| مقـالات
الهدف الأعلى الذي يسعى اليه الانسان هو الذي يحدد ابعاد شخصيته ويرسم حدود طموحه، ويدفعه الى السلوك الذي يتناسب مع هدفه الأعلى، ويرسم ملامح شخصيته التي يعرفه الناس بها.
واذا كانت الأهداف العليا للناس متعلقة بالسموّ والطموح الى الموقع ا لأفضل، والخلق الأجمل، والمقام الأكمل، كان سلوكهم منسجما مع ذلك، وطموحهم موافقا له. وهمهم منبثقا منه، وهنا تفاضل الناس، والمجتمعات والأمم.
عندما تركب ا لطائرة الى أي مكان في العالم فانك مع كل راكب في الطائرة، تسمّى مسافراً، وللمسافر هدف من سفره، وبهذا الهدف يختلف المسافرون عن بعضهم، اختلافاً كبيراً جدا من أقصى اليمين الى أقصى الشمال، ولو تسنّى لك في رحلتك ان تتجاذب اطراف الحديث مع جارك عن الغاية من سفره فلربما وجدت ان بينك وبينه بُعد المشرقين بالرغم من تلاصق المقعدين.
وقس على ذلك كل المواقع التي يجتمع فيها الناس.
عندما قال الشاعر قديما:
صلّى المصلّي لأمرٍ كان يقصده
لمّا انتهى منه لا صلّى ولا صاما |
فانه يتحدث عن جانب الهدف الذي قصد اليه ذلك المصلي، وهذا حق واضح، فأنت تقف مع المصلين في صف واحد، وراء امام واحد، تؤدون فريضة واحدة بأذكار وأدعية واحدة، وقد وقفتم جميعاً تحاذون بين المناكب والأقدام، ومع ذلك فان الفرق بين المصلي وجاره قد يكون ابعد ما بين المشرق والمغرب.
نحن والأهداف السامية:
حينما تسأل طالبا مسلماً في المرحلة الثانوية من الطلاب البارزين ما هدفك في الحياة؟ فانك ستسمع الاجابة غالباً هكذا: هدفي النجاح بتفوق لأحصل على تقدير ممتاز لأتمكن من الدخول في الجامعة في التخصص الذي أريد لأضمن عملا في المستقبل حينما أتزوج وأكوّن اسرة، وبهذا احقق ما اصبو إليه من الاستقرار وضمان المستقبل.
نعم بهذه الاجابة مع اختلاف الأساليب سيبادرك معظم الطلاب البارزين، وهم بهذا يحددون الهدف الأعلى الذي يطمحون اليه.
والسؤال المطروح هنا: هل هذه اجابة صحيحة، وهل يعدّ الهدف الذي تضمنته هذه الاجابة هدفا أسمى ؟؟
ونقول : الاجابة في حد ذاتها صحيحة ولا ضير أبدا ان يسعى الانسان الى هدف من هذا القبيل، ولكن المشكلة هي ان يصبح هذا الهدف هو الهدف الأعلى والأسمى للانسان المسلم.
هنا تكمن مشكلة أمتنا المسلمة في هذا العصر.
اذا أدركنا ان الاجابة السابقة التي نسمعها من الشباب تكون مباشرة وتلقائية دون تكلف ولا تصنّع ولا توقّف علمنا انها تشكل هدفه الأعلى وهنا مكمن الخطأ.
ربما يعبّر لك هذا الطالب الذي وجهّت اليه السؤال عن الهدف الأسمى من حياة المسلم في الدنيا وهو عبادة الله والدعوة اليه والنظر الى الآخرة، ولكن بعد ان توجهّه اليه وتذكّره به ومعنى ذلك ان هذا الهدف الأهم تراجع في نفسه وذهنه ليصبح بعد الأهداف الدنيوية الأخرى التي من حقّها ان تكون متأخرة الموقع في ذهن الانسان المسلم دون اهمال لها ولكن من خلال القاعدة القرآنية.. " ولا تنس نصيبك من الدنيا"
هنا خطأ تربوي جسيم يُرتكب في المجتمع المسلم المعاصر دون ان نفطن اليه، وهو الذي يهبط بمستوى التفكير والسلوك عند الشريحة الكبرى من أبنا ء المسلمين.
كم من أب وأم مسلمين يودّعان ابناءهما حين سفرهم الى الخارج بكل نصيحة تنفعهم في المحافظة على حياته وأموالهم وممتلكاتهم وينسون ان ينصحوهم حينها بتقوى الله والخوف منه، والحرص على اداء الفرائض وقراءة القرآن، والعمل على دعوة غير المسلمين الى الاسلام بما يستطيع!!؟
ان لدينا غفلة كبيرة عن بناء انفسنا وانفس ابنائنا على الهدف الأسمى من الحياة الدنيا ألا وهو ) عبادة الله حق العبادة والدعوة لذلك ( ان الاهداف الدنيا تسرقنا من انفسنا وتحرق اوقاتنا ونحن لا نشعر.
وقفة خاصة:
نزل سالم بن عبد الله بن عمر الى السوق فزاحمه رجل في طريق ضيّق حتى آذاه، فقال له سالم: على رسلك يا هذا فقد آذيتني وزاحمتني.
فقال له الرجل: اسكت يا سفيه، فنظر اليه سالم بن عبد الله، وقال: ما احسبك ابتعدت عن الحقيقة، فمن شغل عن الآخرة بالدنيا لم يبعد ان يكون سفيها.
المظلّة .. وحُمُر النَّعَم:
شاب سعودي يدرس في امريكا، شأنه شأن غيره من الطلاب الحريصين على مواصلة الدراسة والنجاح، لم يكن يلتفت كثيرا الى دعوة أحد الى الاسلام، لا لانه لا يريد ذلك، ولكن لأنه لم يشعر انه مسؤول عن ذلك، ان هذه الفكرة خارجة عن اطار البرمجة الموجودة في ذهنه، فهو في امريكا ليدرس وينجح ويعود الى وطنه بشهادته ليأخذ مكانه في وظيفته، أما ان يضع في ذهنه ان يدعو أحدا الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة فلا.
جاء هذا الشاب في يوم مطير الى الجامعة ومعه مظلّته التي يتقي بها زخّات المطر، كل ما في ذهنه ان يدرك المحاضرة وحينما همّ بالدخول رأى امرأة متحيّرة كيف تخرج في هذا الجو الماطر وليس معها مظلّة، فقدّم اليها مظلّته دون اي هدف وانطلق الى الداخل ومضت أيام لم يكن يعلم الشاب ان المظلّة التي قدمها الى المرأة وهو لا يفكر في استعادتها لعدم أهميتها عنده ، ستكون سببا في ان تسوق اليه ما هو أغلى من حُمْر النَّعَم، حيث اهتمت المرأة بمعرفة الفتى من خلال الجامعة، واستطاعت الوصول اليه بعد ايام وقد عرفت انه مسلم وسألته عن السبب في تنازله عن مظلّته بهذه السهولة، وربما لمعت في ذهنه فكرة الأجر والرغبة فيه من منطلق تعاليم الاسلام، فشرح لها ذلك وان دينه الاسلام يأمره بالتعاون مع الناس، وأن في كل كبدٍ رطبة صدقة.
كان يقول ما يقول بتلقائية وعفوية وهو لا يشعر انه يلقي على مسامعها كلاماً عظيماً يحلّق بها في السماء، وهي التي تعيش في أوحال حياة الغرب.
انتهى الأمر بانضمام تلك المرأة الى جماعة المسلمين.. وردّد الفتى في نفسه الحديث الذي تذكّره مباشرة "لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حُمر النعم".وكانت المظلّة الرخيصة أغلى من حُمر النعم.
صحف الجيران:
شاب سعودي يدرس في امريكا غاب جاره الامريكي في سفر فرأى الشاب ان الصحف تتراكم امام باب منزله لأنه مشترك في عدد من الصحف فخطر بباله ان يأخذها ويجمعها له حتى يعود. وكان ذلك، فلما عاد جاره، طرق عليه الباب وناوله مجموعة الصحف، وسأله الرجل: لماذا فعلت ذلك؟ فأخبره ان دينه الاسلام يأمره برعاية الجار وحفظ حقوقه وانه خشي ان تتجمع الصحف امام منزله فتلفت نظر بعض اللصوص فيسطو على المنزل، ثم انه حفظها له من التلف ودار الحوار بينهما وكانت النتيجة اسلام الرجل.
ما أثمنها من صفقة رابحة.
ألا يستحق الأمر ان نعيد النظر في تحديد الأهداف السامية التي يسعى اليها المسلم، وان نرتبها ترتيبا صحيحاً؟.
حتى يكون شبابنا سفراء خير الى العالم، بدلا من ان يكونوا نموذجا يسيء الينا بما يعيشه من التخبّط والضياع؟.
|
|
|
|
|