| الثقافية
الرقص
غلب على الفن الياباني من قديم العصور الوسطى فن الرقص الذي كان يقدم عادة في الأعياد وفي زمن الحصاد الزراعي. كما انتقلت الفنون الى اليابان قادمة من الصين والهند، الا ان الرقص الياباني سرعان ما كوّن له اصولا وقواعد خاصة به لم يُعثر عليها في كل القارة الآسيوية )على غرار الساروجاكو SZARUGAKU بمشهدها الكوميدي الصامت، الدنجاكو DENGAKU الرقصة الموسيقية المنتزعة من الريف القديم، استعمل اليابانيون في عروضهم الراقصة هذه القناع الخشبي على وجوه الراقصين. وبدءاً من القرن 14 ميلادي يدخل الحوار الدرامي الى الرقص الطقوسي ليحمل الاحداث في طياته وليصعد على خشبات مسارح بدائية على شاطىء النهر وفي استعانة بالدراما الصامتة الى جانب الموسيقى المصاحبة، وتعاون الممثلين بحركات الاكروبات التي تقدم البهلوانيات والحيل البارعة.
مسرحيات النو:
لفظة NO تعني فن القُدرة. والنوهي الميلودراما اليابانية احد انواع الأدب القومي ورافد من روافد الثقافة والفروسية اليابانية.
والدراما هي خليط من لغة الشعر والنثر، وفن كتابتها يوازن بين المأساوية وبعض مشاهد الكوميديا اضافة الى التمثيل الصامت )البانتومايم(. الاهمية في درامات النو تقع على الرقص الطقوسي، اما الحوار المسرحي والغنائيات فهما عاملان مساعدان لحركات الرقص، لشرح المواقف الراقصة او التعليق على مضامينها بجانب دور الكورس في المسرحية.عدد ممثلي النو من الممثلين لا يزيد عن اثنين فقط، ودور البطل بينهما هو الحامل للقناع، الذي عادة ما يتميز بالاسلبة بدل الواقعية مساعدا في شرح خصائص شخصية البطل.يمثل الرجال في النو أدوار النساء، وهي في العادة دراما قصيرة لذلك يحتمل العرض المسرحي تقديم خمس درامات من النو.
الاولى بعنوان )شنت( تمتدح الخالق الاعظم، والثانية )نانت( تمجد البطولة في الحروب، والثالثة )رجوت( بطلتها عنصر نسائي، والرابعة )كيوت( تحمل لُبَّ التراجيديا المأساوية، والخامسة الخاتمة بعنوان )كيت(. في درامات النو تتركز الاحداث والرقصات على النصف الثاني من العرض. لغة النو هي اللغة اليابانية القديمة، الموضوعات شعبية وتاريخية وقصص غراميات تختتم في الكيت الخامسة بظهور اشباح الموتى. تغلب على الديالوجات الحوارية القراقوزية كعامل من عوامل التخفيف للجماهير عن الحوادث المأساوية التراجيدية.لم تستمر درامات النو كثيرا على المسرح الياباني، اذ سرعان ما احتلت درامات اكثر تنوعا خشبات مسارح اليابان وحجمت كثيرا من انتشار النو. ويبقى للمسرح الياباني اليوم 250 دراما من نوع النو لا يزال بعضها يصعد على خشبة المسرح المعاصر هناك، او تحمله الفرق المسرحية اليابانية التي تجوب العالم في رحلات فنية )عرضت مصر عام 1966م عرضا لدراما النو قدمته فرقة مسرحية حكومية يابانية(. اشهر دراما من النو بعنوان )لباس من الريش(.ويشير الدكتور ابراهيم حمادة الى دراما النو بقوله: «ولقد اجتذب هذا اللون المسرحي الطبقة العليا في المجتمع الياباني القديم».*
مسرحيات العرائس:
صعدت المسرحيات العرائسية على المسرح الياباني واحتلت تاريخيا الفترة الزمنية الفاصلة بين درامات النو ودرامات الكابوكي. انتقلت عروض مسرح العرائس من الشوارع والأسواق الى دار مسرحية خاصة بها عارضة موضوعات الفروسية والمغامرات. واشهر الفرق العرائسية اليابانية فرقة لاعب العرائس هيكيتا HIKITA التي عملت في القرن ال 18 الميلادي على انتشار هذا الفن واكسابه شعبية واسعة في كل جزر اليابان، بعد تطوير صناعة العروسة من الطين المجفف الى الخشب لتتحمل الصراعات الدرامية في المشاهد المسرحية.
في عام 1685م يفتتح تاكيموتو جيدايو بمعاونة المغني جوروري مسرحا للعرائس في اوساكا. سرعان ما انشأ المسرح مدرسة به لتعليم فن تحريك العرائس. وبتعاون الفنانين تاكيموتو، اتشيكاماتسو مونزيمون خرجت اول درامات الكابوكي بأسلوبها المعروف حاليا.
دراما الكابوكي
مسرحية غنائية راقصة وهي اكثر الدرامات اليابانية القديمة شعبية. فن التمثيل بها قومي الى درجة كبيرة. بدأت الكابوكي بدايات درامية ضعيفة، بل وبدائية اذا جاز التعبير. مشاهد كوميدية تفتقر الى عناصر الدراما واخرى من الرقص الصامت. بدأت درامات الكابوكي برقصة أدتها الراهبة اوكوني O.KUNI على شاطىء النهر. ثم انضم اليها بعض الممثلين بحوار تعاطفي للمارة. ودخلت الى العرض الكابوكي الى جانب الرقص والممثلين آلات الناي والطبلة والجيتار في العاصمة ادو EDO )طوكيو اليوم( صعدت النساء في عروض الكابوكي ، ثم احتجبن ليقوم الرجال بالادوار النسائية بعد ذلك، في حرص من الدولة على الاخلاق العامة.
بميلاد الكابوكي وانتشاره في مسارح اليابان، تراجع في البداية مسرح العرائس طوال القرن 18 ميلادي )كانت درامات الكابوكي في اوج انتشارها( ولم يسترد مسرح العرائس سمعته الا في نهاية القرن نفسه، وبعد ان طوّر تويوتاكي تلميذ تاكيموتو من ميكانيكية العروسة بحيث تودي رقصات صعبة الحركة والتحرك على خشبة المسرح، وبعد زيادة عناصر الاوركسترا الموسيقى وبناء المسرح الدوار لسرعة تغيير المناظر المسرحية.
تتطور، درامات الكابوكي في طور آخر لتصبح اكثر شعبية وسحرا للجماهير بفضل دراميين جدد، وخطط نهضوية، وتجديد بارع في التقنية والاجهزة، وممثلين بارعين )اتشيكافا دانجورو، ساكايا تورجورو(، يبرز منهم يوشيزافا ارجامي في الادوار النسائية. ونظرا لمحاولة الممثلين تقليد حركة العرائس السريعة والصعبة عادة فقد ارتفع مستوى فن التمثيل في الدرامات الكابوكية الى درجة عالية من الاتقان.
عملت درامات الكابوكي على خشبة مسرح بسيطة في البدايات فوقها سقف، والجماهير منتشرة حول الخشبة ثم ظهر ستار المقدمة مؤخرا، وكوبري بين الخشبة والجماهير سمي )طريق الورود( لامتلائه زخرفيا بالزهور المختلفة. الديكورات رمزية ايحائية في البداية ثم تطورت الى الطبيعية بتواجد المروحة والسيف.
حركة الجسد عند الممثلين تلعب دورا هاما في عرض الكابوكي. اما الأزياء، تصفيف الشعر، دهان الوجه فكلها أشياء زخرفية معاونة للعرض. الاهم هو الرقص واللغة القديمة في الحوار المسرحي والمغامرات وقصص الحب في الموضوع الدرامي.
مسرح القرن العشرين:
مع اهلالة القرن العشرين يحدث عديد من التغيرات التي تؤثر بالضرورة على الموقف الثقافي ومن ثم على الأدب الدرامي والمسرح.
جاءت التغييرات قوية حتى انها حركت من جمود وغيّرت من تقاليد سادت قرونا طويلة في قارة آسيا. بدأت اليابان حركة الاصلاح حافظة مبدأ الاستقلال بينما الصين التي عانت طويلا من القوى الامبريالية والتبعية انحازت الى الضد اما الهند ذات التاريخ الاستعماري البريطاني فقد تحررت، لكن النظام الاجتماعي لها لم يتغير كثيرا. هذا بينما تتبع كل من كوريا وفيتنام النموذج الصيني، اما اندونيسيا فتظل متأرجحة بين النظامين الهندي والياباني.
هكذا تنقطع كل العلاقات والتأثيرات الثقافية بين الصين واليابان، ومع ذلك فقد تطور كل من الأدب والثقافة في البلدين، كلٌّ وفق ما اختاره من طريق. الا انه من الملاحظ ان عصرية القرن العشرين وتقاليد آسيا الشرقية ظلتا في صراع مثَّل تقدماً في التقنية في كل من تياري الرأسمالية والاشتراكية.
كان من اهم اسباب هذا التقدم وصول الانتاج الثقافي الاوروبي خاصة في فنون المسرح الى بعض بلاد آسيا. مع الاعتراف حقيقة بأن الفنون الشرقية الآسيوية لم تستطع حتى اليوم من الوصول الى مشارف الثقافة الأوروبية او الآداب الغربية.
يبدأ عصر المسرح الياباني الحديث باصلاحات ما يدجي MEIDZSI وفتح موانىء اليابان امام التجارة الاوروبية، وتطور الاقتصاد، الامر الذي ادى الى الدور الهام للحياة الثقافية اليابانية. وكان ذلك يعكس ترجمة الحياة الديمقراطية الغربية داخل اليابان. وفي الآداب كما في الثقافة المسرحية ويعود الفضل الى اتسوبوتشي شورجو )1895 1935( الكاتب الياباني. وكتابه )اهميات القصة( من عدة دراسات يواجه فيها بالنظرة العصرية الادب المواعظي التقليدي القديم النزّاع الى الاسراف في القاء المواعظ على الآخرين والمقصود به التعليم لا الفن الخالص. رافضا ما يسمى بالمعتقدات الخيالية وثائرا على العناصر المثيرة للشفقة. في التصوير الادبي والفني، ومهاجما دراماتورجية اتشيكاماتسو بشخصياتها الانتظامية المتماثلة في بِزَّةٍ نظامية واحدة، متهما الضعف الشعري عند هايكو وتانكا، وكل ما يتعلق بأعراف المجتمع وتقاليده الموروثة وعاداته المتبعة في ابداع الآداب والفنون، ناقدا، وباحثا مُستلهما اشكال التغيير، مُستبشرا بالعبقرية الحقيقية في الاعمال الدرامية. لم تقف جهوده عند النظريات وحدها، بل ترجم كل اعمال الانجليزي وليم شكسبير الى اللغة اليابانية للدلالة على فعالية المسرح في الحياة.وبالتعاون مع الكاتب الدرامي سيمامورا هوجاتسو كوّنا )جماعة الآداب والفنون( التي افرزت المسرح التجريبي الياباني الذي وسّع من عرض الآداب الدرامية العالمية )تاجر البندقية شكسبير هملت، نورا او بيت الدُّمية هنريك ابسن( على المسرح القيصري.
دراما الكابوكي الجديدة:
تمتد اصلاحات اتسوبوتشي الى دراما الكابوكي الجديدة SIN KABUKI بمحاولاته وعدد من زملائه الدراميين لتعصير وادخال نزعات عصرية وتعبيرات تبحث عن اشكال من التعبير الفني جديدة تقطع صلات الماضي على برامج الانتاج المسرحي. وخرج المسرح الحر الياباني ليؤكد درامات الكابوكي الجديدة من ناحية، ثم ليعرض في عصرية الدرامات الغربية والاوروبية )اعمال تشيكوف ، جوركي(. ويتخصص المسرح الياباني )المسرح الجديد( في عرض المسرحيات الغربية، والدرامات اليابانية المتأثرة بدراماتورجيا الغرب.وفي فن الالقاء وفن التمثيل فقد ابدع ممثلو المسرح الياباني في خلق شكل خاص بالالقاء، وتعبير خاص بفن التمثيل في رفض لأشكال التمثيل الخطابية والحماسية والانفعالية الاصطناعية.
وحقق كُتّاب الدراما الجدد تطوير المسرح الياباني المعاصر بكتاباتهم وافكارهم الجديدة والملائمة لروح عصر الازدهار )اريسيما تاكاأو بعد دراسته في الولايات المتحدة يُحقق نظريات الروسي تولستوي في مسرح اليابان( ، )موشانو كورجي سنياتسو يكشف مشكلات صراع الاجيال في درامات سيكولوجية جميلة(، )إرجون اتشيرون ينقل الى المسرح الياباني اجواء ونفسيات درامات الأوروبيين بو، بودلير، اوسكار وايلد في قالب آسيوي شرقي(. والمسرح الصغير في اليابان يعرض اعمال تشيكوف، والالماني فرانك فيديكند. الروائي والدرامي اكوتاجافا ريوسوك يتخصص في التراجيديات الكئيبة الملنخولية. ومسرح الفن الياباني يعمل على المسرحيات التجريبية الجديدة. ويعمل الدرامي ايزومي كيوكا على درامات الجروتسك وفكاهاته الاليمة. هكذا يصل الأدب الدرامي والمسرح في اليابان وفي سرعة ونشاط الى مستوى المسرح الاوروبي في الكلاسيكيات والطليعية والمسارح التجريبية ولا يزال الكابوكي القديم والحديث يصعدان الى اليوم على خشبات مسارح العاصمة طوكيو. وبعد الحرب العالمية الثانية انتشر ما يسمى بمسرح التهيج. مسارح تسعى الى الجنس في عروضها، الا انها لم تستمر طويلا بعد تضييق الخناق عليها فقد اختفى هذا النوع من مسارح اليوم.
كما ظهرت مسارح اطلق عليها المسارح البروليتارية. وحاليا يقوم الأدب الدرامي على اكتاف كُتّاب كبار )تاناكا إتشيكاكو، فوكورا كوزون، كينوشيتا ارجوندجي( وكلهم دفعوا بالآداب الدرامية اليابانية لنيل جائزة يوميوري JOMIURI للآداب.
هامش:
* أ.د. ابراهيم حمادة، معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، دار المعارف، القاهرة 1985 ص 654.
|
|
|
|
|