| مقـالات
منذ احتكاك الغرب بالشرق في الحروب الصليبية والغرب لا يتوانى عن إطلاق التسميات العنصرية على الشرق الإسلامي انطلاقاً من أسس جهل فاضح بحق عقيدة المسلمين وقيمهم الإسلامية. فلقد تراكم لدى الغرب، كما يقول العالم الفرنسي )رودنسون(، كم هائل من المعلومات المغلوطة والمشوهة عن الشرق الإسلامي إلى حد أن المسلمين كانوا يُنعتون بالمتوحشين، بالوثنيين ... بعبدة محمد، لتعقٌب هذه المرحلة موجة الاستشراق مؤصلة ومؤطرة ما حاكه الصليبيون عن المسلمين من أساطير وخزعبلات، كما يقول العالم الأمريكي من أصل عربي إدوارد سعيد في كتابه الشهير المعنون ب )الإستشراق(.
يواصل الغرب سياسة إطلاق الألقاب المحقرة للشرق الإسلامي فيمهد الطريق أمام الاستعمار ليلتهم معظم مناطق الشرق الإسلامي ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وهنا هل توقف الغرب عن حياكة الألقاب المهينة على الشرق؟ بالطبع لا حيث إن الاستعمار لم يكْفه امتصاص موارد وخيرات هذا الشرق فحسب، بل فعل ما في وسعه لكي يخلق التبعية والاعتمادية عليه خصوصاً حين بدأ يلوح في الأفق بوادر رحيله ونذر جلائه على إثر استيقاظ الشعوب المستعمرة ووعيها بذاتها وإدراكها مأساوية واقعها. هربت الأفعى الاستعمارية بيد أنها هربت وهي )تولي على أشياء وأشياء( خلفتها في مستعمراتها السابقة هذه، من ضمنها إقحام دول الشرق في منظمومة اقتصاد رأسمالية أدت إلى اختلاط معالم الاقتصاد الجديد بمعالم الواقع الاجتماعي الموغل بالتقليدية مما دفع بهذه الدول نحو متاهات التخلف بدليل ما هو ماثل في عصرنا هذا من انفجارات سكانية، وفقر وعوز وحاجة، وتناحر وحروب ...
لم يكف الغربيين استعمار وتجفيف منابع وموارد اقتصاديات هذه الدول بل سارعوا إلى توزيع ألقاب التخلف عليها لتصبح دول الشرق المتحررة من نير الاستعمار في الأمس فقط دولاً متأخرة Backward وما هو السبب يا ترى؟ .. قطعاً ليس الاستعمار بل القيم والتقاليد المحلية البريئة. يفرِّغ الزمنُ مضامين هذا اللقب ليعقبه لقب آخر: دول متخلفة Undeveloped وهكذا ومن لقب سيء إلى لقب أسوأ وصولاً إلى لقب )العالم الثالث Third World( الأمر الذي نجم من المركز الثالث هذا «ثالوث» الفقر والجهل والمرض الذي لا يزال يخيم على غالب أرجاء هذا العالم المنكوب من العالم. تستيقظ بعض دول العالم ثالثية من غفوتها، ويتعلم من يتعلم من أبنائها، فسارع الغربيون بمكافأتهم بلقب جديد لا جديد فيه سوى «للجاهل به!»: هذا اللقب هو دول العالم النامي Developing Countries وكما توحي مضامينه وسياقاته فثمة «اتجاه ما» وقسري أمام الدول النامية ... وجهة سفر حضارية واحدة ... طريق هي السالكة فقط ... مرجعية ... قدوة.. اقتفاء أثر.. محطة وصول .. وتجاه من .. وخلف من .. ونحو من؟ بالطبع تجاه الغرب وخلف الغرب ونحو الغرب: القدوة .. النبراس .. المرجعية ... التجربة الحضارية الوحيدة المتفردة تاريخياً ... وهلم جرا .. وتلفيقا!
ماذا يعني كل ما سبق «اختزاله» من وهن وذل وظلم تاريخي؟ .. إنه يعني الكثير من «أقله» حقيقة قبوع أهل الشرق لحظتنا هذه على قارعة قطار «العولمة» انتظاراً للغرب أن يتكرم فيسبغ عليهم لقباً جديداً مناسباً لهذا العصر الجديد على إنسانية غرائزها المتوحشة ليست بجديدة البتة ..!
... لعمري )ولقهري!( ما هو هذا اللقب الجديد القادم .. وهل يا ترى سيكون هناك )خيارات؟!( ..
للتواصل ص ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|