| مقـالات
يخيل إليّ أننا أصبحنا لا نطيق الاحتفاظ بأسرارنا إذ يبدو لي من خلال هذا الانهمار في القصيد والنثري أن الفرد منا يجد راحة كبيرة وهو يتخفف مما في وعاء ذاكرته وهو أمر سوف يكون مواتياً لأن نركز على ما ينبغي أن نخطط له في حياتنا القادمة وليس ذلك لأن الإصدارات التي تواجهنا أينما ذهبنا في أسواق التبضع وغيرها بل لأن الواجهات تكاد أن تفقد إيحاء الاستقبال إذا ما خلت من تلك الملصقات فوق أغلفة المطبوعات الملونة.
ومع ذلك فإنني أصاب بالإحباط عندما أرى بعض المطبوعات الرصينة تكاد تتكدس في الزوايا لا يسأل عنها إلا أمثالي ممن يعشقون المعرفة فحسب بصرف النظر عن نوعية الأغلفة. حتى إن الملاحق الثقافية وهي في الغالب أسبوعية تختفي في أعماق صحفنا على استحياء لأن البحث عنها في أكثر الحالات إنما هو من نصيب فئة معينة شدتها المتابعة الثقافية فحسب لولا أن أحد الملاحق تجرأ وانفصل عن صحيفته كتجربة تنطوي على الاعتداد بالنفس أو بالمحتوى. فكان ملحق صحيفة المدينة «الأربعاء» خطوة أحسب أنها دعوة للملاحق الثقافية الأخرى أن تبحث عن الظهور بشخصيتها الاعتبارية فتأخذ استغلالها وليس في ذلك كما أعتقد أية صعوبة أو بأس طالما أن الملحق حتى عندما يستقل لن يكلف الصحيفة كثيراً لأنه سيحتاج الى غلاف رقيق فقط سوف يضيف قارئاً جديداً يحترم الحرف ويقدره. ولماذا لا يحدث هذا؟ والشعر العامي استطاع أن يتمرد على ا لصفحات اليومية في جرائدنا ويأخذ استقلاله في مجلات متخصصة لا يهتم بها المثقف المتزن لأنها في الغالب مطارحات عقيمة بين بضعة أفراد في ذات المطبوعة مما يجعل محبي اللغة العربية يخفون عيونهم عن مواجهة مثل هذه اللهجة التي لا تبشر بالاحتفال بلغة القرآن والأجداد شأن الحداثي لأنها تستوعب العامي الذي يتداوله الشارع المهمش ويلعب بمفرداته تكسيراً والتواءً كافة الأجناس من الأقوام الوافدة.
إن خروج الملاحق الثقافية الأسبوعية في اضمامة مستقلة أكثر احتراماً لمحتواها الفكري الذي يندس بين صفحات لا رابط بينها ومع أن البعض منها مجرد أبحاث مطولة معدة ككتاب لإخواننا في الخارج ينشرونها من أجل الحصول على ا لمكافأة المجزية التي تدفع لهم ما بين الاقتصاد والسياحة والعقار وأحباء الأغاني والمغنين الذين تصر على تسمية أكثرهم بالفنانين وهم أبعد الناس عن معرفة أبجديات الفن ومعذرة لمحرري هذه الصفحات لأنهم يرددون باستمرار «الجود من الموجود» وهو غير صحيح لأنهم اعتمدوا على بعض الأسماء حتى يرتاحوا من العطاء المحلي الذي لا يعجبهم مع اعتذاري للشعراء المبدعين الذين تندس أعمالهم الجيدة ضمن هذا الرهط السطحي.
أكرر برجاء من المسؤولين في صحافتنا بأن يسمحوا للطيور المغردة داخل صحفهم )الملاحق الثقافية( بأن ترى النور أسبوعياً حتى تتنفس عبق الاحترام الذي يكنه الوطن للثقافة والابداع بما في ذلك أصحاب الرأي رجال الصحافة الأجلاء غير الراكضين وراء الكرة البلهاء لأن احترام الرأي والعطاء المتميز هو الخطوة الأولى نحو صحافتنا معبرة عن أعماق المواطن الذي لا يرى أي بديل عن لغته الجميلة لغة المجد والتاريخ العريق. لغة التراث والملايين في مشارق الأرض ومغاربها.
للمراسلة ص.ب 6324 الرياض 11442
|
|
|
|
|