أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th March,2001 العدد:10398الطبعةالاولـي الأحد 23 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

الصراع العربي الإسرائيلي: ثبات النظرة السعودية
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل*
ليس من مشمولات هذا المقام ان نؤرخ لكافة محطات الصراع العربي الاسرائيلي منذ بدايته وحتى اليوم إلا أنه من المهم مع ذلك الإشارة الى بعض هذه المحطات كلما دعت الضرورة لذلك. لكن المهم عندنا أولا هو أنه منذ أن تمكنت العصابات الصهيونية بمساعدة انجلترا الاستعمارية من الحصول على جزء من الأراضي العربية الفلسطينية، فهي تسعى الى الاستحواذ عليها كلها، واضعة ضمن استراتيجيتها البعيدة المدى ان تسيطر على الأرض العربية الممتدة من الحدود الإيرانية وحتى نهر النيل بمصر، مدعية في ذلك كله أنها أرض اليهود التي وهبهم الرب، وقد استند المتطرفون الصهاينة في ذلك الى مرجعيات توراتية موضوعة.
ولئن كان الصهاينة قد تمكنوا من تحقيق بعض أحلامهم عندما استولوا على الأرض العربية الفلسطينية بداية بكل الوسائل التآمرية والقتالية، فإن أعظم المكاسب الميدانية إنما تحققت لهم أبان حربي 48-67 وخاصة عندما تمكنوا أثناء هزيمة حزيران 1967م من احتلال كافة الأراضي الفلسطينية، بالاضافة الى سيناء )المصرية والجولان السورية( ثم تمكنوا سنة 82 من احتلال الجنوب اللبناني، وإذا كان العرب قد تمكنوا من استعادة بعض الأراضي خاصة على الجبهة المصرية في حربهم مع اسرائيل سنة 1973 والتي عرفت بحرب رمضان، فإن ذلك لم يكن سوى خطوة ضئيلة لاستعادة الثقة المعنوية بجيوشهم بعد سلسلة من الهزائم، ولعل أهم سلاح تمكن من خلاله العرب من تحقيق مكاسب لم يكن في صعيد الحرب الميدانية وإنما كان في الجانب الاقتصادي عندما أشهر سلاح النفط الذي رفعه القائد الراحل المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز وأدى دورا فاعلا في كسب بعض المواقف السياسية خاصة في أوروبا نظرا للمستوى الذي ألحقه ذلك بمصالحها، وهو ما مهد الطريق كوسيلة ضغط استراتيجي لكل جهود سلمية يمكن لها ان تقوم، لكن الطريقة التي بدأت بها جهود السلام بين العرب وإسرائيل لم تكن على شاكلة الطريقة التي أقام بها العرب حربهم القتالية الأخيرة معها.
إذ بدأ مسلسل السلام بطريقة انفرادية في حين كانت الجهود الحربية شبه تنسيقية. فقد قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارته المفاجئة لإسرائيل وأقام سلاما منفردا معها فاتحا الطريق لسلسلة من الحلول الانفرادية على الجبهة الأردنية والفلسطينية وحتى السورية مما سهل لإسرائيل ان تنفرد بكل دولة عربية على حدة في محاولة لإقامة سلام معها، الشيء الذي انبني عليه ضعف في الموقف التفاوضي للدول العربية، خاصة في ضوء الضغوطات الأمريكية والغربية التي تمارس ضد كل دولة عربية على حدة في كل مسار تفاوضي.
والواقع انه إذا كانت مصر قد تمكنت من استعادة كافة أرضها المحتلة من اسرائيل فإن ذلك يعود بالضرورة الى الإمكانات الحربية والسكانية والتاريخية التي تتمتع بها مصر باعتبارها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والمتصدرة تاريخيا لمسيرة صراع العرب مع اسرائيل، وان كانت مصر قد استعادت سيادتها على أرضها إلا أن بعض المحللين يرون ان إسرائيل قد استطاعت استثمار السلام مع مصر لتحقيق مكاسب استراتيجية لها.
ولعل ما أقدمت عليه اسرائيل من غطرسة وبطش في الأرض العربية منذ أن أقامت اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر يدلل على ما قلناه، فقد احتلت اسرائيل جنوب لبنان وضمت الجولان والأراضي العربية الأخرى في الضفة وقطاع غزة الى سيادتها، وأعلنت عن توحيد القدس واعتبارها عاصمة لها العربية.
وبعد ان سقط المعسكر الشرقي وانفرد المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة بقيادة العالم بدأ هذا المعسكر يعيد تنظيم الترتيبات العالمية لتتماشى مع مصالحه الاقتصادية الجديدة ويقتضي ذلك بالضرورة البحث عن حل سلمي للمسألة الفلسطينية وللصراع العربي الاسرائيلي عامة حسب مقاييس تكرس واقع الاحتلال الاسرائيلي للأرض العربية وتقنينه، فكانت مسرحية أوسلو التي خرج الاسرائيليون والفلسطينيون بها على العالم من تحت غياهب المفاوضات السرية وزعموا من خلالها أنهم اتفقوا على مرحلتين للتسوية مرحلة انتقالية وأخري نهائية وان الانتقالية تمكن الفلسطينيين من الحصول على غزة وأريحا أولا، ثم تتواصل المرحلة باستعادة الفلسطينيين لأراضي الضفة الغربية الى غير ذلك من الأمور، إلا ان الطامة الكبرى قد تجسمت في امتناع إسرائيل عن الوفاء بتعهداتها المتعلقة بالفترة الانتقالية وظلت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تماطل في ذلك حتى حان عهد المرحلة النهائية دون ان ينفذ أكثر من 32% من مستحقات الفترة الانتقالية ولما حان وقت التسوية النهائية أدرك الفلسطينيون ان لا شيء بأيديهم وان اسرائيل ليست عازمة على تطبيق الاتفاقيات التي أقامتها معهم في أوسلو، وإنه إنما كانت تريد منهم ان يتولوا إخماد الانتفاضة وان تشرع من خلال سلطة وطنية فلسطينية مسألة احتلال الأرض الفلسطينية، وقد أعلنت إسرائيل عن كل ذلك صراحة عندما رفع باراك في طريقه الى كامب ديفيد الثانية لاءاته المشهورة وهي لا عودة للاجئين ولا عودة لحدود 67 ولا انسحاب من القدس، ولا تفكيك للمستوطنات ولا سيادة لدولة فلسطينية على الحدود الدولية.. الخ.. حينها فقط أدرك الفلسطينيون أنهم وقعوا في الفخ الاسرائيلي وبدأوا يندمون حين لافائدة من الندم ولم يجدوا من حل لمأزقهم سوى ان يحيوا انتفاضتهم فكان ما عرف منذ خمسة أشهر بانتفاضة الأقصى التي اندلعت بسبب مباشر وهو زيارة الارهابي ارييل شارون )قائد حزب الليكود اليميني ورئيس الوزراء المنتخب( للحرم القدسي الشريف بتدبير من الحكومة العمالية اليسارية. بقيادة باراك وتحت حراسة جنودها.
وقد أدت هذه الانتفاضة الى مد الصراع العربي الاسرائيلي بديناميكية جديدة بسبب عزفها على أوتار حساسة في الوجدان العربي والاسلامي نظرا لارتباطها بموضوع القدس والحرم الشريف وهكذا عم الاستياء والسخط الشارع العربي والاسلامي وانعقدت القمة العربية الطارئة بالقاهرة والقمة الإسلامية بالدوحة وتمخضت كلتا القمتين عن قرارات إيجابية ترمي الى دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني وحقه في الاستقلال وتقرير المصير.ومرة أخرى كان الدور السعودي بارزا خلال هاتين القمتين مثلما بينا قبل هذا بخصوص مسألة سلاح النفط، إذ لم يقدم من الاقتراحات العملية التي تمس الإنسان الفلسطيني مباشرة وتقدم له الدعم المادي والمعنوي سوى التي تقدمت بها السعودية. ونحن هنا لا نريد ان نبالغ أو نذكر إلا ما شهد به الجميع إذ إننا إنما نسعى الى تبيان ثبات الموقف السعودي من الصراع العربي الاسرائيلي بأنه صراع وجود وصراع عقيدتين، عقيدة إسلامية غراء ليلها كنهارها لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها وعقيدة موضوعة عنصرية تقوم على التلفيق والانتحال ولا تقف عند حد، ولذا ظل الموقف السعودي من الصراع العربي الاسرائيلي منذ أيام المغفور له الملك عبدالعزيز مرورا بأبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله تعالى ووصولا الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله، هو نفسه، وما قوة المواقف التي أعرب عنها ولي عهده الأمين سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في القمتين العربية والإسلامية إلا تعبير عن تثبات وصرامة الموقف السعودي والنظرة السعودية العميقة للصراع العربي الاسرائيلي واستنادها الى المرجعية العقدية والشرعية للاسلام التي يعتبر ولاة الأمر السعوديون أن الرجوع إليها والاستمساك بها هو أفضل وسيلة للانتصار على العدو الاسرائيلي وانتزاع الحقوق العربية والإسلامية على النحو الذي يحفظ العرض ويصون الكرامة وحتى يدرك العرب ذلك تظل النظرة السعودية متقدمة وتتسم بالشمولية والعملية ويظل أصحابها أكثر استعدادا للبذل الحسي والمعنوي دون مزايدة على الغير أو تشهير بهم. ولعل جواب المغفور له الملك فيصل رحمه الله لمن قال له : ) إذا مسكتم نفطكم عن الغرب سيمسك عنكم أغذيته ومعلباته(، هي خير دليل على أصالة الموقف السعودي وعمقه حيث أجاب الملك فيصل قائلا: نحن يمكن ان نعيش على التمر والماء..( وعندما يقول ولي العهد الأمين الأمير عبدالله: إن العرب سيقطعون العلاقات مع كل دولة تنقل سفارتها الى القدس( فإنه كان يعي ما يقوله وهو بذلك إنما يعبر عن قناعة دينية وعقدية لا مجال للمساومة فيها تحت أي ظرف كان.
ولعل مواقف من هذا القبيل إذا أضيفت الى استبسال الانتفاضة الفلسطينية ميدانيا يمكن وقتئذ ان يطمع الفلسطينيون والعرب بسلام يضمن لهم حقوقهم في الحدود المقبولة بدل ما كان يرتب لهم من حقوق مبتورة ومنقوصة، ولما كانت المواقف الآنفة الذكر للمملكة العربية السعودية علنية وفعالة فإن ما خفي من عمل دبلوماسي سعودي هادئ وأمين على مسار القضية العربية ويذود بكل استبسال عن ثوابتها هوما دفع بالأقلام الصهيونية الحاقدة في الغرب بأن تصب جام غضبها على المملكة ودورها في مفاوضات الشرق الأوسط.. ونحن نقول لأصحاب هذه الأقلام الحاقدة والمعادية للعروبة والإسلام: إن ذلك لن يغير شيئا من ثبات الموقف السعودي وطبيعته الوفية للأمانة التاريخية التي تتحملها المملكة كدولة قائدة ومؤتمنة على كل قضية عربية وإسلامية تتعلق بالمعتقد والكرامة والشرف مع التعاطي بإيجابية مع كل مبادرة أو جهد خير يسعى أصحابه لبلوغ السلام العادل والمتوازن ويحترم القانون والشرعية الدوليين ويأخذ بعين الاعتبار التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني تلك التطلعات التي محصتها الدماء الطاهرة لشهداء الانتفاضة.
* نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved