| عزيزتـي الجزيرة
اعتقد ان الظروف من العوامل الاساسية التي توجه شخصية الفرد الى سلوكه وتصرفاته كما انها تؤثر في تكوين صفاته على المدى الطويل.
واذا استيقنا بذلك فسنستبعد امورا كالتفوق العلمي والتوسع المالي او التجاري والتركيب الجسماني والنسب المرموق والجينات الوراثية وغيرها من كونها عوامل اساسية تؤثر في شخصية الفرد الى عوامل ثانوية ومن كونها معايير لحسن التصرف الى عوامل تساعد على حسن التصرف. ولكي يتضح ذلك ساضرب امثلة تبينه، فمثلا تجد ابا متعلما متسلطا قد نزع الثقة من ابنه فاصبح الابن يبني تصرفاته على نظرات متشائمة وخوف مبالغ فيه من العواقب وعلى عدم اقدام على ادنى الاعمال بل قد يجره ذلك الى الكذب الذي يكون علامة من علامات حديثه بينما تجد رجلا اميا لا يعرف كتابة اسمه لكنه احسن تربية ابنه فزرع الثقة فيه فأدى ذلك الى اعتماد الابن على نفسه وادراكه لحجم الامور والى التعبير عن ارائه بكل صراحة فالاول تكونت له شخصية ضعيفة اثرت عليها تلك الظروف التي تربى عليها والثاني تكونت له شخصية قوية كان للتربية الصحيحة اكبر الاثر في تكوينها، وايضا فقد تجد رجلا غنيا يفعل الكثير من التصرفات الخاطئة فتراه يطيل السهر ويكثر السفر ويمارس التدخين بينما تجد رجلا فقيرا ادرك مضار السهر وخطورة التدخين فاجتنبهما مع ان الاول فاق الثاني بكثرة امواله ولكنها لم تساعده على بناء سلوك حسن ولا على القيام بتصرفات سليمة ولكن الذي اثر على سلوكه ظروف قوية التأثير كاصدقاء السوء او سوء تربية والديه او غيرهما.
فاتضح ان الامور التي ذكرتها سابقا ليست عوامل اساسية تؤثر في توجيه شخصية الفرد كما انها ليست معايير للافضلية بل هي عوامل مساعدة. ولكن يجب التنبيه الى الدقة في اطلاق كلمة )الظروف المؤثرة(.
فالتربية صحيحة كانت او خاطئة تسمى ظرفا والبيئة المحيطة بالانسان تسمى ظرفا ايضا كما ان اصدقاء السوء ظرف والاصدقاء الخيرين ظرف والفقر ظرف وكونك اكبر اخوانك او اصغرهم ظرف ايضا وكل ما يؤثر في شخصية الانسان مباشرا يسمى ظرفا مؤثرا وقعه كوقع الدَّين على المدين او وفاة الاب على اليتيم ومن هنا اتسعت دائرة الظروف غير انها لم تشتمل على الامور التي ذكرتها سابقا لانها لا تؤثر على الانسان تأثيرا يغير سلوكه بل انها قد تساعد بطرق غير مباشرة في ذلك كما وضحت ذلك بالامثلة.
وللظروف اثار تختلف باختلاف حياة الفرد وبيئته فمثلا الفقر ظرف نقص يؤثر على شخصية الفرد مما يستوجب على الفرد ان يكمل ذلك النقص بتصرفات قد تكون مصطنعة كالطيبة الزائدة او عرض الخدمات المجانية على الناس او كثرة الحديث في الاجتماعات والمجالس او البروز بدرجة علمية عالية حتى يستطيع في اعتقاد نفسه ان يحاذي شخصيات من يصاحبهم او يتعايش معهم ولك ان تضرب مثالا عليك او على غيرك وسترى ذلك مقنعا. انني قد استنبطت عدة امور اراهن بأهميتها ومنها:
اولاً: انك تستطيع تهذيب سلوك اي انسان بتهيئة الظروف الجيدة والمناسبة له وخاصة اذا كان الانسان ابنا او قريبا وموظفا تحت ادارتك.
ثانياً: من الامور المهمة ان تعتقد ان كون الانسان غنيا او ذا نسب جيد ليس سببا في افضليته على غيره اذ ان التصرفات الحسنة والسلوك المستقيم لا يقاسان بامور كهذه.
ثالثاً: انك من خلال اقتناعك بما سبق ستستطيع ان تدخل قلب اي شخص تود الدخول اليه والطريقة هي ان تدرس صفاته وتصرفاته ثم ستظهر لك بعض من ظروفه الايجابية والسلبية التي اثرت عليه فيتضح لك ذلك الشخص فإذا كانت ظروفه التي اثرت على صفاته سلبية فيجب عليك ان تستسهل تلك الظروف الصعبة التي عانى او يعاني منها بطرق غير مباشرة وعليك ايضا ان تركز على اهمية التصرفات التي يقوم بفعلها تعويضا عن تلك الظروف التي يعاني منها حتى يحس بقربك الشديد منه ، اما اذا كانت ظروفه ايجابية فستفعل العكس والمهنة ستكون اسهل.
رابعاً واخيرا: من الامور ايضا انك ستتعرف على حقيقة علاقاتك الاجتماعية حينما تستنتج الاهداف المبينة والمرسومة تلقائيا من علاقتك بشخص اخر فإذا تعرفت على اهدافك واهدافه من هذه العلاقة ستظهر لك الظروف التي اثرت على بناء تلك العلاقة ومن هنا سيكون بامكانك التغيير ولو بشيء بسيط وستجد انك تضع شيئا من الواقعية في علاقاتك الاجتماعية بدلا من علاقات مبنية على مجاملات تتحجم بحجم الانسان نفسه وقدرته على البذل والافادة.
سعود بن عبدالعزيز بن غنيم
الدلم
|
|
|
|
|