| أفاق اسلامية
الركن الخامس من أركان الإسلام نترقبه وننتظره؛ لأن له وقتاً معيناً يؤدى فيه، ومكاناً محدداً يتم فيه، وشروطاً معينة لاينجز إلا بها، يقول تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق}. فالحج هو رحيل الأمة كل الأمة بقلوبها وعقولها قبل أجسادها إلى مكان واحد أوحد، وبشكل متكرر في كل عام، وهو الاجتماع الرباني المتميز والفريد، وهو الشاهد الحي على حيوية هذه الأمة وروحانيتها، وهو اللحظة الدعوية الطيبة المباركة، وهو الأنموذج والصورة الحية للحياة الإسلامية والارتباط بين العبد وربه، والامتثال لأوامره، وتحمل كل المشاق في سبيل ذلك. لقد سخرت مملكتنا الحبيبة كل إمكانياتها، وعلي مختلف المستويات من أجل خدمة هذا الموسم المبارك الذي حبانا الله به، فالحجاج أغلى الضيوف، إنهم ضيوف الرحمن وعباد الله الذين قطعوا الفيافي والقفار من أجل ان يشهدوا منافع لهم، ويؤدوا الفريضة المفروضة على من استطاع إليها سبيلا، ورغم كل التسهيلات والتيسيرات واستخدام كل تقنيات الحضارة في سبيل إراحة الحجاج، فإن هناك بعض المصاعب والإشكاليات التي لاتزال قائمة، أو أنها تتكرر عاما بعد عام، وفيها الأمر الذي يتعذر علاجه، فالحج بحد ذاته مشقة وجهد وتعب، ولكن منها مايمكن تلافيه وتجنبه، فقد حاولت بنفسي أو من خلال إخواني الاطلاع على بعض تلك ا لصعاب التي بتجاوزها يمكن الإسهام بتقديم خدمة أفضل لمواسم قادمة بإذن الله .
ما هكذا تكون الحملات!!
من القضايا الكبرى في موسم الحج قضية الحملات، وبادئ ذي بدء لا أعمم فهناك حملات نظيفة ملتزمة منضبطة واعية، ولكنني أقصد تلك الحملات التي ما إن ينتهي موسم الحج حتى تبدأ الشكايات حولها وحول تنظيمها والمشرفين عليها، لقد حدثني أحد الاخوة عن حملة ابتدأت فيها الأخطاء من رئيس الحملة بالذات، ومنها أخطاء تنظيمية، وكذلك أخطاء شرعية لايجوز التساهل فيها، وإذا كان المخطئ رئيس الحملة فإلى من ستتم الشكوى، لقد انتظر الاخوة قدوم أحد طلبة العلم، فشكوا له، وقام هو بتنبيه رئيس الحملة على أفعاله، فهل يعقل من رئيس حملة أن يحمل الميكروفون، ويدخل رأسه والميكرفون داخل خيمة النساء، وفي هذا كشف للعورات وإثم كبير خلال الحج، وهل يعقل ان يترك رئيس الحملة حملته على الغارب يتحكم بها أشخاص ليس لهم أدنى دراية بالأمر!!
طلبة العلم مطلوب دورهم!!
نعم ، وهنا اقترح على وزارة الحج بالتنسيق مع وز ارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ان تعين طالب علم معروفاً ومشهوداً له بالمعرفة والعلم في كل حملة يستمع للشكاوى، ويوجه الحجاج وقادة الحملة وعمالها على حد سواء، ويطبق شرع الله بحيث تسير الأمور كما يريد المولى عز وجل إنني أعرف أناساً بمنتهى الهدوء خلال أيام السنة فما بالك خلال الحج، لقد غضبوا خلال الحج لأنهم رأوا ما لا يمكن تحمله أو الموافقة عليه، وبلاشك ان طلبة العلم يعتبرون عوناً وسنداً للأمة في ذلك، لأنهم يرشدون ويوجهون ويعينون على نشر الخير والفضيلة.
من هو رئيس الحملة؟
لن أسمي أو أشهر ببعض الحملات المسيئة، وهي كثيرة، ولكن يجب توافر شروط في رئيس الحملة من ناحية العلم والأخلاق والمعرفة، وآخر الأمور هي الأمور والقضايا المادية، نعم يجب ان توجد ضوابط معينة لايمكن تجاوزها، ويضاف لها كل سنة أداء الحملة، فالأداء السيئ يعاقب صاحبه بمنعه من قيادة الحملة في أعوام قادمة حسب خطيئته وذنبه، والشروط توضع بالتعاون بين الجهات المعنية، وبحيث توضع أيضاً لتطبيق الحد الأدنى على الأقل من المطلوب من الحملة.
استغلال لعدم الجدال!!
في الحج طبعاً لا جدال ولا رفث ولا فسوق، وهناك البعض يستغل ذلك قصداً أو عن غير قصد، فيتهاونون بتأدية المطلوب منهم؛ لأنهم يعرفون ان الحجاج يستحملون ذلك، ولن يجادلوهم، ولكن ليعلم هؤلاء ان الأمر إن وصل لحالة من الظلم والتعدي على حدود الله فلا يجوز السكوت عليه، والتهاون فيه على الاطلاق ، سواء صدر الخطأ عن شخص عادي أو عن رئيس حملة، وكما حدثني أحد الاخوة مازحاً ان الله تعالى سيثيبنا خيراً على غضبنا من أجل إقامة حدوده، وأنا لا أفتي بالأمر، ولكن ربما يكون في ذلك الكثير من الصحة.
النهي عن المنكر فعل دائم
فالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف لايتوقفان بموسم الحج، ولا يلغيان فيه، وإزالة المنكر تتم باليد، وإلا فباللسان وإلا بالقلب، وهذا أضعف الإيمان، وكما ذكر لي من أثق بحديثه أنه شاهد رجلاً من إحدى الدول العربية وهو داخل حمامات النساء، فصرخ به، وطلب منه الخروج وعندما رفض وأبى لم يكن من الحاج الذي امتلأ غضباً لهذا العمل المنكر الذي يراه إلا أن ذهب إلى خيمة لرجال الأمن نصبت قرب مسجد وطلب منهم أن يرسلوا معه رجل أمن، وهب رجل الأمن وأمسك بذلك الشخص داخل حمامات النساء ، وفي هذا تطبيق لشرع الله، فعورات المؤمنين ليست لعبة أو مزحة، بل هي من الأمور التي لايمكن التهاون بها.
تحية لرجال الأمن
فذلك الموقف الذي وقفه رجل الأمن قد حمى به شرع الله، ومواقف أخرى كثيرة جند لها رجال كثيرون، همهم حماية الحجيج، والحفاظ على الأرواح والأعراض والأنفس والأموال. لقد ذكر لي أحد الاخوة انه رأى كيف ان بعض الحجاج والجماعات يجتمعون ليؤدوا الصلاة بعد نهاية الطواف، وضمن جموع الطائفين مما يؤدي لعرقلة، وحالات دهس، واضطراب لاتحمد عقباها، ولولا الله، ثم رجال الأمن لما استطاع أحد، ابعادهم عن إحداث هذه البلبلة.
دور العلماء والفقهاء في الداخل والخارج
وهنا نؤكد على دور التوعية الدينية للحجاج، فنحن نعرف ان الحجاج من جنسيات مختلفة بل من طوائف قد تكون مختلفة، ولانريد ان نفرض رأياً، ولكن هناك أموراً واضحة لكل عاقل، فكيف يتم الطواف، وهناك أناس يؤدون الصلاة بمكان معين ضمن صفوف الطائفين، الأمر غير معقول، ويجب أن يتم توضيح ذلك للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإنهم سيتجنبون ذلك، أما إن فرضنا عليهم فعل ذلك فإننا نفرض عليهم أن يقوموا بالبلبلة.
هل الاجتماع لهرس العباد؟!
هذا هو اجتماع ومؤتمر رباني فريد، ويجب ان تبتعد عنه كل الأخطاء البشرية التي تحرفه عن مساره، ولاندري إن كان هناك جماعات منظمة تحاول الإساءة، فالحرص واجب ومن كل الجهات والأطراف حتى تبقى للاجتماع قدسيته، وكيف لا وهو الاجتماع الذي يؤدى به الركن الخامس من أركان الإسلام.
ستر العورات
العورات في الحج يا إخواني مصيبة، فبالشوارع والساحات ترى العورات هنا وهناك، وهنا الدور كبير على رجال العلم والعلماء والدعاة وكذلك على الحجيج أنفسهم، فهذا موسم عظيم مبارك، ولايجوز التهاون بهذا الأمر على الإطلاق.
افتراش الشوارع والساحات
وهنا لابد أن نعرج على هذه القضية لإيجاد حلول لها، ومنع الحجاج من هذا الافتراش، يجب تأمين وتوفير السكن والخيام الملائمة للجميع، وفي كل الأماكن، ومنع هذا الافتراش بكل السبل والوسائل، وفي هذا كل الحرص على تطبيق حدود الله.
دور البلدان الإسلامية
إن الأمر ليس مقتصراً على حكومة خادم الحرمين الشريفين أيدها الله رغم كل ماتقوم به من أعمال كرست لها كل حياتها وإمكانياتها، فالدول الإسلامية مطلوب منها توعية حجاجها بالأسلوب الشرعي والفقهي السليم، بحيث تتم تأدية الحج وفق أيسر السبل بعيداً عن كل المشاكل والاشكاليات، وفي هذا كل النفع للإسلام والمسلمين، فالحج هو موسم مكشوف أمام العالم أجمع، وهو أنسب فرصة للدعوة لدين الحق، والمشهد بحد ذاته هو دعوة للحق، فالتعاون في سبيل نصرة دين الله مطلوب، والتعاضد مطلوب، وكلنا خدم لدين الله وشرع الله، وتحية خالصة من القلب لكل حجاج بيت الله الحرام ولكل الحملات التي أحسنت معاملة حجاجها، ولكل الدول التي ساهمت في إظهار الحج بالمظهر اللائق عبر حجاجها، ولكل من عمل وخدم ضيوف الرحمن وعلى كل المستويات.
والله من وراء القصد
. alomari1420@Yahoo.com
|
|
|
|
|