| مقـالات
التوجيه السامي الذي أصدره صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني بشأن تأخر الإنجاز وما تضمنه من ملاحظات تستحق وقفه تأمل.
يبدأ التوجيه بالحديث عن الأمانة التي أولانا الله إياها تجاه أبناء الوطن، وتجاه مصالح الوطن ومن الطبيعي ان القيام بهذه الأمانة يتطلب الإخلاص لهذه الأمانة، والإخلاص هو من أهم واجبات الموظف، لأن هذا الأخير لا يملك الوظيفة لنفسه وإنما هو يخدم وطنه من خلالها، فالموظف للوظيفة وليس العكس وهذا يعني ان لكل وظيفة متطلباتها وشروطها العلمية والإدارية والفنية وإذا لم تتوفر هذه الشروط أو توفرت ولم تكتمل بالجانب السلوكي يتم البحث عن موظف آخر يستطيع القيام بمسؤوليات الوظيفة ومتطلباتها.
يحث التوجيه على سرعة إنجاز المعاملات وتنفيذ ما يصدر من أوامر وتوجيهات حفاظا على حقوق أصحابها.
ومن المعروف في الأدب الإداري ان عامل السرعة مهم في منظومة العمل وان الانجاز إذا تأخر فقد قيمته وخاصة أننا نعيش في عصر السرعة وأصبحت المعلومات التي يحتاجها المسؤول لاتخاذ القرار وإنجاز عمل معين متاحة ويمكن الوصول اليها بسرعة مع توفر تقنية المعلومات، وإذا لم تكن هذه التقنية متوفرة فهذا تقصير آخر!
ومن هنا فليس هناك مبرر لتأخير إنجاز الأعمال خاصة أن بعضها كما أشار التوجيه السامي لا يحتاج لأكثر من تحرير جواب.
ثم نأتي الى موضوع اللجان وهي التي يقال عنها الكثير من السلبيات وإنها في معظم الأحيان سبب جوهري وهي التعطيل.
وهذا موضوع يكثر فيه الجدل والحقيقة ان اللجان بحد ذاتها ليست هي المشكلة وإنما المشكلة في كيفية إدارتها وتنظيم أعمالها واختيار رئيسها وأمينها وأعضائها.
اللجان لها إيجابيات كثيرة من أهمها تحقيق التكامل بين أكثر من جهاز له علاقة بالموضوع المكلفة به اللجان، ومنها الاستفادة من آراء الأعضاء بدلا من الاستناد الى رأي واحد وهذا يعني الإحاطة بكل جوانب الموضوع قبل اتخاذ توصية أو قرار.
أما السلبيات فتكمن في التطبيق أي في ممارسة اللجنة لأعمالها والتكيف لأهدافها ومدتها وطبيعة عملها ونوعيتها وهل هي لجان دائمة أم مؤقتة، وما دور كل عضو فيها وهل يشارك العضو بفعالية أم بصورة شكلية! وغير ذلك من الأسئلة التي تصب في تنظيم اللجنة وكيفية إدارتها.
هذا الكلام لا يعني ان كافة اللجان لها ما يسوغ تشكيلها فنحن نبالغ أحيانا في تشكيل اللجان، ولكن المؤكد ان اللجنة الناجحة يقف وراءها رئيس ناجح يستطيع ان يستثمر الوقت والقدرات البشرية المتوفرة لديه ويقودها نحو تحقيق الأهداف المحددة في الوقت المحدد.
ويتحدث التوجيه مرة أخرى في الفقرة )رابعا( عن التأخير حيث ان بعض الجهات تتأخر في الاجابة على استفسارات ديوان رئاسة مجلس الوزراء تأخيرا تضيع خلاله حقوق الناس ومصالح الوطن.
وهنا ندخل إلى أروقة هذه الجهات لنتعرف على أسباب هذا التأخير.
ربما تكون أحد الأسباب هي ان بعض الجهات تعتمد في كافة أمورها على شخص واحد وكأنما تجمعت لدى هذا الشخص كل القدرات البشرية والإدارية دون غيره من زملاء العمل.
وهنا نعود الى الأدب الإداري، ومن البديهات فيه مبدأ توزيع العمل وفقا لموقع كل شخص ومسؤولياته وقدراته.
ومعروف ان لكل مهمة متطلبات وشروطا قد لا تتوفر في شخص واحد مهما كانت قدراته ومهما كان الوقت المتاح له.
أما إذا كان رئيس الجهة يريد ان يقوم بالمهمة بنفسه فهذا سلوك إداري غير عملي لأن من أهم مقومات القيادة الإدارية كيفية استثمار القوى البشرية وإدارتها من أجل تحقيق الأهداف هذا الاستثمار يشمل كافة القوى البشرية المتاحة ولا يتركز في شخص واحد.
ويرجع التأخير أيضا الى ان الموظف الكفؤ المتحمس لعمله القادر على الإنجاز الراغب في التكليف بالمسؤوليات يكتسب سمعةتؤدي في النهاية الى تحويل معظم الأعمال المهمة إليه وهذا يفقده التركيز. لأنه يقوم بأمور مهمة ومتعددة في وقت واحد ومهما كانت قدراته فإنها تظل قدرات بشرية محدودة، كما ان التركيز على هذا الكفاءة دون غيره يحرم الجهة من الاستفادة من قدرات الآخرين الذين سيحرمون أيضا من فرص النمو الوظيفي.
كما ان من أسباب التأخير اللجوء الى تشكيل لجنة وتكليفها بمهمة بسيطة يمكن حسمها بتكليف المسؤول المختص.
ويتحدث التوجيه بعد ذلك ان بعض الجهات ترفع معاملات تحتاج الى قرار ولكنها ترفع قبل المواعيد المحددة بأيام وغالبا بيوم أو أقل علما ان بعض القرارات تحتاج الى دراسة واستفسارات ثم يتضح بعد المراجعة ان أساسات المعاملة لدى الجهة المعنية منذ فترات طويلة ولم ترفعها إلا في آخر لحظة وهذا أمر ينافي أبسط قواعد الإدارة، وهو أمر يدل على عدم الاهتمام.
نحن هنا أمام تنظيم جيد، وتنظيم سيء فالأدب الإداري يصنف التنظيم الجيد بأنه التنظيم الفعال الذي يحقق الأهداف بسرعة وبأقل التكاليف، على عكس التنظيم السيء الذي يتسم بكثير من السلبيات أو الأعراض ومن أهمها انخفاض الروح المعنوية وكثرة استخدام الورق، وطول الاجراءات، ووجود أعرض سلوكية سلبية مثل اللامبالاة، وضعف الانتماء، والتنافس غير البناء، والتأخر في اتخاذ القرارات.
إزاء ما سبق يتضح لنا الحاجة الى وجود آلية للتقييم والتقويم نستطيع بواسطتها تشخيص المشكلات التي تعاني منها بعض التنظيمات ونعمل على حلها.
وهنا ندخل في موضوع المتابعة حيث انتهى التوجيه السامي بأمور تحث على سرعة الإنجاز وأهمية المتابعة وتقصي أسباب التأخير وتحديد المسؤولية وضرورة ان تنهي اللجان ما كلفت به من أعمال، فإن كانت من اللجان الدائمة فلا بد ان ترفع تقريرا شهريا بما أنجزته وبالمواضيع التي تحت الدراسة وأسباب التأخير.
وهذا الجانب يقودني الى التوجيه السامي للأمير عبدالله الذي صدر بتاريخ 17/9/1420ه برقم 7/ب/14899.
مضمون هذا التوجيه يرتبط بشكل مباشر بكل ما ذكرناه في هذه المقالة وعندما نضم هذا الى ذلك نخرج بورقةعمل واضحة للتطوير الإداري.
هذا التوجيه يتحدث عن دور وحدة المتابعة في الأجهزة الحكومية وأهمية تفعيل هذا الدور كما جاء في قرار لجنة الاصلاح الإداري رقم )190( وتاريخ 18/11/1409ه. أما الدور المناط بهذه الوحدة فهو القيام بإجراء الرقابة والتحريات اللازمة في مختلف أقسام الجهاز وما يرتبط به من وحدات للتأكد من سلامة العمل وترشيد الأداء، والقيام بحملات متابعة تفتيشية للوقوف على مواطن القصور واكتشاف حالات الإخلال بأداء الواجبات الوظيفية أو التراخي في إنجاز الأعمال ومن ثم العمل على تصحيح المسارات وتقويم الأعوجاج ومراقبة سير العمل للتأكد من مطابقته للأنظمة واللوائح والإجراءات المعتمدة والعمل على تنمية وتقويم مفهوم الرقابة الذاتية لدى الموظفين وتقديم المقترحات التي من شأنها تسهيل وتحسين سير العمل في الأجهزة الحكومية.
وهكذا يتضح لنا مدى الترابط بين التوجيهين الكريمين، وعندما نتحدث عن المتابعة والدور المناط بها ونقارنه بالوضع الراهن فقد يتضح لنا ان وحدة المتابعة بهذه المسؤوليات الجسيمة تحتاج الى تفعيل ودعم حتى تتخطى الدور المحدود الذي تقوم به وهومراقبة الدوام أو التحقيق في بعض القضايا.
ان هذا التوجيه المتعلق بوحدة المتابعة يحتم على الأجهزة المعنية ان تبادر بمتابعة الأجهزة الحكومية لمعرفة مدى تطبيق وحدة المتابعة لهذه المسؤوليات كما وردت في قرار اللجنة العليا للاصلاح الإداري.
ان تفعيل أداء وحدة المتابعة سوف يساعد على حل كثير من المشكلات التي تحدث عنها التوجيه الكريم، وتطرقنا لها في الجزء الأول من هذا المقال.
إن النظرة الشمولية للتوجيهين الكريمين تدعونا الى مراجعة شاملة لأساليبنا الإدارية، ولجميع عناصر العملية الإدارية من تخطيط، وتنظيم، واستثمار للموارد البشرية وغيرها، وكذلك أساليبنا في إدارة الوقت وفي التعامل مع الآخرين.
مراجعة شاملة لطريقتنا في القيادة والإدارة، وللإجراءات والوسائل المتبعة في أداء العمل.
مراجعة شاملة للتنظيم تشمل كافة عناصره البشرية والمادية.
مراجعة شاملة نضع فيها أنفسنا تحت المجهر من أجل تقييم سلوكنا الإداري بكافة عناصره وما يحيط به من مؤثرات إدارية واجتماعية.
وأخيرا أقترح على معهد الإدارة العامة الاستئذان بعقد ندوة إدارية تطرح فيها ورقة الأمير عبدالله كمحور أساسي للخروج منها بآليات عملية تساهم في تحسين الأداء، وتحقيق التنمية الإدارية المنشودة التي تتوجه كافة أعمال وأنشطة المعهد نحوها.
|
|
|
|
|