| مقـالات
يقول أهل الخليج :)حَشْرٍ مع الناس عيد( ويقول السعوديون: )الموت مع الجماعة رحمة!(.. حسنا تمعن في هذين القولين وحاول تحليل اسباب الميل والركون الى جانب )الجماعة( وتفضيلها الى الدرجة التي يصبح الموت والحشر معها جماعيا ! رحمة وعيدا.. في الحقيقة ثمة تفسيران لهذه الظاهرة: الاول منهما ثقافي بينما الآخر نفسي، اما الثقافي فهو ما تتسم به المجتمعات الشرقية من توجهات جماعية.. من اعتمادية على الجماعة وانصهار بها الى حد احساس الفرد بالتلاشي نتيجة لانضوائه تحت راية المجتمع فكرا وسلوكا، على خلاف ما هو سائد في الغرب والماثل في تقديس الفردية ومنح الفرد كل وسائل الاستقلالية الى حد العزلة والوحشة وقطع أواصر التواصل الاجتماعي. اي الحالتين افضل يا ترى؟.. ذوبان الفرد في المجموع كما هو ماثل لدينا ام استقلال هذا الفرد عن الجماعة بغض النظر عما يعتقده ويفعله غالب افراد هذه الجماعة؟.. بالطبع لا يتسع المجال هنا للمقارنة الموضوعية بين هذين النمطمين الحياتيين وان كان بالامكان القول ان لكل منهما مساوئ ومحاسن حيث ان التواصل الزائد عن حده )يرفع الضغط!(. يعني وبكل صراحة )غثيث!( استدلالا بالقول المأثور الصارخ محذرا: «مروا ذوي الارحام ان يتزاوروا ولا يتجاوروا»، بينما العزلة وعدم التواصل والفردية لها من السلبيات كذلك ما هو متجل في غرب زماننا هذا الامر الذي يحتم القول بأن الاعتدال هنا وهناك هو النهج السليم والاسلم على غرار البيت القائل عجزه.. كلا طرفي كُل ِّ الامور ذميمُ.
اما التفسير )النفسي( لتغليب جانب الجماعة فيكمن في ما يعرف علميا)بالحرمان النسبي RELATIVE DEPRIVATION( وهذا مصطلح يفيدنا بأن الالم )حشراً وموتاً( يصبح عيدا طالما احس الفرد بأنه جزء من الجماعة وذلك بسبب الشعور بالسواسية والمساواة.. بالقناعة التامة بالواقع.. بانعدام الفروقات الفردية مما ادى الى انصهار الجميع وتماسكهم على الخير والشر جماعيا وهذا في الحقيقة ما يفسر غياب مشاعر الحسد والانانية والغيرة )والحش بالقفا!( لدى اوائلنا قياسا علينا وذلك لان اوائلنا كانوا في )الهواء سواء!( فقرا وجوعا وخوفا ومعاناة مما كفاهم تبعات شرور مقارنة هذا بذاك وحماهم من الشعور بالحرمان ومشتقات الحرمان من حسد وخلافه.. بمعنى آخر، ان الحرمان المطلق الذي عانى منه اوائلنا قد حماهم من علل عصرنا هذا والناجمة من شعورنا بالحرمان النسبي )النفسي في الغالب( وذلك لان مقارنة ما لدينا بما هو لدى من هو في وضع افضل منا قد حرمنا من نعمة التلذذ والتمتع بما لدينا، فلا غرو اذن ان يصرخ لسان حال اوائلنا الاماجد قائلا: مد رجليك على قدر لحافك..!
..بل لهذا قال الشاعر:
العيش لا عيش الا ما قنعت به
قد يكثر المال والانسان مفتقرا! |
|
|
|
|
|