| تحقيقات
*
جازان - تحقيق إبراهيم بكري:
الطفولة تلك المرحلة الجميلة من العمر والمليئة بالسعادة بالمغامرات والطرائف والعجائب إلا أن هذه المرحلة بدأت تتغير وتتجه إلى ألا معروف والى ألا هوية فبعد ان كانت هذه المرحلة العمرية هنيئة لا يكدرها أو ينغصها شيء أصبحت تتسم بالغموض والمفاجآت وذلك لما يمارسه مجموعة من القراصنة همهم مسخ القيم والأخلاق ونزعها انتزاعا من ألباب وأفئدة أطفالنا. لقد أمطرت الطفولة بكثير من المسلسلات المدبلجة فيما يسمى بأفلام الكرتون والتي غالبها لا يتناسب ولا ينسجم مع مجتمعاتنا المسلمة المحافظة وفي هذه الأيام تمطرنا الفضائيات بما هو غث وسمين من هذه المدبلجات التي ملكت على أطفالنا لبهم وعقولهم، حتى أن أطفالنا أصبحوا يتشوقون الى مثل هذه الأفلام الكرتونية، إن لم نقل إنهم وصلوا إلى حد الإدمان إن صح التعبير، ولقد ظهر على السطح مسلسل كرتوني يسمى «البيكيمون» أو بوكيميون» مليء بانحرافات مليء بالمعتقدات الفاسدة والهدامة مليء بالخيال السقيم الذي يدعو الى القيء.. حتى أنك لتدخل المكتبات فتجد الرسومات وشخصيات هذا المسلسل على كل شيء تقع عليه عينيك حتى أدق الأشياء من الكراسات والأقلام والبرايات والشنط حتى الطوابع الصغيرة كلها قد روجت لهذا المسلسل ولأبطاله من المخلوقات الغريبة. لقد حظي هذا المسلسل بحملة تسويقية خرافية جدا تتعدى في قوتها الحملة التي صرفت على الفيلم العالمي «تيتانك» وإن كان الأخير قد حصد الأموال الطائلة فإن البيكيمون قد أصاب الأطفال بما يسمى حمى «البيكيمونات». حول هذه الحمى وحول أثرها كانت لنا عدة وقفات: بدأها الأستاذ فيصل عيسى مدرس التربية الإسلامية بمدرسة معاذ بن جبل الثانوية بجازان فقال:
لقد اهتم الإسلام بالطفل واعتنى به عناية عظيمة وأوجب على الوالدين العناية به وإحسان تربيته وتقديم كل ما هو نافع ومفيد له ومنعه عن كل ضار له في دينه ونفسه وعقله. ومن المعلوم ان الأبوين مسؤولان عن الطفل فهو أمانة في أعناقهم قال عليه الصلاة والسلام «والأب راع ومسؤول عن رعيته» فإذا كان الأب ليرفع الضرر الذي يؤثر في بدنه من باب أولى حمايةعقله وذلك مما يعرض في شاشات التلفزة مما يسمى «بأفلام الكرتون التي تعرض في حلقاتها ما ينافي العقيدة الصحيحة التي فطر الله الناس عليها واستشهد على ذلك بمثال واحد ما يعرض ويقصد به الإساءة الى المولى سبحانه وتعالى ودينه الحنيف «فيلم كرتوني يعرض فيه شجرة تخرج من الأرض وتستمر في الصعود حتى تتجاوز السماء فإذا بيت في السماء يوجد به مارد عظيم هم بهذا الفعل يريدون السخرية بالمسلمين الذين يعتقدون بأن ربهم في السماء هذا مثال من أمثلة كثيرة، بالإضافة الى التأثير السلوكي في الأخلاق وذلك بمحاكاة الطفل وتقليده لهذه الأفلام كالقفز من أعلى البيوت وغيرها مما يتسبب في تلف أو إعاقة الطفل. وعلى هذا فإنه لا يجوز متابعة هذه الأفلام التي تسيء إلى ديننا الحنيف ولا مانع من مشاهدة بعضها إذا خلت من بعض المنكرات الظاهرة السابقة مع خلوها من الأغاني والموسيقا المحرمة والمناظر القبيحة مع وجود أهداف سامية وغايات نبيلة. من وراء عرضها.
يروج لنظرية داروين
أما الأستاذ علي عراقي عبدالله المشرف على مرسم نادي جازان الاجتماعي فيقول من خلال متابعتي للبرنامج الكرتوني المسمى بيكيمون وما حظي به من سمعة كبيرة لدى شريحة الأطفال أستطيع أن أقول بعد متابعة متفحصة لهذا المسلسل الكرتوني ان هذا البرنامج يروج بصورة مبطنة لنظرية داروين في التطور والتي مفادها أن أصل الإنسان كان قردا ثم مع مرور الزمن وحسب التطور الجيني أصبح إنسانا.. والمسلسل يروج لهذه النظرية بقالب «مفبرك» من خلال محاولة إقناع الطفل بأن هذه الحيوانات الخرافية عرضة للتطور إذا ما تعرضت لبعض الظروف القتالية التي تحثها على التطور من أجل أن تصل الى التكافؤ الذي يؤهلها ومن ثم الى الانتصار على عدوها. كما يلاحظ المشاهد التركيز على كلمة «تطور» بشكل ملموس وواضح. كما أن هذا المسلسل الكرتوني يروج لحيوانات خرافية لا وجود لها وتمتلك قوى خارقة مثل «بيكاتشو» الذي يمتلك قوى كهربائية صاعقة» يستحيل تواجدها على أرض الواقع وغيرها من الحيوانات أو كما يسميها المسلسل البوكيمونات منها ما يمتلك قوى نارية ومنها ما يمتلك قوى إعصارية وغيرها.. ونحن نعلم ما لهذه الحيوانات الخرافية من تأثيرات سلبية خطيرة لدى معتقد الأطفال بل إن هذه الصور والأشكال الغريبة لهذه الحيوانات تعمل على إحداث الخلل لدى الأطفال في تصورهم للحيوانات الطبيعية مما يؤدي الى احتفاظ العقل الباطن بصورة مشوهة وغير واقعية للحيوانات.. أيضا يتخلل هذه الحلقات ومن ضمن شخصيات المسلسل «عصابة الرداء الأبيض» تردد شعارا موحدا مفاده «نحن نحب كل أطفال العالم نزرع الحب والخير انضموا الى ..» مع أنها عصابة قائمة على الشر وبالرجوع الى المصطلحات العالمية يتبين ان هذه هي رموز الماسونية إذ ان الشعار يدعو الى الحب والمساواة والتعاون وهذه نفسها مبادئ الحركة الماسونية العالمية الحب ـ المساواة التعاون هذه العصابة وهذا الشعار النقيض يوثر تأثيرا مبطنا على سلوك الأطفال إذ ان ذلك يدعو لخلق صورة نقيضة ومهزوزة في فهم معنى الخير ومعنى الشر بل ان ذلك يدعو الأطفال الى التقليد بمعنى التستر تحت الشعارات الطيبة بينما الأفعال شريرة وهذه طرق ووسائل ماسونية إذ إن هذا يخلق ازدواجية للطفل.
يدعو للاختلاط
كما ان هذا المسلسل يدعو الى نبذ القيم الإسلامية من خلال رفع الحرج بين علاقة الأولاد والبنات وهذا له كثيرمن السلبيات أهمها انحصار القيم والترويج للاختلاط. بينما تقمص الأطفال لهذه الشخصيات من خلال الملابس المواتية للأبطال المنتشرة بكثرة الآن يزرع في الأطفال الاقتناع بهذه الشخصيات ومحاولة الانصهار في ذاتها والتمني لو باستطاعتهم امتلاك تلك القوى الخرافية لتكتمل الشخصية.
ماذا يقول الأطفال؟
وعن هذه الأفلام تحدثنا الى عدد من الصغار والذين يستهدفهم ذلك العمل الإعلامي حيث قال: الطفل أنس يحيى 6 سنوات إن البوكيمونات «مره حلوه» أنا أحب بيكاتشو لأنه قوي ويضرب كل البوكيمونات وأنا أقلد حركاته. أما محمد حكمي فيقول ان ولدي أسامة متأثر جدا بالبوكيمونات حتى إنه يطلب دائما مني الملابس المنتشرة الآن والتي تحمل صور البوكيمونات ولقد عجزت عن إفهامه ان هذا التصرف غير صحيح لكن تكرر عرض هذا البرنامج في القنوات الفضائية جعل لديه قناعة بأنه لابد ان يحصل على كل ما يحمل صور هذه البوكيمونات.
يأكلون ويشربون أمام التلفزيون
أما الأم نورة أحمد فتتأوه وتقول آه من هذا المسلسل فأنا أم لطفلين فيصل وهديل وهذه الأفلام وبالأخص البوكيمون جعلت أطفالي يعصون أوامري في كثير من الأحيان وخصوصا أثناء بث المسلسل بدرجة أنهم لا يأكلون ولا يشربون إلا أمام التلفزيون.
نبيع البيكاتشو
ويقول محمد إقبال باكستاني الجنسية يعمل في محل لبيع ألعاب الأطفال الحمد لله السوق هذه الأيام جيد جدا لأن الأطفال يشترون «بيكاتشو» وأصبح دخل المحل جيداً لأننا نبيع جميع أنواع البوكيمونات خاصة بيكاتشو.
يتوحد مع الكرتون
أما حول أثر الأفلام الكرتونية وتأثيرها على حياة الطفل فلقد سألنا الدكتور محمد سعيد أبو الخير - قسم علم النفس - كلية المعلمين بجازان عن الطفل عندما يقلد أفلام الكرتون وتصبح جزءاً أساسياً في شخصيته تصل الى حد تقمص الشخصية فهل لذلك تأثير على حياة الطفل من جميع النواحي؟
فقال: نعم إن أفلام الكرتون التي تبث في قنوات التلفزيون لها تأثير شديد في شخصية الطفل تصل الى حد «التوحد» والتوحد من الناحية النفسية معناه ان يتعين الطفل ذاتيا بذات أخرى. ولذا يطلق عليه «التعيين الذاتي» لأن مصطلح التقمص أصبح غير مستخدم في كتابات علم النفس. وللتوحد ثلاث صور رئيسية وهي: التوحد بالمحبوب، التوحد بالمحسود، والتوحد بالمكروه أو العدو وبالرجوع الى أفلام الكرتون نجدها دائما تعتمد على حكايات عدوانية أو صراعات شديدة تنتهي بالقتل. والطفل هنا يتوحد بالبطل، والبطل هنا عدواني ومعاقب في كل مواقفه فيكون التأثير الأول والأخير على الطفل من مشاهدته لهذه الأفلام هو العدوان متوحدا بأبطال هذه الأفلام. ووفقا لنظرية «التعلم الاجتماعي» لـ «البورت باندور» Bandura فإن الإنسان يستطيع تعلم الاستجابات الجديدة لمجرد ملاحظة سلوك الآخرين. وهؤلاء الناس الآخرون يعبترون من الناحية التقنية نماذج «medels» واكتساب الاستجابات من خلال مثل هذه الملاحظة يسمى «الاقتداء بالأنموذج» وعلاوة على ذلك فإن القضية الرئيسية للنظرية تختص في التعلم بالملاحظة هي تفسير اكتساب الاستجابات الجديدة كنتيجة لملاحظة شخص آخر. والطفل هنا ملاحظ جيد لأبطال هذه الأفلام، وهؤلاء الأبطال يتميزون بالعدوانية والمشاغبة دون أن يكون هناك رادع أو عقاب لهم مما يدعم العدوان لدى الأطفال فالتدعيم في رأي «باندورا» يساعد على التعلم بالملاحظة والمحاكاة. ومن خلال التجارب التي قام بها «باندورا» رأى أن الأطفال الذين لاحظوا ان السلوك العدواني كان يلقى عقاباً كانوا يقلدون هذه الأنماط السلوكية العدوانية بدرجة أقل من الأطفال الذين رأوا ان العدوانية تلقى إثابة أو إهمالا، ولكن حينما قدموا لهؤلاء الأطفال حوافز جذابة لمحاكاة النموذج فإن الفروق بين هذه المواقف قد تلاشت ويبدو ان الأطفال من كل المواقف قد تعلموا بدرجة متساوية تقريبا سلوك النموذج وان ملاحظة النواتج المختلفة قد أدت الى كف أو تيسير أدائهم للسلوك فيما بعد.
بعيدة عن واقعنا
وأضاف الدكتور أبو الخير أحب أن أشير الى تأثير سلبي آخر لهذه الأفلام في شخصية الطفل. وهي ان هذه الأفلام تبتعد كثيرا عن واقعنا العربي وثقافتنا الاسلامية فكلها حكايات بعيدة عن شخصياتنا الإسلامية ولا تتناول الا موضوعات خيالية غارقة في الخيال وليس التخيل فمعظمها تعتمد على السحر والقتل والسحرة والمعابد والخرافات فأين ثقافتنا الإسلامية وأين شرقيتنا من هذه الأفلام؟ إننا لو تنبهنا الى خطورة هذه الأفلام وتأثيرها لوضعناها تحت الملاحظة الدقيقة وتحت الفحص السيكولوجي والاجتماعي والتربوي. ويمكن ان يكون لها تأثير ايجابي في شخصية أطفالنا لو كانت هذه الأفلام من إنتاجنا وأعمالنا وفقا لثقافتنا الإسلامية فلماذا لا يكون هناك فلم كرتوني يعلم أطفالنا «الفتوحات الإسلامية» أو كيفية الصلاة والحج.. ويبث عبر القنوات الفضائية.
|
|
|
|
|