أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 12th March,2001 العدد:10392الطبعةالاولـي الأثنين 17 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

قراءة في كتاب
الحياة الاجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية
تأليف الأستاذة هتون أجواد الفاسي
عبدالله الصالح العثيمين
قالت الاستاذة هتون )ص 156(: «الدية هو )وصحتها لغوياً هي( نظام توصلت اليه الجماعات الانسانية بعد ان توافرت لديها الاموال بعد اعتمادها على الزراعة. ويقوم النظام على فكرة مؤداها ان ارتكاب العمل غير المشروع يسبب ضرراً للغير يمكن تعويضه عن طريق المال، ومن ثم ينزل هذا التعويض منزلة الجزاء والعقوبة. وبهذه المثابة يقوم الجاني واهله بتسليم عدد من عبيدهم او ماشيتهم لاهل المجني عليه. بل وكأن الجاني يعمد احياناً لتقديم اخته او احدى قريباته للمعتدى عليه فيما لو لم تتوافر له الاموال اللازمة للفداء.. وبعد أن قوي سلطان رؤساء القبائل، ومن باب اولى بعد ظهور الدولة، اصبحت الدية اجبارية كما اصبح مقدارها موكولاً الى التحديد الذي تقوم به السلطة العامة».
وقد اقتبست الاستاذة هتون الكلام السابق من كتاب هشام علي صادق «تاريخ النظم القانونية والاجتماعية». وهذا الكلام فيه ما يحتاج الى تمحيص. فالقول بأن الدية نظام لم تتوصل اليه الجماعات الانسانية الا بعد ان توافرت لديها الاموال نتيجة اعتمادها على الزراعة قول ينقصه الدليل. فليس من المسلم به ان الجماعات الرعوية لم تأخذ بنظام الدية، اذ كانت الدية موجودة لدى هذه الجماعات وجودها لدى الجماعات الزراعية او التجارية. وفي الكلام ذاته ما ينص على ان الماشية تدفع دية، اضافة الى العبيد. ووجود الابل، التي هي من الماشية او الثروة الحيوانية، لدى المجتمع الرعوي يجعلها قابلة ان تدفع دية. والقول بأنهن لم يتوصل الى نظام الدية الا بعد توفر الاموال لا يؤيده ما ذكر في الكلام نفسه من ان الجاني يعمد احياناً لتقديم اخته او احدى قريباته للمعتدى عليه اذا لم تتوفر له الاموال اللازمة للفداء. فعدم توفر الاموال لم يكن عائقاً عن تقديم بديل لها. والقول بأن الدية لم تصبح اجبارية الا بعد ظهور الدولة لا يتفق مع ما في الكلام من ان الجاني كان عليه دفع عبيد او ماشية او التعويض عنهما بأخته او قريبته، وذلك قبل ظهور الدولة. وتقديم الاخت او القريبة، او المال، دية يكون عادة الى اولياء المعتدى عليه لا كما ورد في الكلام المقتبس الى المعتدى عليه نفسه. فمن اوجب الاعتداء عليه دية لم يبق، في اغلب الاحيان، على قيد الحياة بعد ذلك الاعتداء حتى يقدم اليه ما يقدم، او من تقدم.
ثم قالت الاستاذة هتون بعد اقتباسها السابق ، اعتماداً على نقش لحاني:
)يبدو ان دية الانسان كانت بتقديم اللحم والشحم للإلهة..، ويخصص جزء من ا لدية الى معبد. وجزء منه )صحتها منها( الى قبر المقتول ولكنه للاله سلمان. وهذه الدية وتقسيماتها تخضع لميزان دقيق. ويتضح كذلك من هذا النص ان للاخت او الاخ حصة ما في هذه الدية وان لم تكن محدودة واضحة(.
وما اوردته الاستاذة هتون، اعتماداً على ذلك النقش، يدل على ان من حقت عليه الدية يقدم الجزء الاكبر منها للمعبودات الوثنية، لا لاهل المجني عليه. وهذا احتمال وارد، فيكون عندئذ مالدى اللحيانيين مختلفاً عما اقتبسته من تعريف هشام صادق للدية. لكن من المحتمل، ايضاً، ان تكون قراءة النقش غير دقيقة، وان القراءة الصحيحة له: ان من دفعت اليهم الدية )اولياء المقتول( هم الذين قدموا الجزء الاكبر من الدية لتلك المعبودات، ولم يبقوا الا جزءاً منها لاخت المقتول او أخيه. اما الجاني فيدفع الدية كاملة الى اولياء المجني عليه. وبهذا يكون ما ودر في النقش منسجماً مع التعريف العام المقتبس للدية.
قالت الاستاذة هتون )ص 162(: «لا يعتقد كانا كيس ان روابط افراد القبيلة بعضهم ببعض هي روابط دم بل يرجح ان تكون روابط اقتصادية او روابط عمل».
ولم تعلق على هذا الرأي، مما يوحي بأنها تراه صحيحاً. وقد اشارت الى ان النظام السياسي والاجتماعي للبدوي لم يمتلف كثيراً في مجتمعه القديم عن مجتمعه عنذ ظهور الاسلام وربما حتى الآن. وعلى هذا فإن رأي كانا كيس شامل للروابط القبلية في اي زمان. ورأيه هذا ليس من المسلم بصحته. ذلك ان الانتماء النسبي كان اساس روابط قبائل جزيرة العرب عند ظهور الاسلام، وهو كذلك عند قبائل هذه الجزيرة في عهودها الحديثة. على انه من المعروف ان القبيلة يمكن ان ينضم اليها افراد او جماعات من خارجها، فيصبحوا في عدادها. لكن الانتماء النسبي يظل الرابطة الاساسية للقبيلة.
قالت الاستاذة هتون )ص 213(: )الدين فطرة خلقت مع الانسان منذ بدء الخليقة(. مستشهدة بالآية الكريمة )فطرة الله التي فطر الناس عليها(. لكنها قالت بعد ذلك: )يفسد رشيد الناضوري حاجة الانسان للدين منذ اقدم العصور بأنه شعور الانسان بعدم الامان من جميع الاشكالات المحيطة بحياته خاصة من وجود الموت الذي يفقد مع الامان لمستقبله.. فلجأ الى الفكر الديني الذي كفل له الامن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والنفسي لحياته الدنيوية والاخروية وان اختلف هذا الفكر في درجته واشكاله حسب حاجة كل مجتمع ودرجة رقيه العقلي(.
ولم تعلق الاستاذة هتون على كلام الناضوري مما يوحي بأنها لا تعترض عليه. ومن الواضح ان كلامه يجعل الاشكالات المحيطة بالانسان هي التي تلجئه الى الفكر الديني ليجد حلاً لتلك الاشكالات. فالاشكالات هي الملجئة، والانسان هو الذي يأخذ المبادرة باللجوء الى الفكر الديني. فهل ينسجم هذا التوجه مع التوجه السليم الذي اعربت عنه الاستاذة هتون في اول حديثها، مستشهدة بالآية الكريمة المفيدة بأن الله هو الذي فطر الانسان على الدين؟
ثم قالت الاستاذة هتون )ص 214(: )وما نشأ علم الفلسفة الا لمحاولة الاهتداء عقلياً الى الالوهية القادرة الموحدة لكل ما يحيط بالبشر ومن اعجاز يبقى مؤثراً في احساسه مثيراً لكوامن عقله للتفكر في الخالق والوصول اليه وعبادته على الوجه الذي يليق به(. ولم تشر الى انها اعتمدت في هذا الكلام على احد. ومن غير المسلم بصحته القول بان علم الفلسفة لم ينشأ الا لما ذكرت الاستاذة هتون انه نشأ من اجله. ثم ان عبادة الله على الوجه الذي يليق به لا تؤخذ من علم الفلسفة، وانما تؤخذ مما انزله الله على رسله من وحي وما اخبر به هؤلاء الرسل عنه سبحانه.
قالت الاستاذة هتون )ص 215(: )والبيئة التي يسبح اهلها في الصحاري يقدسون ما يعينهم على معرفة طرقهم في الفيافي من نجوم وكواكب، وما يهديهم في ليلهم وينير لهم ظلمتهم ويؤنس ساهرهم كالقمر سيد آلهة سكان الصحراء(.
ولم تشر الى انها اعتمدت في كلامها، هنا، على اي مصدر او مرجع.
وسواء اكان ما ذكرته دقيقاً او غير دقيق فان البحث العلمي يقتضي توثيق مثل هذا الامر. على اني لا اعتقد ان اهل الصحراء وان قدس بعضهم النجوم والكواكب الا انهم لم يقصروا على تقديسها وحدها.
ثم قالت الاستاذة هتون: )عبد عرب شمال غرب الجزيرة عدداً كبيراً من الآلهة، منها ما كانت آلهة سماوية، ومنها آلهة طبيعية، ومنا آلهة حيوانية، ومنها آلهة بشرية، ومنها ما مزج من جميع هؤلاء او بعضهم(.
ولم تشر الى انها اعتمدت في كلامها هذا على اي مصدر او مرجع. ومن المرجح ان ما قالته صحيح. لكن كان ينبغي ان يوثق لتكون فائدته اكبر.
قالت الاستاذة هتون )ص 216(: )اشترك عرب الشمال والجنوب في عبادة اله واحد. وقد كان الاله الرئيسي عند الشعوب السامية منذ العصور التاريخية.
فهو اله العالمين وليس اله قبيلة او شعب.. وهو الذي دعا اليه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإله القرآن يتفق وإله العربية القديمة في الصفات والالقاب والاسماء(.
وقد اشارت الى انها اعتمدت في ذلك على نليسن.
ولعل من المستحسن ازالة ما يمكن ان يحدث من لبس لدى بعض قراء الكلام السابق. صحيح عرب الشمال والجنوب القدامى بل ومن عرب ما قبيل ظهور الاسلام من كانوا يصفون الله بصفات الربوبية التي وردت في القرآن الكريم او في حديث الرسول محمد ، صلى الله عليه وسلم. لكن هذا الرسول المصطفى لم تكن دعوته مركزة على هذا الجانب، الذي كان يقر به معاصروه من المشركين. بل كانت دعوته مركزة على افراد الله سبحانه بالعبادة، او ما يسمى بتوحيد الالوهية. فاولئك المشركون، الذي منهم من كانوا امتداداً في معتقداتهم لاسلافهم القدامى، كانوا مقرين بصفات الربوبية لله، لكنهم لم يوحدوه في عبادته بل انكروا وعجبوا ان جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، الآلة الهاً واحدا.
قالت الاستاذة هتون )ص 275(: )يبدو ان شعيرة الحج كانت من الشعائر والطقوس الدينية القديمة في جزيرة العرب. وقد عرفه اقوام عدة. فنجد ان عرب شمال الجزيرة من لحيانيين او معينيين او انباط، قد عرفوه ومارسوه(.
وقد استدلت على ذكل بقراءة كاسكل لمخربشة لحيانية في الحجر.
ومن المعروف ان الحج الاعظم كان يتم الى مكان يحج اليه في جزيرة العرب، وهو بيت الله الحرام في مكة، منذ ان امر الله سبحانه نبيه ابراهيم، عليه السلام، ان يؤذن في الناس بالحج. وكانت جوانب مهمة في حياة قريش قبل الاسلام قائمة على الحج. وعبارة )يبدو ان شعيرة الحج كانت من الشعائر والطقوس الدينية القديمة في جزيرة العرب( عبارة توحي بأن وجود الحج في هذه الجزيرة لم يكن مؤكداً في الزمن القديم. وهذا خلاف الثابت تاريخياً. ولعل ما تفيده قراءة كاسكل للمخربشة اللحيانية في الحجر هو انه كان هناك سفر الى معبودات او آلهة وثنية هناك، وان هذا السفر كان يسمى حجا، او انها تفيد ان الحج في الجزيرة العربية قديماً لم يكن مقصوراً على الحج الى بيت الله الحرام في مكة. بل يشمل أمكنة اخرى، منها تلك التي في شمالي غرب الجزيرة العربية.
واخيراً اكرر ما قلته اولاً من ان هذه القراءة لكتاب الاستاذة هتون الفاسي متصلة بالمسائل الفرعية، او الثانوية، التي يمكن لقارئ غير متخصص مثلي ان يبدي رأياً حولها، وان ادراكي لمقدرتها البحثية، وتفوق المشرف على رسالتها، اضافة الى مكانة من ناقشوها يوفر الثقة بجودة تناول الموضوع الاساسي للكتاب الرسالة.
والله ولي التوفيق

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved