| عزيزتـي الجزيرة
"،، ولله الحمد،، بدأنا من حيث انتهى الآخرون،،" فجّرها في نهاية خطابه العصامي، عبارة فيها تنافر وتناقض ومفارقة وتهميش لجهود الآخرين، وتضخيم لأنا فارغة، كل ذلك يحيلها الى نكتة سامجة تتكرر على مسامعنا من أفواه السياسيين وأرباب الأموال والاقتصاد حتى لو افتتح أحدهم مطعما للمأكولات الشعبية فإنه سيفجر هذه )العبارة/ النكتة( في ثنايا خطابه، وتكون أشد مضاضة ومرارة عندما تقال في مجالات تلتصق بحياة الناس ومبادئهم وقيمهم كالتعليم والتربية مثلا،أما وجه التنافر في العبارة فيتجلى في أن لا أحد يبدأ من نهايات الآخرين، فنحن لنا بداياتنا لكي نصل الى نهاية متوافقة مع حياتنا، أما الآخرون الذين وصلوا الى ما انتهوا إليه فهم أصلا مستمرون ولم ينتهوا، فقد بنوا البدايات على حياتهم هم، وما يتوافق مع مبادئهم وقيمهم وتدرجهم وعياً وتربية واستخداماً لأدوات الحياة،
خذ التعليم مثلا، هل نستطيع ان نبدأ من حيث انتهى اليابانيون؟ أم أن ذلك من المستحيل؟!، وسوف أؤكد على فشل هذه العبارة إذا ذكّرت جيلي بتجربة الثانوية "المطورة"، فهناك من أخذ بعثة على حساب وزارة المعارف ورأى التطور والتقدم في التعليم لدى اليابانيين، وجلس يكتب تقريرا في الفندق عن مميزات هذه التجربة وتطورها ومحاسنها،، ونهاية القصة وبداية المأساة يوم خرج علينا مسؤول ليقول: نحن اليوم،،، ويستمر حتى يقول : " ولقد بدأنا من حيث انتهى الآخرون،،" والمفارقة هنا في هذا الهراء تصوير حياة الآخرين بالعبثية وتهميش جهودهم، فكأنهم ما خُلقوا إلا لنأتي ونبدأ من حيث انتهوا!، ولاحظ إنهم "انتهوا"! هي عبارة فضفاضة وبالتأكيد هي غبية لأنها تطمس التدرج المنطقي لأي مجتمع يتطور، وتذيب ذواتنا قبل ان تبرزها على حساب مجهودات الآخرين المستمرة، فالآخرون لم يبدؤوا من نهايات أحد ما، بدؤوا يتعثرون في خطوات أولى ثم صمدوا حتى وصلوا الى التطور والتقدم اللذين تقتضيهما حياتهم الراهنة،
أعود لتجربة الثانوية "المطورة" التي أثبتت فشلا ذريعا في المملكة لعدة أسباب منها: "الوعي" لدى الطلاب، ففي اليابان وصل الطالب الى مرحلة يبحث فيها عن العلم من أجل العلم، أما في مجتمعنا فلا أحد يختلف على ان الناس جميعهم يرسخون لدى الطالب الاعتقاد بمفهوم ان التعليم للشهادة، فهو وسيلة وليس غاية أو هدفا، والطالب لا يلام، لأن المسألة لها أبعاد تتصل بمقدار وعي المجتمع بأكمله ونظرته للعلم ودوره في الحياة، والعمل ومكانته الرفيعة في تحقيق الذات الفردية والاجتماعية، والوعي امر يتصل بالتربية لا يمكن ان يتقدم بهذه الميكانيكية مثل أمور التقنية التي يسهل اقتناؤها، لذا لا يمكننا القول إننا وصلنا الى الوعي من حيث انتهى الآخرون،
الأمر الآخر في فشل الثانوية المطورة هو عدم تحديث المدارس فالنظام طُوِّر أما أدواته فما زالت كما هي، المبنى لم يتغير ما زالت الحيطان الأسمنتية والطاولات ولا شيء آخر غيرهما، فلم تستحدث مع النظام الجديد ملاعب رياضية ولا ورش عمل وأنشطة مختلفة وتجهيزات ومختبرات تحتضن الفراغ في نظام الساعات، وتحتضن الساعات الاختيارية التي يأخذها الطالب بحسب ميوله في ذلك النظام، ثم اننا نعود الى دائرة مفرغة فحتى لو استحدثت هذه التجهيزات والتقنيات الهائلة وصرف عليها الآلاف لتواكب النظام المطور فإن الوعي بأهمية الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات لم يطور، وبالتالي ستكون هذه التجهيزات عرضة للعبث والتكسير والتخريب لأن استحداث الأجهزة شيء وأن تصل بالطالب لمرحلة يعشق فيها العلم للعلم لا للشهادة شيء آخر، وهذه إحدى الفجوات بين طالب العلم الياباني، وطالب الشهادة في المملكة،إذاً لا مجال لأن نقول إننا بدأنا من حيث انتهى الآخرون فهي عبارة تدل على عجز عن البداية الصحيحة للوصول الى النهاية أو الاستمرار السليم،وما أؤكد عليه ان الأمور التي تتصل بالتعامل مع المجتمع وتطوره لا يمكن ان نبدأ فيها مما انتهى إليه الآخرون، لأن العقول لم تصل بعد الى المرحلة التي يعيشها الآخرون الآن، يمكن ان نتحدث عن ذلك في مستشفى جلبت له آخر التقنيات والأجهزة والمعدات، ولابد بالطبع ان تجلب معها العقول فتكون العبارة بصورة أصدق : "استوردنا ما وصل إليه الآخرون لنبدأ منه" فنحن نحاكي ونقلد،وفي الثانوية المطورة تكون العبارة : "جلبنا أفكاراً اهتدى إليها الآخرون بالتدرج، ففشلنا لأننا نختلف عنهم عقلاً وإ دراكاً ووعياً وقدرة على استخدام الأدوات التي توصل إليها الآخر،،" فلو أطلقنا على الأشياء أسماءها الحقيقية من غير تلميع وزخرفة ولعب بالألفاظ لقلنا إننا نقلد الآخرين وليس في ذلك شيء إذا أخذنا في الحسبان علاج هذه الأفكار لتتوافق مع ما وصلنا إليه وما يناسبنا في الوعي والإدراك والتطور الاجتماعي الخاص بنا نحن،
عبدالعزيز يوسف المزيني
الرياض
|
|
|
|
|