| محليــات
تتداخل العلوم...، وتتشابك... والأقرب للتمثيل تداخل علم الاجتماع بعلم النفس، وبعلم التربية، وبعلم الجغرافيا، والاقتصاد، وبعلوم اللغة، والفنون الجميلة، والتأريخ،... ففي مجمل الأمور... وعند نهاية القرار فإنَّ كلَّ ما يرتبط بالحياة، وبالإنسان يتداخل، تداخل وظائف الإنسان، وأدواره مع هذه الحياة وما فيها... ولا يمكن عندئذ فصل "العلوم" عن بعضها الآخر... إلا ما كان من "خصوصية" مميزة لكل علم كي يأخذ موقعه من التمييز، وموقعه من الخصوصية...
لذلك فإن هذا الإنسان، مناط به من الأمور "الافتراضية" ما يحقق له "ضرورة" حياتية محدَّدة، وهي: أن يلمَّ بكل علم يَفيد به، ومنه، وعنه في معرفة نفسه، وحياته، وما حوله، وما يرتبط بكل ما فيه، وما هو عنه، وما هو منه، وما في حياته، وما هو حوله...
تذكّرتُ ذلك وبين يديَّ بعض المداخل العلمية في مشروعات فكرية وأكاديمية... وجدت فيها أن الخوض خارج نطاق "المحيط" العلمي الدقيق والمحاصَر "بالخصوصية" المنهجية، والمعرفيةِ أمرٌ "إلزامي" لا يمكن الفكاك منه...، ذلك لأنني "اكتشفت" أنَّ أولئك الذين يقفون فوق صخرة "التّخصص"، ويجمِّدون خطواتهم عند حدود إطارها، ويحوِّلونه إلى سوار حول "معاصم" أقدامهم، و"أيديهم" يعملون على "خنق" العلم...، ووأده داخل "إطار" الاختصاص... وزاد في قلقي، أولئك الذين يجزِّئون "محيط" العلم الواحد، إلى أجزاء... وكأني بهم يقومون بمهمة مكاتب "العقار" في أمر تقسيمها "لقطع الأراضي" بهدف "بيعها"، وعرضها لمن يشتري، وكلٌّ يشتري على قدر ما يملك...!!! وهذا لعمري ما يحدث في محيط "العلوم"... ذلك الذي يُزجيه بضاعةً واقعُهُ، ويحاصرهُ بضاعةً مستهلكوه!!
فكم شهد طلاب العلوم، والمعارف، والراغبون في ازدياد داخل محيطات، وبحور تخصصاتهم، قيعاناً وفراغاً كلّما وجَّهوا نواصيهم إلى "علمائها" فأشاحوا عنهم، ووجّهوهم صوب سواهم بحجة أن"السؤال" خارج نطاق الاختصاص الدقيق...
هؤلاء الشباب الذين ينخرطون في دراسات تتطلب التوسع المعرفي، ومعرفة روابط العلوم في مجالها، وعلائق المعارف في محيطها يدخلون في متاهات "هذا ليس من الاختصاص" فيما يجدون العلوم تأخذ برقاب بعضها، ومحورها "الإنسان"..
أفيوجد في الكون من اجتمع الكون من أجله غير الإنسان؟!
وهل منح الإله تعالى شيئاً مما خلق كلَّ هذا العطاء والنعم وسخَّر كافة ما خلق من أجله غير الإنسان؟....
هذه السماء بما فيها من الكواكب والنجوم والشمس والقمر والسحب والهواء أو ليست له؟ كي يستظل، ويستمطر، ويستضيء، ويتدفأ، ويستدل ويهتدي؟.... والأرض وما فيها؟
سبحان الله تعالى الذي سخَّر للإنسان.. ما يظل عاجزاً عن إدراكه، ولا يصل إليه سلطانه؟
من أجل ذلك هو يعلم تماماً تقارب العلوم، وتلاحمها، وتشابكها، وضرورة توسُّعه في الإحاطة بها، وهو يدرك ذلك.. ويعلم أنَّه أوتي قدراتٍ لا يملكها سواه، ولم تؤت لغيره تمكِّنه من الإلمام وتوسيع قواعد ما أحاط به قدميه في مجالاتها..، إلاَّ أنه يزداد إمعاناً في فصلها، ويزداد إمعاناً في محاصرة إطار حركته في جوانبها ومجالاتها، ليظلَّ هذا الإنسان يتخبَّط في داخل أسوارضيِّقة... حتى إذا ما رفع عقيرته يتطرَّب بما يكتشف من أمر "التداخل" القائم في كافة معطيات العقول، وما تفتحه من أبواب للمعرفة، يقف عند حائطها الكبير، وعند أُطرها الصغيرة المجزأة، ويبكي... ذلك لأنه سوف يشدُّ رأسه... إما لعجزه عن مواكبة التفاصيل، أو لعجزه عن فك طلاسم تشابك خيوط العلوم ببعضها...، أو في النهاية لمعرفة كم هو هذا الإنسان "مهم" في الحياة، لكنَّه يزجُّ نفسه في بحر لجيِّ من طينٍ يغطي على منافذ العيون فيه...
ألا...
فالتقطوا ما تشابك من الخيوط...
ألا ففكوا الأساور الحديدية حول معاصم أقدامكم وأيديكم في بحور العلوم... كي تنطلق،
ألاّ فدعوا لرئاتها أن تتمدّد دون الانكماش في "جزئيات" تحاصرها ضمن أُطرٍ ضيِّقة، ألا.. فإنَّ العلم هو مادة الحياة...
ألا فخبراته لا تتجزأ إلا في حدود ما يوظِّف الأجزاء فيها للكليات منه...
ألا فإنَّ "الإنسان" يتداخل فيه "عالم" ثريٌ بثراء ما يقود إليه عقلُه من خبرات ترتبط بطبيعة كلِّ ما وُظِّف له في الكون...
فمتى يصبح الإنسان كونياً في علمه؟ موسوعياً في مداه؟....
كي يكون مؤهلاً للحياة؟! لأنَّ الحياة له كلُّها لا جزءاً منها؟!.
|
|
|
|
|