| شرفات
رغم جسده الضئيل الذي لا يزيد عن 50كجم كان شارلي شابلن اسطورة من أساطير القرن العشرين اسطورة نسجتها ابواق الدعاية في هوليوود حيث ظل شابلن نجما اوحد في سماء الشهرة والثراء قرابة اربعين عاماً.
كان ابواه يعملان في فرقة للمنوعات وعندما فقدت الام صوتها وهي مغنية تحولت حياتهما الى مسرح للشقاء وافتقدت الاسرة مصدر الدخل الوحيد ثم كان افتراق الابوين حملت الام طفلها الرضيع شارلي الذي لم يتجاوز العام بعد والى جوارها الصغير سيدني يكاد ان يقف على قدميه ومضت بهما للحياة في غرفة متواضعة ومصير مجهول.
يتنقل الصغيران تارة في مدرسة للايتام وتارة في منزل الاب، حيث تذيقهما لويزة صديقة الاب مر العذاب الى ان يتحسن وضع الام قليلا فتخرج من المصحة ويعود الصغيران للاقامة معها ورغم صراعها مع الالم والفقر ومس الجنون تتفق الام مع مدير المسرح الذي كانت تعمل فيه على ان يصعد الصغير شارلي على خشبة المسرح يغني ويؤدي بعض الحركات البهلوانية لاضحاك الجمهور.
لم تدم تلك الفترة الهادئة طويلا فبينما كان شارلي قادما الى المنزل ذات يوم اخبره أقرانه ان والدته كانت تدور من بيت الى بيت تستجدي قطع الفحم!
مرة خرى تداهمها نوبة جنون.. مرة اخرى تعود إن المصحة وهي تعاني من سوء التغذية ويقرر سيدني الشاب الصغير ان يخرج الى العالم ويبحر على متن احدى البواخر وراء لقمة العيش تاركا شابلن وحده يلاطم قسوة الحياة وتلاطمه .. يراه البعض بائعا متجولا للصحف وفي يوم آخر عاملا في مطبعة او في محل لبيع لعب الاطفال.. واحيانا ينجح في الحصول على بعض الادوار المسرحية الصغيرة.
وحين خرجت الام من المصحة في )نوبة عقل( ومن ذات التوقيت عاد سيدني من مغامرته الفاشلة وجد شابلن نفسه مسؤولا عن الاثنين .. هذا الهازل الذي لم يتحقق بعد عليه الآن ان يعول اسرة صغيرة وفي الوقت الذي عانى فيه شابلن من البطالة نجح اخوه سيدني في الحصول على عمل بفرقة للبانتومين بل نجح ايضا في اقناع كارلوس مدير الفرقة بأن ينضم اليها اخوه شارلي.
كانت بداية هامشية لشارلي فهو احيانا يغني واحيانا يكتب بعض النصوص للفرقة وربما ينتظر حتي يلوح في الافق دور صغير لكن مع نجاح الفرقة وجولاتها في مدن اوروبا اصاب شابلن شيئا من النجاح وبناء على طلب وكيل اعمال كارنو في الولايات المتحدة سافر شارلي شابلن الى العالم الجديد عام 1910 ليبدأ عهداً جديداً. فلم يمض على وجوده سوى عامين حتى اخذت العروض تتالى عليه من شركات كيستون واندرسون واساناي وفي السادس عشر من يناير 1914م وقف شابلن لاول مرة امام الكاميرا في فيلم )الانسان يحيا كما يريد( من اخراج ماك سينيت ويحكي شابلن عن اكتشاف هيئته الخاصة التي لازمته طويلا قائلا:
كنت في الطريق الى غرفة المقابلة )مقابلة سينيت( حيت خطرت ببالي فكرة اختيار هندام خاص: بنطال مهترىء احذية ضخمة عصاوبابيون ذولون اسود كلها متناقضة مع بعضها البعض فالبنطال واسع والمعطف ضيق والقبعة صغيرة والحذاء كبير.. لم اعرف هذا الهندام من قبل ولكنني في الوقت الذي ارتديت ثيابي وخضعت لعملية الماكياج بدأت اشعر بنفسي وأتعرف على شخصيتي وقد اكتملت شخصية شابلن الهزلية بمشية الاوزة التي تدرب عليها اثناء وجوده في لندن وبقدرته على تحريك العصا والاستعراض بها واطلق عليه سينيت لقب )المطارد( حيث برزت شخصيته في افلامه الاولى كمطارد ويتمتع بالقدرة على الجري والظهور بمظهر الحمل البريء! ومع ظهور السينما ورغم معارضة شابلن للسينما الناطقة اصبحت افلامه السينمائية اكثر اهتماما بالمضمون ووصل شابلن الى قمة الابداع ككاتب وممثل ومخرج يركز جهوده السينمائية الرئيسية على الاحتجاج الصارخ ضد المصير المأساوي للانسان الضعيف .. الاحتجاج ضد الموقف اللامبالي للمجتمع امام المتطلبات الروحية والمادية لهذا الانسان البائس.
ومن اهم افلام تلك المرحلة: أضواء المسرح الذي يحكي عن السنوات الاخيرة في حياة المهرج كالفيرو والديكتاور العظيم الذي استلهم فيه شخصية الزعيم النازي هتلر، والازمنة الحديثة وحمى البحث عن الذهب الذي حصل على المركز الثالث في تصنيف النقاد لأهم اثني عشر فيلما في النصف الاول من القرن العشرين وكذلك فيلم السيرك الذي حصل من خلاله شابلن على جائزة الاوسكار. خلال سنوات المجد تلك اسس شابلن شركة للانتاج السينمائي وقام بزيارة اوروبا مرتين في غضون عشر سنوات وحرص خلال الزيارتين على التخفي والذهاب سرا الى مسقط رأسه في لندن وفي مقابل هذا النجاح السينمائي اتسمت حياته الزوجية وعلاقاته العاطفية بالاضطراب والقلق ففي عام 1918 تعرف شابلن على ملدريد هاريس اثناء تصوير فيلم «على الكتف» وتزوجها وبعد عامين افترقا بعد ان رزقا بمولود توفي في غضون ثلاثة ايام من ولادته وفي عام 1922م تعرف على فتاة صغيرة تدعى ماك مورا اتى بها للقيام بدور في فيلم حمى البحث عن الذهب وفي ظروف غامضة اضطر للزواج منها خاصة ان الصحافة تعرضت بقسوة لحياته الخاصة وبعد ثلاث سنوات طلقها وفي عام 1933 تزوج شابلن باوليت جوداد واستمر زواجهما تسع سنوات وقبل ان يتم زواجه العام تعرف على جوان باري واستمر على علاقة بها مدة عامين الى ان رفعت عليه دعوى تبني ونفقة. استمرت هذه الحياة العاطفية المضطربة الى ان تعرف عام 1943م على اوانا ابنة الكاتب الفرنسي الشهير أوجين اونيل وتزوجها حيث انجبت له ثمانية اطفال أكبرهم كانت جيرالدين التي اصبحت ممثلة معروفة فيما بعد. وفي عام 1977م رحل شابلن بعد حياة حافلة بالالم والدموع والمجد والثراء.. رحل في صمت وقد انحسرت الاضواء عنه ووصفه قاموس السينما الموسوعي في عدة سطور: « شارلي شابلن عبقرية غير متكررة في القرن العشرين خلال خمسين عاما من العمل السينمائي ترك آثاراً عميقة ليس على صعيد الكوميديا فحسب بل على صعيد الفن السينمائي عموما والثقافة العالمية ككل»!
شريف صالح
|
|
|
|
|