| عزيزتـي الجزيرة
ماسر اكتمال الدائرة عند الخطوة الثالثة؟ فالاتصال تكتمل دورته عند الخطوة الثالثة: الاولى عند بداية الرسالة من المرسل، والثانية وصولها للمستقبل، ولا يكتمل الاتصال مالم يُستقبل رجع الصدى او نتيجة الرسالة، وهذا ينطبق على جميع اشكال الاتصال في التخاطب..الهاتف..الخ.في الموضة: تأتي تقليعة معينة ثم تتطور وتعود مرة اخرى متخذة شكلها الاول، فمثلاً طول وقصر القلاب او )الياقة( في الملابس الرجالية قصيرة طويلة ثم تعود قصيرة. الكعب في الحذاء كان طويلاً في السبعينات ثم اختفى وعاد الآن. قصات الشعر كذلك تأخذ دورتها الثلاثية مع بعض الاضافات البسيطة.
رتم الاغاني كان بطيئاً ثم اسرع وسيعود بطيئاً غير انها مسألة وقت، وليس فشلاً في النظرية، ويمكن التأكد من ذلك خلال عشرالسنوات القادمة.امور كثيرة يكون للدوران والالتفاف بشكل ثلاثي نصيب فيها غير ان ما فشلت في التوصل اليه هو المدة الزمنية بين كل فترة واخرى لابد ان لها قانوناً لم اعثر عليه وهذا خلل في النظرية.ما رأيك عزيزي القارئ لو اقتحمنا في هذه النظرية ان اقتنعت بها تفاعل الانسان مع الطبيعة وعلاقاته مع البيئة المحيطة به، مع نفسه، ومع مكونات الارض من شجر وتراب وشمس وقمر ونجوم..وضوء وظلام..وليل ونهار..وحب واحلام. وسننطلق من نظرة واقعية منذ عام 1899م وصولاً الى وقتنا الحاضر ولتكن السنة 1999م، ثم التصورات للعام 2099م وفقاً لهذه النظرية الاستقرائية واتمنى لكم عمراً مديداً على متن الواقع والخيال في رحلة طولها مئة سنة، وعند محطة الوصول لن تحاسبوا قبطان الرحلة على فشل النظرية لاحتمالات عدة من بينها النسيان او وفاة صاحبها او الرأفة لفشل النظرية فشلاً ذريعاً.اما في عام 1899 نقطة انطلاق الرحلة فقد كان الواقع يقول ان الطبيعة افضل بمراحل مما هي عليه الآن، فالارض جميعها كانت تشبه خميلة وافرة الظلال متدثرة بالدفء والسكينة، يمر الوقت هادئاً كأن الهمس يبحر في ساعاته الممتدة، فلا تأبه لدقات الثواني، اما نسيم الليل فكان بالفعل نسيماً حقيقياً يحمل روائح الحقل الندية، والهواء الطلق تكاد تلامس فيه نعومة الازهار وعليلاً من الخضرة النضرة لا تراها بعينك وانما تمتزج بحواسك. ان الارض تبدو في ذلك الوقت اكثر تحديقاً بالنجوم فتتسع حدقاتها امام فضاء وامض بضوء لطيف فتمتد ترانيم الضوء الخافت خلف سراديب الظلام ليجد العاشقان احلاماً بعيدة وليلاً ساهراً تتراقص في فضاءاته الامنيات، اما آلام الحب فهي لحظات متهدجة بين اللهفة واللقاء.وفي تلك السنوات كان هناك فنان يرسم لوحة امام البحيرات الصافية في مكان تمر الناس من حوله فيسلب عقولهم ما ظهر من خطوط رومانسية، وتشدهم الوانها المتفائلة الهادئة، اما هو فقد احتفى بلوحته وبدت تظهر ملامح فتاة شعرها سابح في هواء، رقيق يهوي الى ابعد نقطة في الزاوية العليا من اللوحة، وتزداد الخطوط وضوحاً في منتصف اللوحة عندما يُبرز سوادُ شعرها الكثيف خطوطاً بدت ترسم وجنتين بارزتين لوجهها الوضيء المبتسم، وامام صدرها فضاء متسع تتداخل فيه الوان صافية تشبه الماء وقد اذابت ريشته معنى الزرقة في بياض يهرب رأسياً ليتداخل مع خلفية بعيدة لشجرة خريفية ذابلة وورقتين تمر احداهما بالخاصرة..تزداد امامك المعاني كلما زدتها تأملاً، لا تدري ما المعنى من مفارقة امتزاج ذبول الشجرة واوراقها المتساقطة مع حسن الابتسامة الدائمة والنظرة الغارقة..وتأوهات اخرى لا تُقرأ بالعين ولا يمكن التعبير عنها..وسترى التوقيع بخط صغير1899م.وهانحن في العام 1999م وهذا الانسان قلق متنافر يصارع ما حوله لا يرى الشجر والاوراق النضرة فيكره نفسه، لا نجوم حوله فهو يحدق بأنوار مبهرة صنعها ولم يستطع الخلاص، يمر الأذى من عينيه فيقشعر جسده، والارض كلها تهتز تحته كأنها آلة، دويها ازيز الطائرات والسيارات التي تلاحق الشوارع المنتنة بروائح تنفذ الى روحه فتتأذى، يحث الخطى الى منزله يغلق الباب فلا تتركه الضوضاء، واصوات الازدحام ونسيم عوادم كل شيء صنعه..تئن الساعة في الدقيقة الف مرة، وخطى الثواني سريعة متدثرة بالخوف، تتعالى دقاتها كأنها تزحف نحو مؤقت لقنبلة ستنفجر في اي لحظة، يتردد نبض قلبه المتسارع مع دقاتها..ويخلد للنوم من غير معنى..لتقوم وترى الشمس وهي ما تبقّى من الطبيعة تشرق من أفق سديم الكربون والغازات المميتة، تضع نظارتك الشمسية وتتجه الى العمل، انك ترس صغير في آلة كبيرة اسمها الارض.اما الفنانون فيقبعون في المتاحف لامارّة يأبهون لما سيظهر من مشهد مفزع، فالرسالم كالمجنون شعر متطاير تتجاوزه وامضات التصوير في حفل فني يقف بجانب لوحة ألوانها فاقعة وخطوطها فوضوية تعبر عن حالة مرضية، عند التركيز في قراءتها سترى عجوزاً يلتحف الظلام تهرب ملامحه باتجاه تصدعات ارض يباب تشققت جفافاً ثم تعود الخطوط لأقدام العجوز في اسفل اللوحة اما اعلاها فتتكاثف الوان رمادية تتلاحم مع ما يشبه الدخان يفصل الوسط لون التشققات ثم الوان خضراء وما يشبه الازهار صفراء وحمراء وعروق تشبه الاشجار تداخلت مع رأس العجوز المقلوب في اسفل اللوحة، واللوحة بأكملها تشبه قطعة سديم ملتف ليس له بداية او نهاية لوحة عبثية، تبدأ من الزوايا نحو الوسط خطوط مستقيمة تكوّن البؤرة تحاكي رسومات الحاسب الآلي، وقد وُقعت 1999م.وبناء على نظرية الالتفاف الثلاثي فمن المفترض ان يعود العام 2099 الى الطبيعة مرة اخرى، والهدوء والليل والنسمات العليلة ويزرع الانسان الحقل ويرسم الاطفال الابتسامة ايام الحصاد، ويرون اضواء النجوم الخافتة في خمائل ندية تبعث الحياة في الشمس من جديد..اما الفنانون فيعيدون تشكيل لوحاتهم يفكون طلاسم التداخلات العبثية للخطوط، ويفضون تنافر الالوان الفاقعة..فيرسمون من جديد ابجدية الطبيعة..والابتسامة الدافئة للفتاة الطبيعة.المصيبة إن فشلت النظرية وضاع الحلم وازداد الانسان قلقاً فجاذب ما حوله من طبيعة نحو القلق والاضطراب واستمر في هدم ملامح الارض وطبيعتها التي خلقها الله بها، عندها ستستمر دوامة فناء الطبيعة والانسان فتصبح الأرض صراخاً والماً. هناك لن اندم على كساد النظرية وحسب، وانما سأتمنى لي ولكم مكاناً آخر غير الارض. او الفناء فيما نحن فيه قبل ان تستمر الدوامة.. وبعد هل تتمنون نجاح النظرية ام فشلها، آمنا بربنا الحي الذي لا يموت.
عبدالعزيز يوسف المزيني الرياض
|
|
|
|
|