| عزيزتـي الجزيرة
يروى أن مكاتبات حامية دارت على صفحات الصحف قبل حوالي عقدين من الزمان حول الحدائق العامة في أحياء إحدى المدن، واستمر الحوار بعض الوقت، مما حدا بأحد الذين أزعجهم طول الحوار في الموضوع وهو يرى أنه غير ذي بال أن يقترح الاقتراح التالي: ))أظن أن الأمر أخذ أكبر مما يستحق، فلماذا لايقتطع كل شخص من أرضه )2000( متر أو نحوها فيضع فيها حديقة لأبنائه، ويوقفون عنا هذا الجدل((!!!
طالعتنا صحيفة الجزيرة في صفحتها الأخيرة من عددها الصادر بتأريخ 26/11/1421ه بخبر أثلج الصدور!! وأثار عند شريحة من أفراد المجتمع شيئاً من الغبطة والسرور..الخبر أن وزارة المواصلات تكرمت باقتراح فرض رسوم على الطرق التي لها بديل فقط والمواطن الذي لايرغب في دفع رسوم سيجد طريقاً آخر بمواصفات جيدة. هذا الخبر لم يكن جديداً، إذ تكرم معاليه بالإشارة إلى هذه المبادرة المباركة منذ نحو عامين مضيا في محاضرة له في مهرجان المئوية تحت شعار «الإبداع والتميز في عهد الملك عبدالعزيز»، وبعد أن استعرض إنجازات الوزارة في العقود الماضية، وهي إنجازات لا يستطيع أي منصف أن يتجاهلها، بصرف النظر عن تكاليفها التصميمية والتنفيذية، وبصرف النظر عن التوازن في تنفيذها بين مناطق المملكة، وبصرف النظر عن تكرار الحديث عنها هنا وهناك، أقول بعد أن استعرض تلك الإنجازات أشار إلى أن الوزارة تفكر في فرض الرسوم لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة. وقد كانت لي مداخلة حينئذ فحواها أن التفكير في فرض الرسوم لايحتاج إلى كبير تميز أو إبداع، وان وزارة المواصلات وغيرها من الوزارات والهيئات الخدمية التي تفكر في فرض الرسوم، عليها أن تراجع ميزانياتها ووجوه الإنفاق فيها بشيء من الجد الذي ينشده المواطن ويحقق رغبة ولي الأمر، ثم العمل على إعادة النظر بشيء من حسن التدبير قبل الشروع في أمر لايرغبه المواطنون ولا ولاة الأمر منذ عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله وإلى اليوم؛ لأن لهذا الأمر محاذيره التي لاتخفى على عاقل. ودولتنا وفقها الله لا أشك أنها تدرك أنها لو طلبت من صالح مواطنيها التضحية بالغالي والنفيس لما ترددوا في ذلك، وما موقفهم في حرب الخليج إلا شاهد من الشواهد، كما أن المواطن في زمن العولمة أصبح مدركاً لحقوقه وواجباته، وهو أي المواطن نفسه قد يتضايق عندما يرى شيئاً من عدم عناية بعض الجهات بالإنفاق، في الوقت الذي تُقترح فيه الاقتراحات المتتالية من الجهات نفسها أو غيرها باللجوء إلى أسرع الحلول )فرض الرسوم(.
إن في المجتمع من يمر عليه زمن ولا يجد ما يدفع به الفواتير الضرورية، وفي المجتمع من لا يزال ينتظر رمضان بعد الآخر عله يجد من يدفع له زكاة مال أو صدقة. فشخص نحل جسمه من الفاقة، وآخر يدفع المال والوقت ليسمن، ثم يدفع مثل ذلك لبرامج التخسيس. وأرجو ألا يفكر مقترحو الرسوم بمنظور صاحب الحديقة المبدع، كما أرجو أن يعلم أولئك وغيرهم أن هناك من لا أقول إنهم يصطادون في المياه العكرة، بل يعكرون المياه ليصطادوا فيها.
يطرق أسماعنا بين الفينة والأخرى مثل هذه المبادرات المدعومة بالتبريرات وكأننا لسنا في بلد من أكبر البلدان تصديراً للنفط، وولاة أمره وفقهم الله لا يفتئون يكررون التوجيه برعاية مصالح المواطنين، فالمواطنون الذين يحملون الولاء لدولتهم ولولاة أمرهم، يعلمون أنه كما أن لهم حقوقاً شرعها الله تعالى لهم، والتزم بها ولاة أمرهم، فإن عليهم واجبات تجاه دولتهم، وهذا ما قرره مؤسس هذا الكيان رحمه الله تعالى، وهنا أطرح بعض الأسئلة على وزارة المواصلات:
أولاً: هل راجعت وزارة المواصلات ميزانيتها بجميع أبوابها بشكل فيه شمول قبل أن تفكر في فرض الرسوم؟ ثم هل أعادت الوزارة النظر في تكاليف تنفيذ وصيانة الطرق، مستخدمة في ذلك وسائل ترشيد الإنفاق التي لاتضر بالجودة أو الأداء؟ فلننظر مثلاً إلى بعض الطرق التي تصان أجزاء منها من قبل وزارة المواصلات، وأجزاء أخرى من قبل جهات أخرى، فمستوى الصيانة مشاهد ولا أريد الحديث عنه، وظروف الطريق واحدة، فكم هي تكاليف المتر المربع عند وزارة المواصلات؟ وكم هي تكلفته عند الجهات الأخرى؟ وعند التفكير في فرض الرسوم هل فكرت الوزارة في قصرها على المتسببين الرئيسيين في إفساد الطرق من )الأنانيين( الذين لاهم لهم إلا أنفسهم وأولئك هم القادرون على تحمل هذه الأعباء )الرسوم(.
ثانياً: هل فكرت وزارة المواصلات وغيرها في وسائل أخرى يمكن أن تعالج الوضع دون الحاجة إلى مس المواطن أو المقيم بشيء من المكوس؟ كالتخصيص مثلاً.. وتجربة وزارة الشؤون البلدية والقروية التي أعلن عنها سمو وكيل الوزارة للتخطيط والبرامج قبل أسابيع خير شاهد على أن هناك بدائل كثيرة قبل اللجوء إلى فرض الضرائب.
وأخيراً: الحمدلله أنه لايوجد شر محض. بل ما من شر إلا ويواكبه بعض خير، فرغم ان التصريح فيه غبن وغم للمواطنين، فالبشرى تزف إلى من هم أحوج إليها، وهم قليلو الدخل مثل سكان بعض مناطق المملكة كسكان شريط الساحل الغربي، ومدن الشمال، وجبال السروات، الذين )ربما( لن تشملهم الرسوم )حسب تصريح الوزير(؛ لأنهم لن يجدوا طريقاً بديلاً عن طرق الموت مثل طريق الساحل، أو )التابلاين( أو الطائف الباحة، إلا إذا كان مفهوم الطريق ذي المواصفات الجيدة يشمل تلك التي لاتزال حبيسة التصاميم، فهنا تدخل تلك الطرق مثل: طريق الطائف الباحة الذي تم التبشير به قبل أكثر من ستة عشر عاماً، ورفعت الوزارة مناسيبه عن طريق بعض دور الهندسة، ورسمت معالم المرحلة الأولى منه على الطبيعة، ولكنه لم ير النور؛ لأسباب لا يعلمها إلا الله، فجزع أصحاب تلك المناطق حينها. فليعلموا اليوم أنه كان في الأمر خيرة والحمدلله، فهاهم اليوم لن يدفعوا الرسوم، ما لم تنفتح الشهية ثم يتراجع عن الاستثناء، أما أن تفقد كل أسرة فرداً أو أكثر فالشكوى إلى الله، فهذا قضاء وقدر. ثم أن التهور، والسرعة، والمركبة، والعجلات، والأنعام، والأمطار، والضباب، وقيادة كبار السن، وعبث الأطفال، وعدم ربط الحزام، وغيرها، هي السبب! وليحمدوا الله الآن، فهم مستثنون في حين أن غيرهم سيدفع الرسوم أو يذهب إلى...، إلى الطريق البديل ذي المواصفات الجيدة.قد لاتغير مقالتي هذه من عزم المتقربين بالرسوم على المقدور عليهم، ولكن لعلهم يعيدون النظر فيما يسعون إلى اقتراحه، وأن يراجعوا الأمر ما داموا يستطيعون المراجعة، وأن يتقوا الله تعالى في عباده، ولاسيما أن دولتنا وفقها الله لم تبخل على مواطنيها، وسعت وسخرت الكثير من الإمكانات لخدمة جميع فئات المواطنين، وهذا ما أكد عليه ولي الأمر حفظه الله في خطابه الأخير للجهات، ونحمد الله تعالى أن أمر الرسوم لم يترك لكل من شاء كيف شاء، بل قيد بموافقة مجلس الوزراء، وإلا لرأينا العجب، وما أحلم الله على عباده... أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يرزق ولاة أمرنا البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، وأن يجنبهم بطانة السوء، وأن يحفظ على هذه البلاد وأهلها أمنهم ورخاءهم، والحمدلله رب العالمين.
حمود السالمي
|
|
|
|
|