| الثقافية
اللغة هي تراث كل امة وهي ركيزتها الحضارية وجذورها الممتدة في باطن التاريخ.
«ولغتنا العربية كما يقول د. طه حسين يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها .. الخ».
ومنذ زمن ليس بالبعيد كان اللحن او الخطأ في اللغة نطقا وكتابة امرا خطيرا تهتز له اقلام المتخصصين، ويمتعض منه كل انسان غيور على لغته وتراثه.والآن .. اصبح الخطأ في اللغة لا يستحي منه المرء.. ولا يكترث به رجال اللغة، ولم تعد الغيرة على اللغة كما كانت من قبل، وكما ينبغي ان تكون!.. بل ان من خطورة الامر ان يصبح الخطأ امرا عاديا طبيعيا، وتصبح الغيرة على اللغة ورد الخطأ ضرباً من المبالغة والتحمس غير المحمود!!اننا نرى ونسمع ونشاهد كل يوم في وسائل اعلامنا وفي صحفنا وفي متاجرنا وشوارعنا واعلاناتنا الخطأ تلو الآخر، نطقا في المذياع والتلفاز او كتابة في اولهما، وفي غيرهما من وسائل الاعلام والاعلان، ولا نحرك ساكنا!!
انه لمن المؤسف حقا ان ينصب الانسان الفاعل ويرفع المفعول به والحال، ولا يعرف اعراب الصفة والمضاف اليه والاسماء الخمسة وماذا تفعل حروف الجر وعلى ماذا تدخل.. ولا يفرق بين همزة الوصل والقطع ولا بين )ال( الشمسية والقمرية، ولا يعرف قواعد الهمزات ولا التنوين، ويخطئ في الحركات فيتغير المعنى!!
لقد ثار العالم اللغوي الشهير «الخليل بن احمد الفراهيدي» في زمن الدولة العباسية على رجل كان جالسا يتلو بعض الآيات القرآنية من سورة التوبة :«وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولُه» نطقها الرجل «ورسولهِ» بكسر اللام وليس بضمها كما نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وبالطبع يتغير المعنى تماما بتغير حركة واحدة على حرف واحد.. فما كان من الخليل الا ان ثار على الرجل قائلاً : ماذا تقول يا رجل»؟! قل«ورسولُه» بضم اللام، فبرر الرجل خطأه بأن المصحف في ذلك الوقت لم يكن به اية وسيلة تقيد القارىء بالنطق السليم ، وكانت البداية التي تحرك لها عقل ووجدان العالم الشهير، وعكف على دراسة مخرج لذلك حتى توصل الى الحركات المتعارف عليها الآن كالفتحة والكسرة والضمة والسكون» الخ.وذكر ابن جني في الخصائص ان رجلا لحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ارشدوا اخاكم فانه قد ضل».وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يضرب ابنه على اللحن في الكلام.وسمع الاصمعي رجلا يدعو : ياذو الجلال والاكرام، فقال له : من كم تدعو؟ قال: من سبع سنين دأباً، فلم أر الاجابة، فقال : ما اسمك؟ قال : ليث فأنشأ يقول : «ينادي ربه باللحن ليث: لذاك اذا دعاه فلا يجيب». فقال له :«قل ياذا الجلال والإكرام».وقال عبدالملك بن مروان :«اللحن في الكلام اقبح من الجدري في الوجه» ، وقال : «شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن».
وقرع رجل باب نحوى وكان ضعيفا في اللغة فخرج ولد له، فقال الرجل : يا صبي اباك ابيك ابوك هاهنا؟ فقال الصبي :لا لي لو!
وكما ان الخطأ في اللغة نطقا امر له خطورته، فان الخطأ في الكتابة أمر أخطر وأجل فالكتابة تبقى كنوع من التوثيق: فالخط يبقى زمانا بعد كاتبه : وكاتب الخط تحت الارض مدفون والخطأ في الكتابة ولا سيما في المكاتبات الرسمية والهامة من تقارير ومعاملات ووصفات اطباء وغيرها مثل عدم وضوح كلمة، او اهمال حرف، او تحريك نقطة من مكانها الى مكان آخر. قد يحدث مشكلة وكارثة لا قدر الله.فكثيرا ما تطمس حقائق علمية هامة بسبب رداءة الخط، وكثيرا ما تضيع حقوق بعض المتقاضين في المحاكم لنفس السبب، وغالبا ما تترك وتهمل كتب قيمة لسوء خطها وإخراجها.وحياة المريض قد تكون ثمنا لخطأ الطبيب في كتابة حرف! وعدم دقة حرف او خط في رسم هندسي لمهندس قد تكون سببا في كارثة لا قدر الله.انني اهيب بالمسؤولين عن التعليم في بلادنا العربية ان يحصل طلابنا وطالباتنا في الجامعات بجميع تخصصاتها على قدر معقول من القواعد الاساسية للغة العربية، وقدر معقول من قواعد الكتابة الاملائية والخط حتى نضمن ان يكون لدى كل خريج قدر من الثقافة اللغوية نطقا وكتابة، ولا يكون فريسة لأخطاء بسيطة تنال من مكانة لغتنا وجوهرها وبريقها، وتنال من مكانته هو اذا كان مسؤولا او في مكان مرموق او من رجال التعليم والثقافة والاعلام.
محمد محمود رطيل
|
|
|
|
|