| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
في هذا العصر المزدحم.. المترهل بآثار الحضارة كما يزعمون المليء بدوائر التناقض.. وبرامج الغزو الفكري المقنن.. تتبعثر اوراق الشباب.. وتحتار اذهان النشء .. امام معطيات الزمن المسكون باللهاث .. قوافل الحضارة تركض فوق ساحات المعرفة.. ركام معرفي هائل.. ثورة معلوماتية متدفقة.. تزرع مشاعر الحيرة وتثير اصوات البلبلة في افكار الابناء.. المذهولين بزئير التقنية.. احسب اني امارس قراءة متأنية في ملامح الاذهان الفتية.. المولعة بكل جديد.. الراغبة في الانطلاق.. ومجاراة رياح التقنية التي تهب حاملة دعوات التغريب.. للتأثير في العادات.. ومسح التقاليد.. وتحجيم الاعراف.. بل عزل الشباب عن خصوصيتهم الدينية.. حقا هناك اساليب مغرضة تحملها مبتكرات العصر لفك ارتباط شبابنا بموروثهم الاصيل.. ونزع انتمائهم الاجتماعي...
نعم.. لقد هيمنت تقنية العصر.. على عقول الجيل.. وأسهمت في تشكيل اتجاهاتهم.. وتلوين ميولهم.. وسحبهم من ثقافتنا العربية والاسلامية التي هي الرافد الرئيسي لبناء حضارة ناصعة ليظل السؤال قائما: كيف يمكن ان نحافظ على منجزاتنا الفكرية ومكتسباتنا الاجتماعية وتقديمها للنشء لتكون هي الهاجس..
أجل.. ما احوج هؤلاء الفتية الى )الأنموذج( الذي يصوغ افكارهم ويبني شخصياتهم بناء حقاً لتكوين جيل نافع.. يؤدي دوره في خدمة الدين الحنيف والمشاركة بفاعلية في حضارة الوطن الغالي..
ليس من المفيد ان ينشأ أولئك تحت مظلة القنوات الفضائية او في مقاهي الانترنت.. او عبر جلسات لم تكن طارئة في برنامج ليلي معتادة في احضان الشيشة وربوع البلوت لتشكل ملامح )الفكر المبجل(..
ومنهم من عشق الرحلات وألف ركوب السيارات ومضى يجوب الحارات ويذرع الطرقات بحثا عن مشاريع الترويح وقتل الوقت..
وهناك من شغف بالمعاكسات الهاتفية ممارسا ازعاجا مستبداً يكشف قلة الوعي وغياب التربية وانتكاس المفاهيم.. انه يعكس خللا في نفوس النشء وشرخا في عقولهم.. وقصور الدور المجتمعي.. وانحسار الرقيب الاسري .. وقبل كل شيء ضعف الوازع الديني.. ترى هل فشلت مؤسسات التربية في ان تتحكم بثقافة النشء وتبرز لهم )الثقافة القدوة(؟
أعيدوا قراءة الدور الذي تمارسه )المدرسة( في حياة اولئك .. وقوّموا الاثر الذي تتركه في تجربتهم الحياتية.. ستجدون ان المدرسة التي هي بيت العلم ودار المعرفة لم تزل غير قادرة على احتواء اهتمامات ابنائها.. من اهل التحصيل بنين وبنات.. وظلت ثقافة القشور تستخوذ على عقولهم وتسيطر على رغباتهم في ظل غياب )الانموذج( او )القدوة( ولا تستغرب أن يتمنى بعضهم ان يكون )لاعبا معروفا( او )فنانا مشهوراً( وكذا )بعضهن( حينما يلوحن بالاماني .. ان تبرز كمغنيه لامعة.. او مذيعة بديعة.. او ممثلة تتصدر الأغلفة.. ولم تزل الاحلام الوردية تهطل على افكارهم هطولاً مثقلاً بأمواج التقليد.. والتجديد.. وحب الانفتاح ولا سيما مع غياب الممارسة الاسرية الواعية لدى الكثير من ارباب الاسر بصورة تجعله.. يجعل احوال العائلة واتجاهات الاولاد.. وكأن الهم الاول توفير المأكل والملبس وربما تحمّل المعلمون والمعلمات نصيبا من هذا القصور التربوي لدى النشء بانشغالهم بهواجس النصاب .. ومشاكل الإعداد وكشوف النتائج ليستحيل آل التدريس إلى كتاب يسجلون الأسماء ويرصدون الدرجات.. ويدونون خطوات التدريس .. مما يجعل ثلة منهم تنعزل عن )الفضاء الاهم(.. أعني فضاء التربية..
وأعيد القول .. اكرر الخطاب.. لا بد من الاقتراب .. اي ملامسة عقول جيل الغد وقراءة ابعاده النفسية عن كثب بدلا من تركه للقناة الفضائية.. ومواقع الانترنت الإغرائية.. والمعاكسات الهاتفية.. والرحلات المكوكية..
لا بد من ان تمارس التربية دورها الاعلامي الكبير.. تلك مسؤولية المجتمع بكافة شرائحه بدءاً من المنزل والمدرسة.. والاعلام بكل اشكاله..
عقيدتنا السمحة ينبغي ان نغرس مبادئها الغراء في نفوس فلذات الاكباد لتضيء عقولهم وتصون سلوكهم.. وتحفظ جوارحهم.. وتعمق شعورهم الديني وحسهم الايماني.. وطننا المعطاء لا بد من ان يكون لغة جميلة تلوّن شفاههم تستحيل الى )موقف مشرق( يلون سواعدهم الفتية لينهضوا مشاركين في بناء حضارته بحماس واخلاص.. فلم يزل الوطن يحتفي بأبنائه الباذلين.. ويسعد بذلك الانتماء الاصيل..
أجل.. اعداد جيل نافع.. تربية النشء.. مسؤوليتنا جميعاً... وأيما مسؤولية.. اما سئمنا من قصائد التباكي على حال الشباب.. ورصد مظاهر التشاؤم.. وكتابة تفاصيل النقد.. وحكايات الذم.. والانتقاص.. وكأن البعض قد اصيب بالاحباط من بناء الجيل القادم. أو كأن سلع التربية قد بارت.. ومؤسسات الاصلاح أفلست!!
عفواً... أقولها لكل قادر .. من بين قومي.. اقولها لكل واقف يحمل بذور التربية.. او خرائط المعرفة.. من الجنسين سواء في المدرسة.. فوق ساحة الدرس.. او في المنزل كرب اسرة فاهم واع.. او من على منبر الجريدة ككاتب يعيش هموم النشء.. ويرتبط بمشاكل الشباب.. اقولها لكل قائم يجري في فلك التربية.. لقد سئم المجتمع من مفردات التخاذل ومل تصوير تهافت الشباب نحو كل بضاعة ثقافية زائفة.. اجل سئم المجتمع الخطب الرنانة.. وضج بكل مرب سلبي لا يحسن سوى الشكوى والتقريع وبث مشاعر اليأس.. ماذا قدمت في مشروع بناء الجيل؟.. سؤال نهديه لكل المربين.. هواة ومحترفين.
محمد بن عبد العزيز الموسى
بريدة
|
|
|
|
|