| العالم اليوم
يروى التاريخ العربي المعاصر نسبياً، يروي حادثة تتعلق برجلين احدهما يَضرِب والآخر يُضرَب. ويستوحي احد رسامي القرن التاسع عشر الميلادي، عاش ظروف الحادثة التي يعود تاريخها الى العام 1827م، او أنه قرأ عنها، يستوحي لوحته الفنية وفيها يظهر هذان الرجلان على النحو الذي سبق. الرجل الاول في الصورة يعتمر طربوشا من الطراز الذي كان سائدا في المغرب العربي في اوائل القرن التاسع عشر. واما الثاني فانه يعتمر قبعة فرنسية، فيما تنم وقفته رغم وصول المذبّة التي يضرب بها الى وجهه، عن انه شخصية متماسكة وربما ذات قدر كبير على ضبط الاعصاب.
ومن المعروف لدى دارسي تاريخ العرب ان هذه الحادثة التي وقعت في العام 1827 كما اسلفنا. جرت خلال مقابلة القنصل الفرنسي المقيم في الجزائر وبين الداي حاكم الجزائر، وذلك على خلفية مطالبة الجزائر بدفع ما ترتب عليها من ديون لقاء استيراد القمح من فرنسا في وقت سابق لمواجهة ضائقة اقتصادية المت بالبلاد.
في اثناء المقابلة، كما تذكر التقارير السياسية الفرنسية التي جرى الافراج عنها بموافقة دوائر الوثائق الفرنسية بين سلسلة وثائق اخرى تتعلق بالعلاقات الفرنسية العربية، قبل بضعة عقود فائتة، تبين ان القنصل الفرنسي مارس ضغطا لا يحتمل على الداي حاكم الجزائر، وكان الضغط على الشكل التالي: تسديد الدين فورا والتنازل على جملة من الحقوق السياسية التي كانت بحوزة الحاكم.
عند هذه النقطة لابد ان يكون رد فعل حاكم الجزائر بحجم قوة الضغط. فما كان منه الا ان صفع القنصل بالمذبّة التي كانت في يده.
وبذلك سنحت فرصة لا تعوض لفرنسا فسارعت الى استثمار الحادثة، وتطويق الجزائر لمدة سنتين متواليتين )18271828(. وحين اعيتها المحاولات والحيل. لجأت الى استخدام القنابل وانزال قواتها المظلية في العام 1829، وبقيت تكرر القصف وعمليات الانزال حتى تمكنت من تحقيق مأربها باحتلال الجزائر في العام 1830. وبذلك ايضا، دخلت فرنسا في المتاهة التي لم يكن الخروج منها سهلا، الى حين خرجت مدحورة امام المقاومة الوطنية من ارض الجزائر، في العام 1962م.لقد كان الثمن باهظا، كما كان ثمن استقلال البلاد العربية الاخرى باهظا ايضا، ولكنه كان الثمن الذي لابد ان يدفعه اي بلد يريد ابناؤه ان يعيشوا كرماء احرارا واسياد القرار فوق ارضهم الوطنية.
ان معاناة شعبنا العربي عبر تاريخه القديم والحديث نسبياً من النادر ان يجد لها الدارس والباحث مثيلا ومع هذا حقق انتصارات باهرة على غزاة الارض واعداء التاريخ لانه كان وسيبقى حاضن التراث الانساني العظيم، المتجسد برسالاته السماوية، وسيبقى قادرا على مسح غبار الامس عن تاريخه، تاريخ الامس، الامس الملطخ بصور القهر والاستعمار.
samerlouka@net.sy
|
|
|
|
|