| الاقتصادية
تعد التجارة الخارجية سببا في التصنيع ونتيجة له في الوقت نفسه. ويتوقف كسب اي دولة في العالم من تجارتها الدولية على ما يعرف بمعدل التبادل التجاري الدولي والذي هو عبارة عن متوسط قيمة الصادرات الى متوسط قيمة المستوردات. وتستحوذ الدول المتقدمة على النصيب الوافر من حيث مساهمة الصادرات الصناعية الى اجمالي الصادرات العامة فيها. اذ انها تحتل اكثر من 80% من حجم التجارة الدولية بينما لا تزيد نسبة الصادرات في الدول النامية عن 15%.
ومنذ اتفاقية ليما عام 1972م نال موضوع ادخال الدول النامية الى منظمة التجارة العالمية اهمية كبيرة وكان يعتبر امرا مهما لما له من خطوة تساهم في مكافحة الفقر فيها. وكانت المناقشات في جولة اوروجواي اكثر تركيزا على تفعيل دور منظمة التجارة العالمية الأساسي خاصة في مشاركة الدول الأكثر فقرا نحو تحسين اوضاعها الاقتصادية. وتمثل هذا الدور انذاك للمنظمة في عدة محاور منها:
1 اعتبار التحرير التجاري لجميع دول العالم امرا حيويا ومن عناصر الاستراتيجية الشاملة الهادفة الى الاسراع من معدلات التنمية العالمية وخفض مستويات الفقر. كما ركزت المناقشات على تخفيض الديون المتراكمة وتقديم المساعدات المالية من منح وهبات وغيرها املا في تحسن ميزانها التجاري.
2 ان تساهم الدول المتقدمة في تقديم الخبرات التقنية للدول النامية. فقد يؤدي لاحقا الى توفير فرص دخول الأسواق التجارية الخارجية. وعلى ان تكون تلك الفرص مركزة على مساعدات تنموية تمكن الدول الفقيرة من احداث تغير نوعي وكمي سواء في هياكلها الاقتصادية او البشرية ولكي تتحول تدريجيا الى شركاء تجاريين للدول المتقدمة. ورغم هذه النقاط الايجابية الا ان سياسات الدول المتقدمة الاقتصادية في قبولها ودعمها للمناقشات اوروجواي ادت الى اثارة الشكوك حول جدوى نظام التجارة الحرة الدولية. فلم تتغير نسبة وحصص الدول المتقدمة من التجارة الدولية كثيرا خلال الثلاثة العقود الماضية. كما ان نسبة الدول النامية من التجارة الدولية بقيت في مكانها تتراوح بتغير طفيف لا يزيد عن 4% لنفس الفترة. وهو تغير اقل مما كانت ترجوه الدول النامية لخروجها من معضلة الفقر التي تعاني منها منذ استقلالها. ولا تزال سياسات الدول المتقدمة للتجارة الدولية محط شكوك لانها تريد الحفاظ على تصريف منتجاتها الصناعية لأسواق الدول النامية المستهلكة دون ان تقابلها اي منتجات محلية منافسة لها. كما تريد ضمنيا ان تبقي الدول النامية في نفس حالها التقني وكمصدر اولي للخامات التي تحتاجها مصانعها "التبعية التجارية" .
وهي ايضا تخشى من ظهور مواقع انتاجية اخرى تؤدي الى كساد وركود اقتصادي في حال اتخاذه لقرارات ازالة الحواجز الجمركية والتي سوف تؤدي طبيعيا الى دخول صادرات وسلع وخدمات الى اسواقها. ومع ذلك فهناك قناعة تامة من جميع الاطرف في المنظمة ان مشاركة الدول النامية في نسبة معدلات التجارة الدولية لها ايجابيات نحو اقتصاد عالمي متوازن مستقر. فشعوب الدول النامية يزيد تعداده عن 5 مليارات نسمة يحصل سكانها على جزء بسيط من ارباح وحجم التجارة الدولية بينما سكان الدول المتقدمة لا يزيد تعدادها عن مليار نسمة تنال منتجاتها الجزء الأكبر من ارباح وعوائد التجارة الدولية. ويلاحظ ان معدل التبادل يتحسن بالنسبة للدول المتقدمة وفي الوقت نفسه فانه يسوء بالنسبة للدول المنتجة للمواد الأولية ذلك لأن النسبة التي ترتفع بها اسعار المنتجات الصناعية تتفوق على النسبة التي ترتفع بها اسعار المواد الأولية. فنجد ان صادرات الدول المتقدمة من اجهزة وسيارات قد تتضاعف عدة مرات خلال الثلاثة العقود الماضية بينما صادرات الدول النامية من موادها الخام الزراعية والمعدنية بقيت اسعارها كما هي ان لم تنخفض في اسعارها الحقيقية. ويثار هذا الوضع غير العادل في المناقشات التي تدور ما بين فترة واخرى اثناء انعقاد مؤتمرات الحوار بين الأطراف المعنية الا ان النتائج الايجابية الملموسة تكاد تكون عديمة لمصلحة الدول المنتجة للمواد الأولية حتى الآن.
وعليه فان الحاجة ماسة لتحقيق تغير سريع عالمي في الاجراءات الاقتصادية التي يتم تقديمها الى الدول النامية. ونجد ان نقاط ضعف سياسات التجارة في الدول المتقدمة تقيد النمو الاقتصادي العام. وغالبا ما اقترن ارتفاع وتقلبات اسعار الصرف الحقيقية بعدم الاستجابة في جانب الصادرات لتحرير التجارة مما ادى الى زيادة التكاليف بالنسبة للمصدرين على السلع المستوردة المعاد تصديرها الى الدول المتقدمة. وعلى الرغم من التقدم السريع نحو تحرير التجارة العالمية فانه يبدو ان الدول النامية الفقيرة لا تزال غير قادرة على تحقيق زيادة مقبولة في مستويات المعيشة الفردية أو حتى في الحفاظ على حصتها من الصادرات في الأسواق العالمية. واي معالجة شاملة لسياسات الدول المتقدمة الاقتصادية من شأنها ان تشجع التنويع التجاري وازالة الحواجز الجمركية مما يفترض عليها تقديم المساعدات والخبرات بفعالية اكبر ومساهمة سخية عما تفعله حاليا. وان تقتنع بحتمية مشاركة الدول النامية في النظام التجاري العالمي بنصيب لا يقل عن 30% خلال العقدين القادمين. واذا لم تستطع صادرات الدول النامية ان تنمو بمعدلات اسرع من معدلات نمو عبء خدمة ديونها الخارجية فانها ستعجز عن سداد ديونها وستضطر في النهاية الى الطلب من الدول الدائنة بان تعيد جدولة الديون مع ان هذه الاعادة لن تحل مشكلة تفاقم الديون بها هذا من ناحية. ولا بد لها من ناحية اخرى ان تتلافى انخفاض معدل التبادل التجاري في غير صالحها بالعمل على عدم ربط نفسها اقتصاديا بدولة اخرى حتى تتمكن من بيع صادراتها بالاسعار المناسبة وبالتالي تحصل على قيمة صادراتها كاملة مما يساعدها في تنمية نفسها. ولها ان تحذو حذو الدول المتقدمة فتشترك بعضها مع بعض في مجموعات سوقية تفتح امام بعضها البعض مجال التبادل وفتح اسواق لتوزيع منتجاتها الصناعية التي تجد صعوبة في تنافس مثيلاتها المنتجة في الدول المتقدمة.
|
|
|
|
|