| محليــات
في تراثنا الفكري دررٌ من القول، لا يدرك حكمتها، وفضلها، وفائدتها، وما فيها من القيم، والمعرفة إلا من تتبعها، بالقراءة، والتَّمعُّن، والتفكُّر، ومن ثمَّ الاتِّباع.
والاتِّباع لا يأتي إلاَّ عن الاقتناع...
والاقتناع لا يتمُّ إلا بُدرْبة النفس، والعقل على تقبُّل ما يُعرض على العقل فيقرُّه، وعلى النفس فتسرُّه..
ولئن قال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، وهو يوصي الحسن رضي الله عنه:«.. يا بني، احفظ عنِّي أربعاً؛ لا يضرُّك ما عملت معهن؛ أغنى الغنى العقل،وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشية العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق» فإنه يبسط المكان، ويسأل الخطو..
فالعقل إن رجح فإن ميزان الثراء يُعْلي.. فيعلو..
والحمق إن زاد فإن ميزان الفقر يُهِبطُ.. فَيهْبُط.ُ.
والعجب إن علا كانت الوحشة أعم.. فتشيع..
وإن تزيَّا المرءُ بخلقه علا حسبُه، وزادت أرومتُه.. وبدا إيمانُه..
فما بال الناس لا تحفظ، وما لها تنأى عن التراثِ إلى التراب..، وعن الغِنى إلى الفقر، وعن الاطمئنان إلى الوحشة..، وتتزيَّا بغير لباس الحسب..، وتتنابز بالنسب؟..
«احفظ» فعل أمر لا جدال فيه لمنطق ترجح كفةٌ فيه، أو معه، على كفةٍ أخرى، لا خيار في «خذ» ما شئت، واترك ما لم تشأ..
كلُّ هذه الأربع لا تضرُّ من يعمل بها..، وهو إن لم يفعل فقد جنح عن الحفظ إلى الضياع والتَّفلُّت،..
فكيف هو العقل في رأس كلِّ إنسان؟..
وهناك في الحياة ما يذهب بالعقول إلى الجيوب، وإلى العيوب، كما يذهب بالبطون إلى العيون..؟!..
كلُّ شيء في الحياة يصرخ، ينادي نَهَمَ الإنسان إلى الثَّراءِ، والغذاءِ، والخواءِ، والجشعِ، والطَّمعِ، والنَّظرِ، واللَّهاث إلى كلِّ ذلك..
وكلُّ شيء يلهث وراءه الإنسان دون عقل.. فإنَّه مهلكةٌ..
ودون غنى النَّفس فإنَّه مضيعةٌ..
ودون اطمئنانها فإنَّه مجلبةٌ للوحشة..
والعقل معتقلٌ عند الذين لا يدرِّبونه على المكاسب في ساحات الثراء التي بسطها الموجِّه الأكبر، ووظَّفه كي يلتقط إشاراتها، مفرداتها، ورموزها،.. بل مكَّنه من كلِّ أداةٍ، أو آلية، أو عمل حسب مُقَدّراته من الإله العظيم من الذكاء والألمعية، وشجاعة التفكير، وقدرة التدبير..
وهو قائم بأدائه المناط به عند أولئك الذين يُطلقون له في حدود أن يفعل ما يحقق له مكاسب الثراء في مساحات التفكير والانتظار..
والعقل البشري، يمر بمراحل حتى يبلغ مدارج التفكير الصحيح.
لكن الله تعالى منح بعضاً من البشر عقولاً قادرة على أن، مهيأة لأن تكون غنيّة غنى العقول التي أشار إليها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وزوج أحب الناس إليه «بنت أبيها» فاطمة الزهراء رضي الله عنها من تزيّنت بالعقل وأثرت حسبها بحسن الخلق فكرمت وأكرمت..
والنَّاس حين لا تُعملُ عقولَها فإنَّها إلى الحمق تتجه فتكون إلى درك الفقر..، ووحشة التخبُّط في ظلمائه..
ذلك لأن الحدَّ الفاصل بين التكليف الذي خصِّص به الإنسان، وعدمه لكل الكائنات الأخرى إنما كان بسبب منحة الله تعالى لهذا الإنسان، وهي العقل..
ولأن الإنسان يكابر..
ولأنه يتكابر..،
فإنه أحمق إلا متى أدرك هذه النعمة..، ثم كسب ما سواها ناجمة عنها كي لا يضرُّه ما عمل معها كما أشار كرّم الله وجهه.. تلك هي نعمة العقل..
فما هي أرصدتكم التي تباهون بها؟.. وتعبِّرون بها عن غناكم؟..
وأي الموازين ترجح بكم علواً؟ أم نزولاً؟...
وأين أنتم من الاطمئنان أم الوحشة؟..
وبماذا تزيّنون أحسابكم؟..
حين تكون عقولكم هي غناكم..
وتواضعكم هو ما تزن موازينكم..
وأحسابكم هي أخلاقكم..
فإن معادلة الحياة ترجح على معادلة الموت في كفتي أن تكونوا أو لا تكونوا..
|
|
|
|
|