| مقـالات
تحررت الكثير من المفاهيم في عصرنا وسمت في سبيل رقي الانسان وازدهار حضارته فهو بدونها لا يستطيع ان يتقدم او تزدهر حضارته ومدنيته وثقافته وجاءت كلها في سبيل القضاء على كل المعوقات والعوامل التي تحول دون بلوغ حضارته اوجها وتفيئ ظلال معطياتها في مختلف المجالات واهم تلك المعوقات هي الثالوث النكد: الجهل والفقر والمرض الذي ما حل بمجتمع او بيئة الا حولها يبابا خرابا والشواهد في عالمنا المعاصر كثيرة وتكاد لا تخلو منها قارة ولهذا رفعت كثير من المجتمعات الغنية مفاهيم مجانية التعليم والصحة ومنيت المجتمعات الفقيرة بها كثيرا وطبقتها الأولى بنجاح الى حد ان وفرت التعليم المجاني حتى نهاية التعليم العام وجعلته ملزما حتى لا ترتد مجتمعاتها الى الأمية وتحرم التعليم ووفرت العلاج الى درجة جعلت لكل اسرة طبيباً تراجعه كلما اقتضت حالتها وغير ذلك هيأت لها من المستشفيات الراقية مما جعل الكثير يشد الرحال اليها من وراء البحار وهيأت في سبيل رفاه مجتمعاتها ورغد عيشها انها اعطت اعلى المرتبات في قطاعاتها العامة والخاصة وسنت اعانة للمواليد والعاطلين وما تحجبت بكثرة اولئك او المساعدة على البطالة اما مجتمعنا فانه حاول الأخذ بهذه المفاهيم وتطبيقها بنجاح في اكثر من خطة في خططه التنموية الا انه في الآونة الأخيرة بدأ تطبيقها يتراضى ولا سيما مفاهيم مجانية التعليم والصحة فأصبح التعليم الأهلي ينافس التعليم العام في حجمه ومراحله واصبحت مؤسساته ومدارسه تقوم بجوار مدارس التعليم العام بنين وبنات وتتفوق عليها نوعا ووسائل حتى أخذت الأخيرة تشكو لها عوادي الزمن في هذا المجال.
ان انتشار مدارس التعليم العام هو ادانة واضحة لمفهوم مجانية التعليم وهو مطلب حياتي وعجز للجهات المشرفة عليه في الوفاء بحاجة المجتمع منه واستيعاب وتعليم الأعداد الناشئة من ابنائه وتقصير عن مواكبة الرقي المطرد في اهدافه ووسائل ذلك ان التوسع الأفقي والتقدم النوعي في ميدانه عمليتان متوازيتان ومتكاملتان وهما التحدي الذي بدا واضحا يواجهه جهاتنا التعليمية والمعادلة الصعبة التي تواجه خططها.
أما مفهوم مجانية العلاج فحدث ولا حرج والأمر في تراجع واضح جدا حتى غدت الصيدليات التجارية تنافس البقالات وقاربت المستوصفات والمستشفيات الأهلية عدد المدارس وما بين مترف منها نافس فنادق الخمسة نجوم وآخر تدنى عن المستشفيات العامة عانى المواطن منه ما عانى فهذا الانتشار وهذا الاستهلاك من الدواء مؤشر على أمرين خطيرين اولهما ان تردي الأوضاع الصحية ساعد في ايجاد سوق رائجة للمستوصفات والصيدليات وثانيهما تواري العلاج المجاني وتردي مستواه فطب الأسرة ووعي المجتمع يأتي في آخر اهتمام الجهات الراعية والمراكز الطبية المرموقة لا تقوم الا في مدينتين او ثلاث ولا يصل اليهما المراجع العادي الا بشق الانفس، والمواعيد في المراكز الطبية المتوسطة تصل الى شهور وكثرة المراجعين لها أكثر من طاقتها بمراحل والعلاج والخدمة ومستواهما ضعيف وقد لا يوجد الدواء.
والحقيقة الماثلة هي ان ليس كل الناس يستطيع تحمل تكاليف العلاج التجاري او حتى تحمل التأمين الصحي الوشيك مما يحتم تفعيل مبدأ مجانية العلاج وتحمل اعبائه في مجتمع يعد بسكان مدينة في المجتمعات الكبرى وكان حتى عهد قريب ينعم بهذه الرعاية ويرفل بظلالها.
ومن معطيات تلك الحقيقة انه لا يستطيع ان يقول قائل بان انتشار المستشفيات والمستوصفات التجارية هو علامة صحة سواء من حيث ماهية الصحة وعلاقتها بالأمراض ام من حيث قيام الجهات الراعية برسالتها ودورها المطلوب وتحقيق ما يبتغيه منها المجتمع.
|
|
|
|
|