل نفسه بطلب العلم ومذاكرة دروسه وزيارة الأقارب وقضاء حوائج أسرته وأن يلتحق بكل ما هو مفيد له في دينه ودنياه، وعلى من استسلم للفراغ أن تعلو الهمة قلبه وتقوى إرادته ويشحذ عزيمته ويصحو من غفوته ليعلم بأنه محاسب عن كل وقته، ولك مني عزيزي القارئ المستسلم للفراغ نصائح أزجيها من قلب أخوي صادق نابع بروح الإيمان بالله تعالى ثم المواطنة الحقة: أبدأ يومك بالتفكير في: ماذا تعمل؟ واجعل لك جدولا يوميا واسبوعيا وشهريا للاعمال التي تنوي القيام بها ثم قم بتوزيعها جيدا وابدأ بالأهم فالمهم وإياك أن يستهويك الكسل فإنه المرض الفتاك الناخر بقلبك ولا تؤخر عمل يومك لغدك واعمل وعمِّر لآخرتك قبل دنياك وإياك والاستسلام للقنوط وأصدقاء السوء الذين يقودونك إلى الردى واعلم أن الصحة مع الشباب سلاح ذو حدين فهما قد يكونان سببا لتعاستك وهنا يجب عليك الحذر كل الحذر وقد يكونان سببا لسعادتك من خلال استغلالهما فيما يفيد دينك ومجتمعك.
كما التقينا بسعادة العقيد سليمان بن عبدالرحمن العجلان مدير مرور منطقة القصيم ليحدثنا عن نفس الموضوع فقال: عندما صدع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة لهذا الدين الحنيف فإنه لم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة الناس إلا وجعلها ضمن دعوته في معاملاتهم وعباداتهم وجميع ما يتعلق بشؤن حياتهم وقد قدم الاسلام بناء تربويا متكاملا للبشرية مثاليا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى بناء من خلاله تستقيم حياة الخلق ان التزموا به وتتحقق من خلاله آمالهم وطموحاتهم ولكن اختلفت مدارك وعقول الخلق ومن خلال ذلك اختلفت هواجس التفكير فقد يقتل ذلك الهاجس صاحبه وقد يوقد شمعة الابداع في ذوات الاشخاص ومن هنا يتضح لنا أن هاجس التفكير هو الذي يقود الشخص للنجاح أو عكسه.
وللفراغ سلبيات لا يمكن حصرها وقد يكون الموت هو النهاية الحتمية لها فكم من الحوادث المرورية المفجعة كان سببها )التفحيط( الذي هو نتاج الفراغ ولا سواه، وكم من معاق كان من ضحايا الفراغ، والحوادث المرورية التي تحدث لأسباب واهية هي ما يزيد من وقع الحدث على القلب أسى وحسرة فكم من أطفال تيتموا بسبب طيش شاب فارغ لا هم له ولا شغل سوى التهور بسيارته وفي النهاية لايجني من تصرفاته الطائشة سوى الحسرة والندامة، ولأن الفراغ أمر خطير فإن الدولة وفقها الله تعالى وسدد خطاها بقيادة خادم الحرمين الشريفين لم تقصر تجاه شبابها في كل ما من شأنه قضاء أوقاتهم بما ينفعهم ومن ذلك تهيئة حلقات حفظ كتاب الله والمكتبات العامة والأندية الأدبية والرياضية والساحات الشعبية وغيرها من المنتديات ذات الفائدة العقلية والبدنية وإذا كان لي من وجهة نظر في القضاء على غول الفراغ فإن ذلك لن يتحقق إلا بتحقيق عدة أمور ومنها:
الاهتمام بالقراءة وسعة الاطلاع وعدم التأخر بأداء الأعمال مهما ضغرت وقل شأنها على أن تكون أعمالا ذات نفع، وبرالوالدين والتقرب منهم وقضاء حوائجهم، ومجالسة الصالحين والاستفادة من مجالسهم، والسعي لطلب الرزق أيا كان، وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعلى .
رأي تربوي آخر
الأستاذ يوسف بن عبدالله الرميح مدير إدارة شؤون الطلاب بإدارة تعليم عنيزة تحدث مؤكداً :
أن الشباب.. والفراغ... موضوع أشبع طرحا ومناقشة ولكنه يستحق المزيد، وقال: والجدير في هذا الموضوع هو الربط بين الفراغين الزمني والذهني. لأن الفراغ في حد ذاته لا يعد مشكلة بل هو نعمة يحسد عليها الإنسان، ولكنه قد يتحول إلى نقمة إذا لم يحسن الانسان استغلالها.
إن المتأمل بعمق لكلمة الفراغ الذهني والوقتي يخرج أولا بتصور إيجابي حول استثمار هذا الوقت وهذا الصفاء باعتبارهما ظروفا مساعدة للابداع والابتكار والعطاء، حيث يجد الانسان الوقت دون مشاغل وتتوفر لديه امكانية التفكير واستخدام الذهن دون معوقات بما يحقق الخير والفائدة له ولمجتمعه. ويظهر الشق أو النوع الثاني من الفراغ وهو الفراغ الذهني وهو بالمناسبة أهم وأخطر يظهر كسبب حيث يكون توظيف الفراغ توظيفا غير ايجابي لأنه وبوجود ذهن غير فارغ لن يكون هناك وقت فارغ والمشكلة في خطورة الفراغ الذهني أنه لا يتوقف فقط على من لديه فراغ في الوقت بل قد يكون الإنسان مشغولا كل وقته لكنه لا يعتمد في حياته وفي صرف أوقاته على توجيهات فكرية ذهنية سليمة فيعمل ويتعامل على غير هدى ولا بصيرة لأنه لم يغذ روحه وفكره غذاء سليما فهو وإن توفر له الوقت لم يصرفه فيما يفيده ويفيد مجتمعه.. ولذلك تزيد المشكلة وخطورتها إذا تزامن الفراغ الوقتي )كتعبير عن الاسلوب في شغل الوقت( مع الفراغ لذهني )كتعبير عن الاسلوب في التفكير( ولعل ذلك هو ماسعت الجزيرة إلى مناقشته والتذكير بخطورته والعمل على معالجته من خلال هذا التحقيق ولكنني أعتقد أن المعالجة لايمكن أن تتم لهذا الموضوع المهم من خلال طرح صحفي مقتضب بل لابد له من دراسة علمية من جهات متخصصة تكمل ما قامت به صحيفة )الجزيرة( من دور رائد بإثارتها لهذا الموضوع الجوهري.
رأي علم النفس
وفي هذا الاطار تحدث الدكتورطارق الحبيب استشاري الأمراض النفسية ورئيس قسم الطب النفسي بالمستشفى الجامعي عن الآثار النفسية للفراغ وكيفية علاجها فقال: لاشك أن موضوع الفراغ الذهني والوقتي لدى الشباب من الأمور الواجب مناقشتها والتحاور فيها ليس بشكل عارض ولكن بشكل دوري إذ ان الشباب مستمر وديناميكي وفي حالة حركة لا تتوقف كما أن هناك تغيرات تكاد تكون يومية في مختلف المجالات خصوصا في مجال التكنولوجيا التي بدأت تدخل بيوتنا وكثيرا ما نقف في حيرة سائلين أنفسنا ما المناسب للرد على هذا التغير؟ والجدير بنا أن نفعل كأفراد أو مجتمع خاصة وأن فئة الشباب هم الأكثر تأثيرا فيها والملاحظ أن هذا التغيير قد بدأ يؤثر على بنية الشباب الذي يعاني في الأصل من فراغ ذهني ووقتي فأخذ يتسرب عن طريق هذا الفراغ أنماط سلوكية لم تكن من قبل مقبولة لدينا. كانت الآثار النفسية للفراغ الذهني والوقتي في السابق تقتصر على الشعور بالملل والفشل وتعبئة هذا الفراغ في كثير من الأحيان بالسهر وقضاء الوقت فيما لا يجدي مما ينتج عنه آثار تختلف ما بين فرد وآخر.
فنجد تأثيرا سلبيا على تفكير الفرد أحيانا إذ يصبح أكثر عرضة وقابلية للتأثر فيما يعرض عليه من أفكار تتراوح ما بين انهماكه في التفكير في نفسه بطريقة قد تكون عائقا في طريقة تكيفه الاجتماعي والوظيفيي والدراسي. وآخر يجد في الانحراف بأنواعه المختلفة طريقا لتعبئة الفراغ خصوصا عند انخفاض الوازع الديني وانعدام أو نقص الشعور بالمسؤولية ومثل هذا الانحراف يصبح مرضا اجتماعيا يحتاج إلى تدخل القانون لضبط سلوكه. وهذا الأثر السلوكي شائع في مجتمعنا ويحتاج إلى تدخل مبكر من قبل الجهات المعنية بالشباب، وفي تصوري فإن الفراغ الذهني لا يقتصر على من هو عاطل عن العمل فقط ولكن أؤكد أن الكثير من الطلاب في الجامعات والكليات يعانون من هذا الفراغ نتيجة تأجيلهم وتسويفهم للمذاكرة إلى حين اقتراب الامتحانات وعدم اهتمامهم بالمادة الدراسية أو حتى اختصاصاتهم والذريعة في ذلك واضحة في قولهم اننا تعودنا على المذاكرة في وقت الامتحانات وأن المادة التي ندرسها سهلة ولا تحتاج إلى جهد كبير للنجاح فيها ونستطيع الحصول على علامة النجاح. ومثل آخر هو فئة من الشباب من موظفي القطاع الحكومي أو الخاص الذين لا يعتبرون الوظيفة إلا التزام صوري لحضورهم جسديا لموقع العمل دون التفكير في تطوير أنفسهم فيما يخدم صالحه الشخصي وصالح العمل والمجتمع بشكل عام. إذن مثل هذه الفئات الشبابية تتقنع بقناع الموظف والطالب ولكن هي في الحقيقة تعاني من الفراغ الذهني في أوضح صوره وهي الأكثر عرضة للتأثر بآثاره النفسية التي تتفاقم ليصبح اضطرابا نفسيا يتراوح ما بين القلق الخفيف الذي يمكن السيطرة عليه إلى الشعور الشديد بالاحباط الذي يؤدي في النهاية إلى الاكتئاب أو الانحرافات بصورها التي تستوجب التدخل الطبي في الكثير من الأحيان ومن الممكن أن تصبح مزمنة وتحتاج إلى الرعاية الدائمة.
ويمكن تلخيص الآثار النفسية للفراغ الذهني والوقتي على الشباب في النقاط التالية:
التأثير على فكر الشباب الذي يعاني من فراغ ذهني يصبح أكثر عرضة للتأثر بالأفكار السلبية والتي تكون في معظم الأحيان مدسوسة بالقصد لتؤثر على تعاليم ديننا السمحة وعلى قيمنا الكريمة التي نعتز ونتفاخر فيها.
التأثير على سلوك الشباب حيث أن أمر السلوك مرتبط بالمنظومة الفكرية عند الشاب إذ في الوقت الذي تتغير أفكاره نجد أن التغير في السلوك أصبح حتميا وكثيرا ما يكون هذا السلوك غير ملائم لقيمنا وعاداتنا والفراغ الذهني يؤثر أيضاً على سلوك الشاب من ناحية قدرته على تحمل المسؤولية ومتابعة أعمال تحتاج إلى التزام حقيقي إذ نجد من تعود العيش في فراغ سريع الملل وأحيانا ما يأتي إلى العيادة النفسية وهو يعاني من احباط شديد أو أعراض اكتئابية وكثيرا ما يغير وينتقل من عمل لآخر تجنبا لمتابعة أي التزام.
والأثر النفسي الأكثر أهمية هو تأثر اخلاق الشباب نتيجة الفراغ الذهني والذي سرعان ما يؤثر على القيم الدينية وما ينتج عنه من آثار تشمل جميع المجالات. وللحد من هذه الآثار النفسية فإنه يجب تكاتف جهد كل الدوائر المعنية بالشباب ابتداء من الهيئات الدينية الفاعلة إلى المؤسسات التعليمية والاجتماعية والشبابية والصحية لتصل إلى تحقيق الأهداف الوطنية السامية التي يكون الشباب فيها هو العنصر الجوهري والمنتج الذي يحمل كل فرد فيه مبادئ الالتزام وحب الوطن والنهوض به للوصول إلى غايتنا النبيلة.
|
|
|
|
|