قلت: هذه معان تدخل في باب الجود وتندرج في رحاب مكارم الاخلاق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»)2( الا تلاحظ هذا الاستهلال الجميل في البيت الاول:
إن الكريم ليخفى عنك عسرته
حتى تراه غنيا وهو مجهود
صورة نعرفها في مجتمعنا ولكنها قد تغيب عنا فلا نحققها ولا نشيد بها، وربما غمطناها أحياناً حقها هذا الانسان المجبول على الكرم والطبيعة السمحة يتصف حينا بالتجمل وعدم المباهة فهو يصبر لنيل المنى وتحقيق الذات و الانتصار عليها، هو صاحب فاقة لاشك، ويشكو الفقر ولكنه يعتد بنفسه، فلا يعرضها للهوان بل يلاطفها، ويتجمل لشرفها فلا يبدي حاجته وسؤاله، طبعه السمو ونيل المكارم كما قال الشاعر:
ولقد أتيت على الطوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكل)3(
ومحصلة كل ذلك شرف الطبع وسموه حتى انك: «تراه غنيا وهو مجهود».
نعم مجهود من العوز والفاقة والصبر على مشقة الزمان، وهكذا ينسحب المعنى على بقية الابيات وبخاصة في البيت الثالث ليكتمل المعنى وتتحقق الصورة.
الهوامش:
)1( علي بن الحسن البصري، الحماسة البصرية م/63.
)2( ابن الأثير الجزري، «جامع الأصول» 4/4.
)3( البيت لعنترة بن شداد العبسي.