| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
تحية طيبة،
لقد كانت تراودني الكتابة عن موضوع جدير بأن يأخذ حقه من التوعية والتذكير وذلك لما كتبته الأخت ميثاء البراهيم من بريدة صرخة ونداء وذلك أنني شاهدت كثيراً من الأبناء يسيئون معاملة آبائهم بصورة تؤكد جهلهم بفضل الآباء عليهم بعد الله سبحانه وتعالى، كما شاهدت كذلك كثيراً من الآباء يهملون تربية أبنائهم بصورة مؤسفة كانت سبباً واضحاً في ضياع هؤلاء الأبناء وانحرافهم، فاللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن،
اللهم عطفت علينا قلوب الآباء صغاراً وضاعفت علينا نعمك ونحن كبار وواليت إلينا برك مدراراً وجهلنا وما عجلتنا مراراً فلك الحمد إذ الهمتنا من الخطأ استغفاراً. فالبعض يرى كثيراً من الشباب والشابات يصابون بالقلق الفكري والاضطراب النفسي والانحراف السلوكي رغم انتشار التعليم وتعدد سبله فكل معضلة وكل مشكلة سببها البعد عن الله والذين يعانون من البشر في العالم والدول المتطورة التي تعيش أرقى درجات الحياة والتحضر يعانون الآن من الامراض النفسية ومن ضياع شبابهم وتهديد مستقبل ايامهم كل ذلك بسبب الخواء الروحي والخواء الروحي هو فقد الايمان فالآباء يجب ان يجعلوا هذا في أول اهتماماتهم لأنه لا يوجد حل في مشاكل البشرية إلا الدين والدين عند الله الاسلام لأن الله هو الذي خلق الإنسان وهو الذي عرف ما الذي يصلح البشرية ألا وهو الدين يقول الله تعالى : «فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم» والفطرة هي الخلق والدين هو الذي يمشي هذا الفطرة ولكن اكثر الناس لا يعلمون فكثير من الآباء يغفلون عن تربية أبنائهم مرددين الكلمة الشائعة الهداية من الله ويستشهدون بأن أناساً كثيرين اهتدوا بدون آباء وآخرين لم يهتدوا وآباؤهم حريصون عليهم مع ذلك ضلوا وهذا الكلام غير صحيح ...
إنه يترك الحبل على الغارب للشاب أو الشابة ثم إذا قيل له وجه ابنك قال الهداية من الله. صحيح الهداية من الله ولكن لكل شيء سبب كما قال الله تعالى : «إِنَّا
مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85)» كذلك الهداية من الله يجب أن تطلب الهداية وتسعى إليها، كما قال تعالى في الحديث القدسي: « ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم» ومن أعظم وسائل الهداية تربية الأبناء وأن نحرص على رعايتهم وتوجيههم وإرشادهم لما فيه صلاحهم وحثهم على حسن الخلق والأدب ونقربهم من أهل الخير والمسجد ونحذرهم من قرناء السوء،
أما أن نترك الابن نائماً ونحن نصلي ونتركه مع قرناء السوء ونحن مع الطيبين ونتركه مع الفساد والانحراف والأفلام وعلى السهرات المضلة وأنت قادر على حمايته ولا تقول له من شيء إلا «الله يهديك» أنت نفسك ما أردت هدايته حتى يهديه الله، أما ما يحدث من نماذج هداية أفراد من بيوت ضالة أو ضلال ناس من بيوت مهتدية فهذه شواذ والشاذ والنادر لا حكم له والقاعدة «الأبناء يربون على تربية آبائهم» ولهذا قال الرسول المصطفى «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» الأب راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة مسئولة عن رعيتها أي في بيت زوجها فالرعاية والمسئولية على الأب تقتضي أن يوجه ولده كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله «مروا أبناءكم بالصلاةلسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» ولابد أن تربي أولادك على الدين والهداية والكرم والجود والأخلاق الحميدة وأن تأخذ بيده وبعد ذلك إذا أنت عملت كل الوسائل التي من حقك والله ما أراد له الهداية فلا شيء عليك قال الله تعالى : «إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل» وقال تعالى: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» والهداية تنقسم إلى قسمين هداية إرشاد وهداية اتباع فالإرشاد عليك والإتباع على الله فإذا قمت بواجبك بقي الذي على الله إن علم الله فيه خيراً وأنه أهل للهداية وأنه محل للصلاح قبل، وأن كانت تربته غير صالحة ويعلم الله من هو غير صالح ولا يبغى الهداية فالله عز وجل يستغني عنه لا بظلم منه عز وجل ولكن باختيار هذا العبد لأن الله سبحانه وتعالى قال: «ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين» أما الإنسان فقد كرمه الله على سائر المخلوقات وأعطاه الاختيار وجعل له القدرة على أن يسلك طريق الخير باختياره، وطريق الشر باختياره، كما قال تعالى : «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها». فإلى الأخت ميثاء البراهيم ان مشكلتك ليست هي الوحيدة التي تعانين منها ولكن ،
جيل بأكمله إلا من رحم ربي، فالشدة في هذه المواضيع الخاصة تعطي نتائج عكسية ولو من باب المعاندة فيصبح لكل طرف حزب يملي عليه شروطاً يجب تقديمها،
ونحن هنا لسنا في خلاف على أرض حتى يشمر كل منا عن ساعده ويرى من يستنصره على من اعتبره خصمه فالقضية أمر مشترك فيجب أن تحل بصورة خاصة دون تدخل أحد فمامدى قسوة وفداحة أن يضغط الآخرون على حياتنا ويشكلوها على أهوائهم ما دام الأمر قد خرج من السيطرة فأهل الإصلاح والخير كثير فإن لله عباداً قيضهم الله لخدمة الناس ألا أنهم الآمنون يوم القيامة فالتمسوا الخير عند الوجوه الحسنة فالحق أحق أن يتبع وسبيل الله تعالى أولى أن يسلك ويلين كل طرف للآخر من أجل هؤلاء الأولاد الذين استخدمت الصلاحيات الممنوحة لكم شرعاً أصبحوا الضحية ومن يريد الإصلاح بنية صافية خالصة لوجهه تعالى أعانه الله وبدله من حال إلى حال فقد قال الله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وقال فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» فالكلمة الطيبة لها تأثير وما يحدث للإنسان في هذه الدنيا إنما هو امتحان له وابتلاء من الله كما قال تعالى : «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون».
وقال الله تعالى : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب». ومن المواعظ التي تحيي الضمائر وتيقظ القلوب الغافلة فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسير بجيش الفتح بأكثر من عشرة آلاف مقاتل يسيرون خلفه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن رأى قنبرة ترف فوق رأسه طائر صغير رفع يديه وأوقف مسيرة الجيش كله ثم نادى بأعلى صوته من فجع هذه بولديها انها فجيعة بالنسبة لطائر صغير يداس الآن بالأقدام وبالسيارات لا يعبأ به في ميزان الإسلام ومنطق الإسلام يسميه الرسول فجيعة كفجيعة الأم العاقلة الإنسانية بولدها ولم يقل بفرخيها وانما قال من فجع هذه بولديها كأنها إنسان يعقل..
انها الرحمة، فيخرج أحد الجنود ويقول أنا يارسول الله أخذت فرخيها، فيأمره الرسول بأن يعيدهما لعشها فتعود القنبرة ساكنة هادئة مطمئنة. إنها رمز الرحمة مهما رفعت الشعارات وتلك الصحابية الجليلة رضي الله عنها تعرضت للتعذيب من سيدتها حتى أفقدتها بصرها فوقفت وقالت لها إن كان محمداً قادراً على شيء فليرد إليك بصرك» فقالت قولة المؤمنة الصادقة الواثقة بقدرة ربها الله قادر إن شاء فرد الله بصرها. لقد وقفت موقفاً يدل على عمق إيمانها بالله عز وجل وبقلبها عقيدة راسخة ولقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمثل هذا السلوك أن يجسدوا رحمتهم بسلوك عملي ويتربوا عليه بالممارسة لكي تودع هذه الرحمة في القلوب فيعرف الإنسان حقه وحقوق الناس والواجبات التي عليه وأثبتوا للعالم ان الأمر الذي كان خيالياً ومستحيلاً أصبح واقعاً ملموساً يشاهد ويرى كانوا يستظلون تحت مظلة الإيمان والإسلام فبالإيمان والإسلام يكون ا لعدل وبالإسلام وبالإيمان تكون الرحمة وبدون ذلك فلن تجد إلا الفساد الذي يخرج في البر والبحر فالحذر من قسوة القلوب وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله»، وقال أيضاً «لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم فقال عليه الصلاة والسلام إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة» إذن فالرحمة والإيمان صنوان متلازمان وأجدر الناس بعطفك وبرك هم أهلك وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له «امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين»،
فأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة وكذلك حسن الخلق ولين الجانب والمودة من أعمدة الإيمان ومن الأساليب المحببة إلى الناس فإن أحد الأعراب دخل على الوالي في زمانه يشكو مظلمته وكان ذلك الوالي حليماً دار النقاش وقال الأعرابي للوالي أنت أعمى فقام أحد الحراس يريد معاقبته فقال الوالي للحارس إنه سألني «أنت أعمى» فقلت «لا» يعني لا تبصر وقلت له لا أبصر فإنه سألني وأجبته وبهذا الحلم والحكمة البالغة مسح ما في الأعرابي من هاجس فما كان الرفق في شئ إلا زانه.
ولا أظنني بحاجة إلى تذكير الاخوة المربين من الوعاظ والمرشدين في بسط كل فكرة عرضت أو مناقشة كل موضوع بالشمولية المطلوبة والتوسيع المفيد كما اني اعتذر عن كل تقصير غير مقصود راجياً من الله حسن قبول ما سطره القلم وخطر في الذهن وجاشت به النفس فالحمد لله أولاً وآخراً.
متعب بن جابي زيدان الرويلي
عرعر
|
|
|
|
|