| عزيزتـي الجزيرة
أولا : تقاعد الرجال:
ينص نظام الخدمة المدنية في أحد بنوده على إحالة الموظف على التقاعد بقوة النظام متى بلغ الستين من عمره. وتتفاوت سنوات الخدمة تبعا لبداية العمل في الدولة ويجوز للموظف طلب الإحالة على التقاعد المبكر بعد تمام عشرين سنة في ا لخدمة ويصرف كامل الراتب لمن أمضى أربعين سنة في الخدمة. ونصف الراتب لمن أمضى عشرين سنة. وتتم التصفية عن دون العشرين.
ونظرا لأن عطاء بعض الموظفين يقل كلما تقدمت بهم سنوات العمر ولكثرة أعداد الخريجين في مختلف التخصصات وبقاء أغلبهم بدون عمل.
ولكي تتم الاستفادة من عناصر جديدة في جميع مجالات العمل التعليمي والإداري، ولا سيما وبعض الموظفين والمعلمين القائمين على العمل تتفاوت مؤهلاتهم وبعضهم أقل تأهيلا من الجامعة كما ان المدة المحددة في نظام الخدمة المدنية عمريا بستين سنة طويلة جدا ولها سلبيات على العمل. وعلى الفرد نفسه. ومن ذلك:
1- قليل من الموظفين سواء أكانوا إداريين أو على السلم التعليمي من يبقى على حيويته ونشاطه حتى بلوغ سن الستين من العمر. سنة الله في خلقه، فالمشاهد حاليا هوتراجع القوة الجسمية والحيوية تراجعا تناسبيا مع زيادة العمر ولا سيما والمرء في هذه السن بحاجة إلى الراحة. والتفرغ التام لشؤون حياته دينا ودنيا.
إن الموظف بحاجة الى وقته وهو أشد في هذه المرحلة العمرية ليأخذ قسطا وافرا من الراحة، بعد ان أخذ قسطا أوفر من الكدح والعمل والنشاط ولكن الموظف تشغله كثرة مشاغل العمل. وتأخذه السنوات والأيام حتى يصل الى نهاية المطاف. ونتيجة للإعياء والمتاعب سيقل العطاء عند بعضهم. مع أننا نشاهد وبحق موظفين ومعلمين واصلوا العمل ونشاطهم يتجدد، لم تفتر لهم عزيمة. ولم يهدأ لهم بال وحماسهم كما لو كانوا في بداية العمل. وعلى أية حال التجديد في العمل. وتحديثه ودفع روح الشباب فيه كلها أمور جوهرية تنهض في العمل وتدفعه الى الأمام.
2- أما أثر استمرار الموظف في العمل حتى بلوغ سن الستين فمعلوم ان أداء بعض الموظفين يقل كلما كبر وفي هذا انعكاس على العمل إذ ان نشاطه وحماسه وحيويته في عقود الثلاثين والأربعين وحتى الخمسين أفضل من العقد الأخير عقد الستين.
كما أن الموظف علاوة على ضعف جسمه وحواسه وقدراته الفكرية يسجل أيضا تراجعا تنازليا في مستوى أدائه تبعا للظروف المؤثرةعليه.
كما أن بناء أسرته وكثرة أولاده خلال الفترة العمرية السابقة وحاجتهم الى الرعاية والعناية الاجتماعية والأسرية والتعليمية والصحية هي أيضا أسباب جوهرية تشغل بال الموظف وتأخذ جزءا مقتطعا من وقته الثمين المخصص للوظيفة.
لذا فمن وجهة نظر شخصية ان تخفيض سنوات التقاعد من الستين الى الخمسين هو الأنسب للموظفين والمعلمين ومن في حكمهم وبذا تتحقق لنا عدة مكتسبات لهذا التخفيض منها:
)1( إتاحة الفرصة للموظف بأن يتقاعد وهو في سن ملائمة يتمتع بكامل نشاطه الجسمي والفكري بدلا من السن السابقة التي يصل فيها الموظف الى نهاية المطاف. وقد فقد كثيرا من حيويته ونشاطه.
)2( تقاعد الموظف وهو نشيط يتيح له فرصة التفرغ لأمور دينه ودنياه.
)3( تقاعد الموظف في وقت مبكر يتيح له فرصة لخدمة أسرته والعناية بأولاده.
)4( يتيح للجهة الحكومية الاستفادة من قدرات شابة متشوقة للعمل.
)5( استيعاب كم هائل من الخريجين ويتيح لهم فرصة لخدمة وطنهم ومواطنيهم وبناء مستقبلهم وأغلبهم الآن بدون أعمال.
)6( يتيح فرصة للشباب للاستفادة من معطيات العصر في العلوم والتقنية في مجال التربية والتعليم فهم أقدر على استيعابها وتوظيفها والاستفادة منها في الميدان.
)7( يمكن دراسة الرواتب التقاعدية التي تتلاءم مع العمر المخصص للتقاعد.
ثانيا: تقاعد المرأة:
نظام التقاعد المدني الحالي يعامل الموظفين من الرجال والنساء على حد سواء في التقاعد بكافة شروطه. بدءا ونهاية. سلبا وإيجابا.
ولكن المرأة أحوج من الرجل للتقاعد المبكر لعوامل عديدة منها ما يخص المرأة. ومنها ما يخص أسرتها وأولادها، ومنها ما يخص المجتمع الى غير ذلك من الأسباب والمبررات التي سنورد بعضها. وكما نعلم هناك دراسة لهذا الموضوع تمت دراستها من قبل بعض الجهات الرسمية ولكنها حتى الآن لم تعلن، ولم يتخذ فيها إجراء رسمي من قبل الجهات العليا ولأهمية الموضوع أورد هنا بعض المبررات من وجهة نظري للإسراع في تقاعد المرأة وإصدار التنظيمات الخاصة بذلك.
1- حاجة الأسرة والأولاد لرعاية الأم وتربية الأبناء والعناية بهم والإشراف الكامل عليهم حيث انهم الآن تحت رعاية الخادمات والمربيات الأجنبيات اللاتي يختلفن عن مجتمعنا في الأخلاق والسلوكيات والعادات والتقاليد وإن شئت فقل حتى في العقائد والعبادات. وفي هذا ضرر على الأبناء حيث ينشأون نشأة غامضة سيئة. ويلقنون أساليب وعبارات تخالف ما يجب ان ينشأوا عليه. وما لا نعلمه عن أساليب الخادمات في التربية أعظم. وهذا ظلم صريح للأبناء فبدلا من تربية الأم استبدل ذلك بتربية الخادمة. ومعلوم خطورة نشأة الأبناء وقابليتها لكل أفكار وافدة سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة، فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه والسنوات الأولى هي سنوات غرس العقيدة لدى الأطفال وسيسأل الأب والأم عن ضياع هذه الأمانة التي أهملت بسبب عرض من أعراض الدنيا.
لقد لوحظ وجود شواهد في المجتمع من التربية الخاطئة لتلك الخادمات ولا يخفى أن الخادمة ملازمة للطفل من الصباح حتى المساء وساعات من الليل لأن والدته مشغولة بعملها في الصباح، وستكون متعبة بعد عودتها وستخلد للنوم والراحة بعدها تستعد لتجهيز متطلبات العمل في اليوم التالي والردود على المكالمات الهاتفية المعتادة بين الأسر.
لذا فإن حصيلة الوقت إن وجدت للطفل فهي قليلة، وفي الغالب لا يوجد وقت لدى المرأة العاملة للعناية بالأولاد سواء كانوا صغارا أوكبارا.
ومن هنا نستطيع ان نقول: ان الخادمة أو المربية في المنزل هي أم الطفل تجاوزا في سنواته الأولى فيما قبل دخوله المدرسة. فإن أحسنت إليه وهذا قليل. وإن أساءت إليه فهذا متوقع. ولا ينكر هذا القول: منصف من الآباء والأمهات. وهنا نستطيع القول إن التنشئة المطلوبة شرعا للطفل تمت على يد خادمة. وقد لا تكون مسلمة، وهنا تكون الطامة الكبرى، فما الذي ينتظر من خادمة غيرمسلمة تجاه تنشئة الأبناء فكل إناء بما فيه ينضح.
إن الآباء والأمهات يعلمون هذا علم اليقين ولكنهم لم يأبهوا به ولم يقدروا للتربيةوالتنشئة قدرها. أعماهم وصرفهم حب الدنيا والانشغال بها عن فلذات الأكباد الذين أوصانا ديننا خيرا بتنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم أمور دينهم وعقيدتهم ليخرجوا للحياة شبابا صالحين تربوا على الفضيلة والأخلاق الحميدة يسعد بهم آباؤهم وأمهاتهم في الدنيا والآخرة.
2- حاجة الزوج:
زوج المرأة العاملة مسكين أكله من المطاعم إفطارا وغداء وعشاء. ملابسه تغسل عند الغسال. نومه في الملاحق والاستراحات وكأنه لم يتزوج بعد تحول عمله الى سائق لإيصال الزوجة الى عملها وإعادتها، ولو كان ذلك على حساب عمله والتقصير فيه. وقته واجازاته مرهونان بفراغها. يتعرض للفتن والخلوة المحرمة كلما دخل الى منزله نتيجة لغيابها وخلو المنزل إلا من الخادمة والأطفال.
لقد طاله ما طال أبناءه من التقصير والاهمال نتيجة لانشغال الزوجة وعدم تفرغها.. ومع ذلك كله تحرم بعض العاملات زوجها ولو بشيء بسيط من راتبها حتى ولو كان محتاجا لا يكتسب. ومثل هذه المرأة ضربت مثلا سيئا في التعامل وينطبق عليها المثل القائل:
"أحشفاً وسوء كيلة" لقد أضاعت الأولاد وأتعبتهم بالزوج. ومن هنا تكون الحاجة ملحة الى التقاعد وترك العمل والتفرغ للزوج والأولاد ورعاية مملكة البيت الذي هو أحوج ما يكون لها.
وليس هذا عاما فهناك نساء تركن العمل وما فيه من إغراءات بغية التفرغ لتربية الأولاد وخدمة الزوج ورعاية ا لمنزل، وهؤلاء النساء تعاملن مع الواقع بعقلانية وروية ونظرة ثاقبة للحياة وحاجة الأسرة وأوقفن جهودهن على تربية الأولاد وأصبحن في المنازل كالخيمة أو الشجرة الوارفة الظلال التي تسقي الأولاد والزوج ومن يضمهم المنزل هجير الصيف ووهج الحر، وزمهرير الشتاء وبرده فهن بحق يمثلن النساء المؤمنات اللاتي يردن بعملهن في الدنيا وجه الله والآخرة. وينتظرن الثواب العظيم من الله سبحانه لقاء الصدق في التربية للأولاد. وحسن العشرة والطاعة للأزواج.
3- حاجة المنزل:
المنزل بما فيه يمثل مملكة أو مجتمعا صغيرا يضم الوالدين والزوج والزوجة والأولاد والاخوة والأخوات. وهذا المجتمع هو أساس المجتمع الكبير الوطن الذي يتكون من هذه المجتمعات الصغيرة. لذا فهو أشد ما يكون حاجة الى بنائه والعناية به من الزوج والزوجة. وهو أحوج ما يكون الى امرأة تقيم فيه بصفة دائمة. ترعى شؤونه. وتتولى الاشراف عليه تتفقد متطلباته تستقبل الضيوف والأقارب. وترد على الهاتف، تدير المنزل وتساعد زوجها وأولادها على الاستقرار بعد ان كان صغيرهم في البيت تحت رحمة الخادمة في تربيته ومأكله ومشربه وكبيرهم أشبه بالمسافر الذي يجوب الشوارع يبحث عن الأكل في المطاعم ومحلات الوجبات الخفيفة التي لا تطمئن النفس الى سلامتها ونظافتها. إذ كثيرا ما نسمع عن حالات التسمم التي تحدث نتيجة لهذه الوجبات.
4- في تقاعد المرأة المبكر إتاحة الفرصة لتوظيف أعداد كبيرة من الخريجات وفي مختلف التخصصات نظرا لأن أغلبهن لم ينشغلن بعد بمسؤولية الأولاد والبيت. وبذا تكون اكثر تفرغا لعملها وستكون اجازاتها وانقطاعها عن العمل أقل من سابقتها.
5- مسؤولية المرأة المالية في بيتها قليلة جدا في حالة عمل زوجها أو أبنائها ونادرا ما يكون الزوج غير عامل أو لديها أطفال أيتام، وفي هذه الحالة عمل المرأة أفضل من تفرغها للقيام بحاجة هؤلاء عن الحاجة للآخرين، أما عدا ذلك فإن مسؤولية البيت المالية تقع على الزوج "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم.."
لذا فعمل المرأة هنا نافلة وتفرغها لأولادها وبيتها وزوجها من أول الواجبات وتقاعد المرأة المبكر يوفر لها التوفيق بين الحالتين التفرغ والحصول على جزء مقنع من الراتب.
6- تقاعد المرأة المبكر يفرغها لبيتها وبذا قد تستغني عن الخادمة بالكلية أو تحد من أثرها على المنزل والأولاد. حيث تكون مشرفة على تصرفاتها من قرب، ولهذا أثره على الأولاد وتربيتهم وعلى الزوج واستقراره وعلى جميع حياة الأسرة في المنزل. ونحن نسمع كثيراعن سلبيات الخادمات في المنازل في مجال التربية والسلوك والأخلاقيات والشعوذة وسوء المعاملة للأطفال حيث لا يفهمون ولا رقيب ولا حسيب. ان سلبيات الخادمات كثيرة ولا يخفف منها إلا وجود المرأة في المنزل.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في نظام التقاعد المدني ليتلاءم مع الظروف والمتغيرات التي يعيشها المجتمع. فإن الستين سنة كثيرة وكثيرة كحد أعلى لعمر المتقاعد. وكثرة الخريجين من الجامعات والكليات والمعاهد المتخصصة هي أيضا هاجس مهم يجب النظر إليه بعين الرعاية والعناية وإيجاد الحلول التي توفر لهم مجالات العمل. وتقليل سنوات الخدمة لمن هم على رأس العمل من أهم الحلول. وفي ذلك أيضا ضخ دماء جديدة شابة متشوقة للعمل.
وما ينطبق على الرجل ينطبق أيضا على المرأة العاملة. بل إنها أشد حاجة للتقاعد المبكر من الرجل للظروف والأسباب التي أشرنا الى بعضها في مقدمة الحديث. وان مما يطمئن ويبعث على الارتياح ان تقاعد المرأة قيد الدراسة لدى الجهات المختصة. ولعله يرى النور قريبا. هذه رؤى وأفكار وتصورات عن نظام التقاعد المدني للرجل والمرأة من منظور اجتماعي.. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل
سليمان بن فهد الفايزي
القصيم - بريدة
|
|
|
|
|