|
| مقـالات
كان رد فعل الدولة العثمانية لاستعادة الملك عبدالعزيز للاحساء عام 1331ه/1913م، واجلاء الحامية العثمانية منها وفيهم المتصرف عنيفاً انشغلت به كل الدوائر العثمانية المختصة وعلى جميع المستويات، ابتداءً بالسلطان، مروراً بالصدر الاعظم، فوزارتي الدفاع والداخلية والقاطعات الامنية التابعة للاخيرة من اجهزة الاستخبارات وغيرها.
وكان لوقع هذه الحادثة هزة كبيرة استجابت لها مختلف الاجهزة بشكل كبير، وكأن الدولة لا تشغلها قضايا اخرى على قدر كبير من الاهمية لا تقاس باستعادة صاحب حق لحقه، وعامل فاعل من عوامل الاستقرار لمنطقة انفرط في ربوعها عقد الامن، وسادت الفوضى امام عجز السلطات العثمانية في الاحساء عن السيطرة عليها، مما سبب الفوضى والانفلات الامني وتجاوزت حالة الفوضى هذه الحدود الادارية لمنطقة الاحساء الى مناطق قبائل اصبحت داخلة تحت نفوذ الملك عبدالعزيز. هذا بالاضافة الى ما اصبح يهدد هذه المنطقة المهمة الحساسة اذا ما استمرت الاوضاع الامنية المتردية على ماهي عليه من تدخل اجنبي من قبل بريطانيا، او دعوة المواطنين هناك لها بالتدخل اذا لم يسارع الملك عبدالعزيز لوضع حد لتلك الفوضى الضاربة باطنابها والحالة اليائسة التي يعيشها المواطنون في متصرفية الاحساء.
ولقد تناولت في بحث مستقل، نشر في مجلة جمعية التاريخ والآثار لدول مجلس التعاون الخليجي في عددها الاول الصادر عام 2000م . كما نشر في جريدة الجزيرة في عددها 10037 وبتاريخ 16/12/1420ه تفاصيل رد فعل الدولة العثمانية تجاه هذا الحدث، في ضوء الوثائق العثمانية الرسمية، وهي الدراسة الاولى لمعالجة هذا الحدث. ولكن هناك جوانب ما كان بالامكان تناولها جميعاً في مقالة واحدة.
ومن هذه الجوانب، او جزئية منها تخوف الدولة العثمانية من انتشار الموقف الشعبي الداعم لموقف الملك عبدالعزيز المتعارض مع موقف الدولة، خصوصا في صفوف اهل نجد المقيمين في البصرة وبغداد، وبلاد الشام الذين يتمتعون بنفوذ تجاري وثقافي ووجاهة اجتماعية في مجتمعات تلك المدن والاقطار. فكانوا محل متابعة السلطات الامنية ومساءلتها.
وكان نشاط العاملين منهم في مجال الصحافة، مثل سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض التي كانت تصدر في بغداد، وتغطي اخبار موطنه نجد بشكل جيد، ثم ما لبث ان اظهر من خلال ما يكتبه في تلك الجريدة ما استشفت منه السلطات العثمانية بأنه يعكس تأييده لما يقوم به الملك عبدالعزيز من اعادة بناء كيان دولته، وفي ذلك ما فيه مما تتصوره الدولة، بأنه يمثل تهديداً لوجودها، واصبح هذا التصور حقيقة عندما اقدم الملك عبدالعزيز واستعاد سلطته على منطقة الاحساء مقر المتصرفية العثمانية واخراج العثمانيين منها سالمين دون الحاق اي ضرر بهم.
على اثر ذلك اوصت وزارة الداخلية ممثلة في الوزير طلعت باشا السلطات العثمانية في العراق باغلاق جريدة الرياض لصاحبها سليمان الدخيل «1».
لم يقتصر الامر على هذا الصحفي النشيط الذي يعد بحق اول صحفي، وصاحب جريدة، نجديا يدافع عن قضية بلاده ويعرف بها وبتاريخها وبحياة مجتمعها، بل تجاوزه الى متابعة الطلاب البصريين من اصل نجدي الذين يدرسون في الكلية العثمانية في بيروت.
وتظهر صورة تلك المتابعة من خلال برقية بعث بها الطالب محمد بن دخيل الى اخيه يوسف الدخيل في البصرة، وكذلك زميله عبدالعزيز بن عبدالوهاب المنديل الى عمه عبداللطيف المنديل يشكوان من امر خاص يتعلق بدراستهما في الكلية، وجاءت نصوص برقيتهما مقتضبة مما اثار شكوك السلطات الامنية المتابعة لاوضاعهما وتوقع ان يكون مضمون تلك البرقية الغامضة العبارة على السلطات الامنية متفقا عليه بين الاطراف، ويفهمون منه مالا يفهمه غيرهم.
ولهذا اصدرت السلطات الامنية المركزية في استانبول امرها الى مدير الامن في بيروت باستدعاء هذين الطالبين، والتحقيق معهما عن سر تلك البرقيات.
ظهر لنا من محضري التحقيق مع كل من الطالبين الدخيل والمنديل نص تلك البرقيات الغامضة وهو كالتالي: «اجتماعنا مضر.. وقتنا يضيع خارجي بمعهدي داخلي بغيره» وهذه برقية من محمد بن دخيل.
اما برقية عبدالعزيز المنديل فلا تختلف كثيراً عن نص برقية زميله وهي كالتالي: «اجتماعنا مضر. الوقت يضيع. خارجي بمعهدي داخلي بغيره». ووضع الطالبان عنوانهما بواسطة وكيلهما في بيروت السيد عبدالقادر جارودي.
اما محضر التحقيق فقد اشتمل على ذكر اسم كل منهما، واسم ابيه وشهرته، وعمره ودينه وجنسيته وظهر ان عمر كل منهما ست عشرة سنة، وانه مضى على التحاقهما بالكلية المذكورة حوالي السنتين.
وكان من ضمن الاسئلة التي وجهت لهما السؤال التالي: كم عدد طلاب اهل البصرة الذين يدرسون معهما في الكلية، فذكرا انهم يزيدون عن ثمانية عشر طالبا.
اما اجابتهما عن سؤال وجه لهما من المحقق بخصوص البرقيتين اللتين ارسلاهما، وماذا تقصدان من ذلك، فكان الجواب في منتهى البساطة اذ قالا انه مع تزايد الطلاب من جماعتهم في البصرة في الكلية ذات النظام الداخلي يضيعان الكثير من اوقاتهما في الاحاديث الجانبية على حساب تحصيلهما العلمي، وكانا يقترحان على ذويهما فكرة البحث عن سكن خارج الكلية، هذا كل مافي الامر.
ولا اريد ان اثقل على القارئ الكريم بتفاصيل ما ورد في محضر التحقيق.
ما احب الاشارة اليه هو ان عبداللطيف المنديل احد وجهاء نجد في البصرة، وصديق شخصي للملك عبدالعزيز، واشترك مع طالب النقيب ومندوبين آخرين من ذوي الرتب العسكرية العالية في الجيش العثماني في المباحثات التي دارت بينهم وبين الملك عبدالعزيز في الصبيحية على الحدود الكويتية، حيث انتهت هذه المباحثات الى توقيع اتفاقية الصبيحية الشهيرة بين الملك عبدالعزيز والدولة العثمانية التي تم بموجبها انهاء مسألة الخلاف حول المسائل العالقة بين الطرفين بما فيها اعتراف الدولة رسمياً بحق الملك عبدالعزيز في استعادة نفوذه على منطقة الاحساء، وعلى بقية نجد. وقد تناولت هذا في بحثي المفصل الذي اشرت اليه سابقاً.
اما نتيجة التحقيق مع الطالبين النجديين الدخيل والمنديل فقد انتهى الى اعداد تقرير كتبه والي بيروت وبعث به الى وزارة الداخلية في استانبول، وذلك بتاريخ 24 ربيع الآخر سنة 1332ه. واجد من الفائدة ايراده بنصه بعد ترجمته من التركية الى العربية، كما وجدته في الارشيف العثماني)2( وهذا نصه:
ولاية بيروت/قلم الرسائل/11524 عمومي/ 905 مخصوص
التاريخ:24 ربيع الآخر سنة 332ه، 6 شباط 329 2/2/2 DH.KMS
الى نظارة الداخلية الجليلة
حضرة سيدي صاحب الدولة
بالاطلاع على صورة التلغرافات المتحدة المآل والمؤرخة في 20 كانون الثاني سنة 329 والمرسلة من بيروت باسمي محمد وعبدالعزيز ومرسلة الى يوسف الدخيل وعبدالله في البصرة.. وعلى الفور تم التحقق من شخصية المرسلين ومقصدهما وهويتهما، ونتيجة التحقيق الذي تم في القلم المخصوص ووفقاً لاقوالهما، التي تمت عقب تلقي التلغراف المؤرخ 23 كانون الثاني سنة 329 ورقم 857 من النظارة الجليلة في التحقيق في الامر، فقد تم على الفور استدعاء صاحبي التوقيعات الى ادارة البوليس وتم استجوابهما، واتضح ان كليهما من اهالي البصرة، ومن طلاب الكلية العثمانية في بيروت والمشار اليهما عبدالعزيز افندي في الثانية عشرة، ومحمد افندي في السادسة عشرة من عمرهما، وعبداللطيف منديل الذي ارسل اليه عبدالعزيز تلغرافه الى البصرة هو عمه، وان يوسف الذي ارسل اليه محمد تلغرافه هو شقيقه. وعندما تم سؤالهما عن مقصدهما من ارسال هذه التلغرافات قالا: انهما يقرآن ويدرسان في مدرسة الكلية العثمانية، وان الطلبة البصريين يتزايدون، ولما كانوا بلدياتهما فقد كانوا يأتون اليهما، ويشغلونهما باشياء لا لزوم لها، وبذلك يضيعون عليهما الوقت، وبهذا فان اجتماع طلبة البصرة عندهم بهذا الشكل مضر لهما ويحرمهما من التحصيل والدراسة، وهما لما كانا يدرسان ليلاً في هذه المدرسة فهما يطلبان ان تكون دراستهما نهارية او يذهبان الى مدرسة اخرى ليلية يبتعدان فيها عن هذه المجموعة. ولما تم سؤالهما عن السبب في انهما كتبا برقيتهما بهذا الشكل المغلق، ذكرا ان عبدالقادر جارودي هو مرشدهما الطلابي في بيروت، وهما يطلبان سرعة الرد عليهما وعلى عنوانه برقياً، او خطابياً.. ولقد تم التحقق من كل ما جاء في اقوالهما. وتم تقديم البرقيات المشار اليها، وما يتعلق بها من اقوال المذكورين الى مديرية البوليس لتقديمها الى من يهمه الامر، والامر والفرمان بهذا الصدد لحضرة من له الامر.
في 24 ربيع الآخر 332ه، 6 شباط 329
والي بيروت
«توقيع»
ملحق رقم )1(
)بالشيفرة(
التاريخ: 9 مارس سنة 330 2/2/2 DH. KMS
الى ولاية بغداد
انني الفت النظر والانتباه الى النشريات التي تقوم بها جريدة الرياض من مدائح لابن سعود، ومعلومات عن مباحثاته مع الانجليز واذا لم يكن هناك محذور من قبل الولاية، فانا، في رأيي فسخ/ قفل، الجريدة بالكامل. في انتظار اشعاركم
تبييض
ان حضرة السيد الناظر في هذا الرأي
)1( انظر التوجيه الصادر من وزير الداخلية إلى ولاية بغداد في الملحق رقم )1(
)2( هذا التقرير وغيره من الوثائق الوارد ذكرها في هذه المقالة وجدها الكاتب ضمن ملف الملك عبدالعزيز في الارشيف العثماني في استانبول.
د. محمد بن عبدالله آل زلفة
|
|
|
|
|
