| فنون مسرحية
* الدمام :أثير السادة:
هذا التعدد في مهرجانات المسرح السعودية يبدو مموها في تجلياته على نحو يحمل على الاعتقاد أن المسرح يستقبل عهدا مشرقا يتعزز فيه الإيمان بإمكان توجيه المزاج العام إلى جماليات الصورة الطازجة أو استحداث مرونة ذوقية تستيقظ على ايقاع جدليات العرض المسرحي حيث تنشط الحالة المسرحية وتمتد التجربة إلى حدود أبعد صوب اتجاهات كانت أقل ارتباطا بالشأن الإبداعي لتلقى فيها الفسحة الأدائية بعض الجاذبية رغم اشتباكها مع المعطى التلفزيوني في إطار التزاحم علي مساحة التأثير.
قدمت هذه المهرجانات مناخا نادراً للتعرف على شباب المسرح السعودي ومهدت لظروف التواصل بين عطاءات متناثرة تختلف في هواجسها وبواعث انطلاقتها بيد أنها افتقدت في الغالب لحيوية الحالة الاحتفالية وآليات تفعيل التواصل في واحدة من نوافذ تطوير روح الإبداع في ساحة اللعب المسرحي كما تتبدى على الدوام كمشاريع من دون رؤية واضحة معلنة تحدد اتجاهاتها المستقبلية وهي الحقيقة التي تدحض مسوغات التفاؤل وتجعل من الركون إلى ذلك الاعتقاد ضربا من التسطيح والتبسيط الفج الذي لا يطاول المسرح في اشتراطاته التاريخية وموجبات وجوده.
لم تنشغل هذه المهرجانات بالمسرح بوصفه فعلا جماليا بقدر انحيازها لتأكيد حضوره مكانيا كمادة إبداعية والإيحاء بدخوله في دائرة الهم الثقافي وهو ما يراد به تجاوز هذا الفراغ والتحدي في جانب الفنون الأدائية المنتسبة إبداعياً إلى الجسد باعتباره وسيطاً تعبيريا الأمر الذي يشي بوجود مسافة ثقافية بين هذا المصوغ الفني وذاكرة المجتمع.
إنها ذات الذاكرة الشرعية التي تحدث عنها عبدالرحمن بن زيدان ذات مرة وقال بأنها تسيطر على النص المسرحي عربياً وتحيله صوراً بلاغية وشعرية ذاكرة لاتعين في نسج بناء بصري معادل قوامه شعرية الجسد بل تميل إلى تقديم أنماط وتركيبات مسرحية شفاهية تتوسل في بنائها بمعايير تبعد عن المسرح كقيمة على نحو يصبح نموها خطراً على الجوهري من المسرح.
والواقع انه ليس بالإمكان تحييد الضواغط المادية والاجتماعية والثقافية في موضوع المسرح فمازال المسرح تحت خط الحد الأدنى المتعارف عليه من البنية التحتية للعمل المسرحي ويقوم فيه الجهد المسرحي على عفوية التلاقي الجماعي في حدود يرسمها الجهاز الرسمي دون ان ينمو ويتكثف بتأثيرات التمدد الثقافي ومساحة التنوع الإبداعي.
ففي حين أفرزت تبدلات المشهد الثقافي وصدمات التحديث حساسية ثقافية جديدة عرضت من هامش التعاطي الثقافي والإنساني مع المواد الإبداعية لم يتمكن المسرح من صنع خياراته الخاصة أو تصعيد الوعي الفني الذي خضع لظروف مشابهة لتلك التي عرفتها البنية الثقافية بعمومها ظل يترنح بين مسعى البحث عن مشروعيته والبحث عن مشروعه علي مدى عقود ثلاثة كانت العروض فيها لاتكف عن أن تكون صورة مكرورة لتلك العلاقة المعقدة بين المسرح كممارسة إبداعية وبين مقاصد الذوات المنتجة لها.
ثمة التماعات فنية هنا وهناك مدفوعة بشهية الاختلاف لكنها كتجارب لم تتخذ البحث عن رؤية مسرحية صارمة تسهم في تكريس علاقة جمالية بين مفردات العرض أكثر إخلاصاً للشروط المسرحية صفة لها وإنما بقيت على استثنائيتها أعمالا فنية تعكس قراءة برانية للصيحات المسرحية الأحدث تمليها رغبة التشاكل مع الآخر فيما تسقط كمشاريع عند هشاشة الفهم المسرحي وقصور الكفاءة المسرحية.
ما ينتجه هذا الكم من المعروض مسرحيا هو عدد من الأسئلة المشروعة والابتدائية عن فاعليتها في تحقيق نمو حقيقي للابداع المسرحي في مساحة جدباء معرفيا وماديا وعن ما يمثله الفعل المسرحي في أذهان النخبة المسرحية وهو الفهم الذي يلقي بظلاله على الاتجاه الجمالي للعرض المسرحي عما إذا كان مجرد فعل امتاعي فقط أم ثقافي أم وعظي اجتماعي أو غير ذلك.
كثيرا ما ارتبط المسرح بدوافع لافنية وكان في أحيان كثيرة مجرد إملاءات لخطاب النزوات الشخصية أو أداة لخطاب الوعظ الاجتماعي تعمل على ادماج هذا الزخم من الأفكار الكلية المشبعة بروح خطابية في عمل فرجوي لتعيد المادة اليومية إنتاج نفسها لكن ليس علي نحو جمالي بالضرورة لذلك تبدو الممارسة المسرحية في أكثر مآزقها حرجا محليا أنها لا تنطلق من أفق معرفي أو سؤال ثقافي بقدر انبعاثها من دوائر تتقاطع فيها التباسات المشهد الاجتماعي والثقافي وتمارس فيها المؤسسة الرسمية دور المحافظ على إمكان بقائها فقط دون البحث الأصيل عن شروط النماء الحقيقي لظاهرة إنسانية وجمالية كالمسرح.
انتجت الرعاية الرسمية أشد الاتجاهات المسرحية التباسا تلك التي جعلت من المسرح عنصرا تكميليا للحالة الاحتفالية تابعا لاشتراطات الحدث وترتيبات المناسبة زمانا ومكانا له أن يراوح في دائرة الميزانية المحدودة التي أن حضرت يصبح السعي صوب صرف الميزانية المرصودة عوضا عن صرف الجهد الإبداعي.
وحدها الجامعات تملك ظروفها الخاصة لامتيازها بالانفتاح والبحث ولعل هذا مايدعو للاحتفاء بمجهودات أخذت توقظ إحساسا فنيا مغايرا وتجعل من شأن الاستفزاز الجمالي أمراً ممكناً في عروضنا المحلية.
إنه ميل معلن للاستفادة من هذه الظروف والخروج بنماذج مملوءة بحس المغامرة لتتصل بفضاءات أخرى محلية وعربية على نحو تكسر فيه حواجز الاغتراب المسرحي ويصبح معه الإحساس بحرارة العرض المسرحي نتاجا للاستمتاع البصري.
وقد يتعذر استمرار التجربة لاتصالها بحلقات طلابية تنقطع عن الشأن الجامعي بمجرد اكتسابها للشهادة الأكاديمية وارتهانها إلى مزاج اداري بيروقراطي متبدل وبالتالي تظل مسألة ديمومة هذه التجربة مرهونة فقط بإيجاد رباط تنظيمي واضح وملزم بين الجامعة والمسرح وبادراج المعارف والتخصصات المسرحية أكاديميا من أجل إعداد منهجي يجعل من الحلم بانتاج عروض بمعايير مسرحية وبنى درامية متماسكة أمراً ممكنا وحقيقيا وإذا ما توافر ذلك فانه سيجر التوجهات المسرحية على الصعيد المحلي للبحث عن وسائلها وأفكارها داخل عوالم المسرح المعرفية بدلا من نواقصه ومهددات وجوده.
Atheer93@hotmail.com
|
|
|
|
|