| مقـالات
عقد في الفترة من 19 21 من شهر ذي القعدة المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير العاصمة. وهذه هي المرة الأولى التي يعقد فيها مهرجان يستهدف فئة عزيزة علينا من أبناء الوطن الذين حرموا من رعاية أحد الوالدين أو كليهما وأصبحت الدولة هي المسؤولة عنهم من منطلق أنها ولي من لا ولي له. وحضر هذا المهرجان الخيري نخبة كبيرة من رجال الاجتماع والنفس والفكر والعلم والإعلام والأدب، وجمهور غفير من المواطنين ودارت فيه حوارات هادفة ودافئة. وكان اللقاء في عمومه يدور حول الأسس العلمية للتعامل مع اليتيم ومبادئ الرعاية الاجتماعية والنفسية والتربوية لهذه الفئة المتغلغلة في نسيج المجتمع والمندمجة فيه. واستمع الحاضرون لطرح يتضمن خلاصة الأفكار، ونتائج الدراسات والبحوث في هذا الميدان الرعائي الذي تظلله هوية إسلامية ووعي علمي، وتأهيل متوافق للقدرات والطاقات والاستعدادات ومواكب لمتطلبات وخصائص النمو الإنساني داعم للتفاعل السوي مع أنساق المجتمع ومنظماته، بغية ترشيد القيم الفردية والاتجاهات الشخصية وصهرها مع ثقافة المجتمع والشخصية الوطينة. وأشار هذا اللقاء الثري بمعطيات الأساتذة العلماء المتحدثين فيه والمداخلات الفاعلة من قبل الحاضرين الى ان الشخصية الإسلامية شخصية متميزة بصحتها النفسية، وأن الوعي العلمي الصحيح يعمل على دعم الشخصية وصقلها وتأهيلها للتفاعل السوي مع مكونات الحياة ويبعث على الأمن والأمان النفسي والاستقرار والرضى بما يحوط بهذه الشخصية من عوامل وأن الغاية من النظام التربوي هو تكوين الشخصية الإسلامية السوية الواعية الصالحة لإعمار الكون والخلافة وفقا لشرع الله الحكيم الذي يهدي الإنسان للمنهج الإعاشي الحياتي الواقعي في مقوماته وخصائصه والذي يرسم له سبل الانتماء والولاء الوطني، وطرق مواجهة التحديات التي لحقت بالمعلوماتية وتقنيات الاتصال والتطور التكنولوجي. وأن مواجهة هذه التحديات العصرية تتم بهدي من المبادئ الإسلامية وترتكز على منظومة أخلاقية معيارية تحصن الشخص من التردي في عبثية الفكر اللامتوافق مع الثوابت في العقيدة.
ومن مفردات التناول في اللقاء ان طرح البعض فكرة الاستغناء عن مؤسسات إيواء الأيتام تلك التي يطلق عليها دور التربية الاجتماعية النموذجية، والاكتفاء بتقديم أوجه الرعاية المناسبة داخل البيئة الاجتماعية ذاتها. وفات هؤلاء المنادون بهذه الفكرة أن ثمة جمعاً من المودعين بهذه الدور إما لصعوبات تحول دون التكيف، أو ليس لهم عائل، وغير مرتبطين ببيئة اجتماعية أو طبيعية، أو لعوامل أخرى ليس من المقبول طرحها والخوض فيها إلا أنها عوامل مهيئة للأسواء السلوكي. إذا لم يستند الأمر الى توفر سبل علاج مناسبة تتضمن تعرف الإمكانات المتاحة والطاقات والقدرات الذاتية والعمل على استثارة واستغلال هذه الامكانات والطاقات كي يكون استثمارها لصالحه والاستفادة بموارد المجتمع لدعم هذا الاستثمار فهو الوسط الذي يعيش فيه داخل الدار. إن الرعاية التي تقدم بهذه الدور ليست هدفا بحد ذاتها بل هي وسيلة لصقل شخصية المودع بها لتمكينه من التصدي للصعوبات التي تواجهه في التفاعل مع المجتمع. إذن في هذه الحالة يعتبر وجود المؤسسة عاملاً هاماً لتحقيق تكيف نزلائها وتمكينهم من العيش في بيئة صحية سليمة تبعث على الرغبة في تحسين نوعية الحياة والتوافق الاجتماعي والنفسي مع الآخرين وتنظيم العلاقة مع أنساق المجتمع بشكل أساسي. وهو أمر قد يكتنفه الإخفاق في بعض الأحيان إلا أنه يمثل عنصرا اجتماعياً لا غنى عنه في استجابة المجتمع لاحتضانه. وهذا وحده يمثل حقيقة إنسانية خالصة. وتدعيما للنظام المؤسسي، وفي ضوء ما تم طرحه في اللقاء يمكن القول أن الحاجة ماسة لتزويد البرامج الرعائية المؤسسية ببدائل تأهيلية جديدة ومعايير عمل متنوعة المضامين، ومثيرة لاهتمام النزلاء وان تكون ذات علاقة بحياتهم العامة، وأن تتاح لهم فرص متزايدة للاندماج، وان تطرح هذه الفرص بعيدا عن النمط التقليدي، ولن يتم ذلك إلا بانفتاح هذه الدور الرعائية على المجتمع تماماً، وهو عامل أساسي في تحقيق المواطنة الصالحة على أن تتضمن هذه البرامج أساليب داعمة للتطور الذاتي وكذا التحفيز لتوليد الإرادة للعيش في رضىً وقناعة بالواقع المعاش. والمطلوب لذلك توفير الاتجاهات والمفاهيم الذاتية، والقيم التي تحيل أحداث الحياة الى خبرات تربوية. ومن المتيقن ان المهارات اللازمة لذلك جد متوفرة فقط يلزمها كشف الاستعدادات لاستقبال التعلم، والانفتاح العقلي لتقبل الأفكار والاتجاهات واكتساب مهارات استخدام المعارف والتعلم من الآخرين، وهذا يعتمد على الاختصاصيين العاملين بهذه الدور والمؤسسات ومدى ما يكتسبونه من فنيات التعامل مثل: التفهم والتعاطف مما يجعل النزيل مقتنعا وراضيا، والتأكيد على عوامل الحفز لإمكانية التغيير، وتعديل الاتجاهات، وتوجهيه الاستجابات، وتفسير الدلالات الموقفية سواء المتصل منها بذات الشخص كانفعالاته وميوله ورغباته، أو المتصل منها بالخطوات أو الصعوبات القائمة والماثلة أمامه، وكذلك الإمكانات المتاحة، ووضع أنسب السبل للاستفادة منها. ومساعدة هذا الشخص على الوعي بإدراك كنه الدوافع المؤثرة في مسلكياته وتصرفاته وانفعالاته وعلاقاته، وذلك ليكون على استعداد لتقبل واقعه الذي يعيشه، وكذلك تقبل المواقف التي تمربه، وإدراك المؤثرات الخارجة عن ذاته، وبذل كافة الجهود التي تبعث الأمن والطمأنينة في نفسه، وتحقيق توافقه على المستوى الطبيعي الحيوي الذي يؤهله للملاءمة، وعلى المستوى النفسي والمجتمعي، وهذا الذي يهمنا أن نطلق عليه )التكيف( مع الوضع في الاعتبار ان فشل التكيف معناه مزيد من المشكلات على المستوى الاجتماعي ومنها الاحباط بسبب الفشل في الاشباع، وعلى المستوى النفسي. والشخصية السوية هي الشخصية المتوافقة التي تخرج من التفاعلات المختلفة دون ان يلحق بها الإحباط أو الفشل جراحه.
والآن هل يمكن الاستغناء عن هذه المؤسسات وترك هذه الحالات لمصير غير معلوم؟
مندل بن عبدالله القباع
|
|
|
|
|