| محليــات
كان السؤال: لماذا يفسخ ثوبه المرء عندما ينتقل من مجتمعه إلى مجتمع آخر...، فلا يبقى في ستر ثوبه، ولا يحسن ارتداء ثوب غيره؟...
تلك معضلة التربية...
والتربية تركيبة معقدة...، وبقدر ما لها من علائق، ووشائج... بقدر مالها من شؤون، وشجون...
الإنسان يولد على الفطرة...
والفطرة محجة...
لكنها ليست تبقى كذلك.. إذ تعاجلها كلُّ المؤثرات، والعابرات، والمقتربات، والخاطفات، والمتغلغلات..، والممتزجات، والداخلات، والنافذات، والكاسحات، والنازلات، و... من البعيدات والقريبات من تلك المؤثرات...
المرء لا ينشأ في فراغ...
ولا يمارس الحياة في معزل عن الحياة...
لكن.. ماهية الحياة التي يمارسها...، تتكوَّن من كلّ مُكَوِّنٍ لهذه الحياة...
وهذا المكوِّن ليس فرداً، ولا قولاً، ولا فعلاً، ولا عاملاً، ولا جواً، ولا غذاءً، ولا... ولا... وإنما هو كلُّ ذلك وسواه...
فكيف لامرئ واحد وهو يقع تحت طائلة كلِّ هذا الكلِّ، من مكوِّن ما هو فيه، ومن حوله، أن ينجو من سطوة التأثير في فطرته، والتغيير فيها؟...
فهو إن جاء للحياة صفحة بيضاء...
فإنَّ مكونات ما حوله في الحياة سوف تشكِّله...، وَتلوِّنه...، وتُزخْرفه...، وتفعل فيه ما يظهر منه، وعليه فيما بعد... وعنه بعد ذلك...
فما الذي يظهر منه، وما الذي يبدو عليه؟ ... وعنه؟....
تلك محصلة المكوِّن الذي يكوِّنه...
لذلك لا تقوم فيه للفطرة محجة....، ذلك لأنَّ فطرته واقعةٌ تحت سطوة ما تهيئه له الحياة مما هو له، ومما هو فيه...، تلك هي بيئته التي تُنَشِّئُهُ، وتربِّيه، وينمو فيها، «فاعلاً» بعد ان يكون «مفعولاً».. ثم هو هما معاً...
لذلك فإنَّ ما يكوِّنه، هو مكوِّنه الذي يبدأ في حياكة ثوبه الخارجي (سلوكه)، بمثل ما يفعل في حياكة ثوبه الداخلي.. مكوناته عقله تفكيره ومشاعره إحساسه ومقاصده نواياه ، فكلُّ فعلٍ من مكوِّنه، له ردَّةُ فعلٍ في داخله، فردَّةُ فعلٍ من خارجه...، وهكذا هي عمليةٌ مترابطةٌ، دائرية، تبدأ من نقطة لتعود إليها...، تبدأ من فراغ الفطرة، لتعود عن دائرة المكوِّنات المليئة بكلِّ ذلك الذي يمثل الإنسان...
لذلك من الصعوبة استبدال الثِّياب في طرفة عين...
ولا يتحقق ذلك إلا بفعلٍ له ردة فعلٍ غير مستقرة...
وردة الفعل في الإنسان تستقرُّ إن تقبَّل ما تلقَّاه وَقَبِلَهُ...، أما إنْ لم يقبلْ ما تلقَّاه تكون ردَّةُ الفعل فيه غيرَ مستقرةٍ...، وعند ذلك فقط يمكن أن يخلع ثوبه بيسرٍ، ذلك لأنَّهُ ثوبٌ غير ثابتٍ...
هذه هي عملية التربية...
والذين يربُّون، ولا تثبت الثياب التي يحوكونها، لابدَّ لهم من معرفة نقاط الضَّعف في مغازلهم...، ذلك لأن الثَّوب الذي لا يثبُتُ، يكون فضفاضاً، أو فيه نتوءات، أو فيه ثقوب، أو يكون بخيوط قابلةٍ للتمزق...، على عكس الذين يبذلون، ويجهدون، ويحسنون اختيار خيوط الثِّياب التي يطرزونها كي تكون قويةً لا تقبل التمزُّق، أو الفضفضة...، المربون وحدهم من الآباء، والأمهات، والمعلمين، والمفكرين، والإعلاميين...و...و... هم الذين يُسألون عن تلك الثياب التي تلقى على قارعات الأرصفة، بمجرد أن ينتقل أصحابها إلى مجتمعات غير مجتمعاتهم...، وما عليهم إلاَّ «لملمة» هذه الثِّياب، وإعادة النظر في عوامل خلعها وأسبابها...، ومن ثمَّ معرفة ضعفها كي يتسنَّى لهم الاختيار الأنسب، للثَّوب الأنسب، لكلِّ ذي فطرةٍ بين أيديهم.
|
|
|
|
|