|
| مقـالات
تلازمت الكتابة والوزارة في تاريخنا الإسلامي تلازماً ملحوظاً، منذ العصر العباسي إلى العصور المتأخرة، فقد برز الكتاب في آخر العصر الأموي، واول العصر العباسي، في أثواب الطبقة المحترمة من أمثال عبدالحميد الكاتب، الذي تشير المصادر الادبية الى ان الكتابة المتكاملة وجدت على يديه ومن امثال ابن المقفع الذي طوع النثر لما يريد وترجم الكتب الفارسية إلى العربية، والجاحظ، عبقري الكتابة العربية وباسط عبارتها إلى ما لا نهاية، فقد فتح طريق الاطناب ومعالجة الفكرة باسلوب قابل للتمديد، وابو حيان التوحيدي مطوع العربية لبسط افكاره. هؤلاء الكتاب فتحوا آفاقاً جديدة لمن يرغب في طرق ابواب الخلفاء والوزراء والولاة عن طريق الخدمة الشريفة فقد كونوا طبقة ينظر اليها بعين الاحترام والتقدير لما تسدي الى المجتمع من نفع ولما تقدم من خدمة شريفة للخلفاء ومن دونهم من ولاة الاقاليم والقضاة وكبار رجال الدولة.
لقد اصبحت الكتابة سمة الشرف والرقي في سلم جديد لم يعهده العرب الذين مازالوا ينظرون الى الشرف في سلمه المعهود عندهم، من التقدم في المعارك والفروسية والكرم والحلم، وقد اتجه الى هذا السلم الجديد الكثير ممن ينتمون الى اصول فارسية، كما اتجه اليه قليل من العرب لان العرب مازالوا ينظرون الى الشعر والخطابة نظرة السمو، ولكن تلك النظرة لم تدم اكثر من قرن، فقد دلف إلى هذا الباب الجديد العربي وغير العربي، حتى إن الكتابة في الاندلس اصبحت عربية خالصة والكتابة في المشرق اقرب ما تكون الى الاصول العربية. وقد تسابق القادرون الى تعليم ابنائهم واعدادهم منذ طفولتهم وصباهم ليتبوءوا منزلة سامية عند كبرم، لان تنظيم الدولة يستدعي رجالاً قادرين على الكتابة عندما تناط بهم اعمال جليلة مثل الوزارة، فالكتابة اصبحت من مستلزمات الوزير، ومن اولئك الذين اعدوا ابناءهم خالد بن برمك، الذي علم ابنه يحيى اصول الكتابة حتى حظي يحيى البرمكي بمنزلة عالية عند المهدي، فقد علم الرشيد في صباه، وعندما آلت الخلافة إلى الرشيد اصبح يحيى وزيراً له، ومدبراً لشؤون الدولة، وقد جمع يحيى بين الوزارة والكتابة، واعد ابناءه للوزارة عن طريق تعلم الكتابة، فهو الذي يقول لأبنائه: اكتبوا احسن ماتسمعون، واحفظوا احسن ما تكتبون، وتحدثوا باحسن ما تحفظون، ولذلك برع ابنه جعفر في الكتابة مما اتاح له تولي الوزارة للرشيد بعد ابيه يحيى، وقد علا نجم جعفر البرمكي، واصبح الكتاب يحفظون توقيعاته، لما تشتمل عليه من الايجاز والجزالة واحتواء المعاني المفيدة. وسهل بن هارون حظي بمكانة عند الرشيد ثم اصبح وزيراً للمأمون، وقد الف كثيراً من الرسائل والكتب، والكتابة هي التي مهدت له الطريق الى تولي الوزارة، ومما يدل على اتقانه للكتابة شهادة الجاحظ له، واعجابه به. وعندما آلت امور الدولة الى آل بويه، حرصوا على ا ختيار وزرائهم من الكتاب، فأحمد بن بويه معز الدولة اختار المهلبي وهو من ولد المهلب بن ابي صفرة وزيراً له لما عرف عنه من التقدم في الكتابة، وكان الخليفة في بغداد المطيع العباسي، كما اختار مؤيد الدولة ابن بويه الصاحب بن عباد خادم اللغة العربية بمؤلفاته الكثيرة التي من ابرزها المحيط بأجزائه السبعة، وقد اصبح الصاحب بن عباد وزيراً لفخر الدولة بعد مؤيد الدولة. وقد جمع ابن العميد بين الوزارة ولكتابة باقتدار، فقد كان وزيراً لركن الدولة البويهي الا ان كتابته كونت له المنزلة العالية حتى انه لقب بالجاحظ الثاني، وقال فيه الثعالبي: بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد، وقد مدحه المتنبي، وتلك مزية له لم يحظ بها غيره من الكتاب.
وفي زمن صلاح الدين الايوبي برز القاضي الفاضل بنمط جديد في الكتابة يخالف طريقة الجاحظ وابي حيان التوحيدي، فاشتهر بذلك بين الكتاب،
ولذلك اختاره صلاح الدين الايوبي وزيراً له، وقد قال فيه صلاح الدين: لا تظنوا اني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل.
وممن جمع بين الوزارة والكتابة في الاندلس لسان الدين بن الخطيب،
فقد كان وزيراً لابي الحجاج يوسف بن اسماعيل سلطان غرناطة ومؤلفات لسان الدين تحتل رفوف المكتبات. وفي عصرنا هذا جمع طه حسين بين الوزارة والكتابة باقتدار.
في 23/12/1421ه
|
|
|
|
|
