| مقـالات
تعيش إسرائيل بحكومتها وتياراتها وأحزابها على اختلاف توجهاتهم حالة من الفوضى والارباك والمشكلات الداخلية والخلافات، ففي إسرائيل خلاف داخل حزب العمل وبين أقطابه وخلاف بين المتطرفين والمتدينين والليكود، وخلاف مع المستوطنين وخلاف مع من يؤيدون السلام والذين لا يشكلون وزنا في الشارع الاسرائيلي حيث إن الكل يختلف مع الكل والادهى من ذلك ان الجيش وقيادته يعتبران نفسيهما فوق هذا الكل حتى فوق الحكومة والقرار السياسي، بدليل ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي يدق طبول الحرب، وان شمعون بيريز يهدد بالاستقالة من الحكومة اذا كانت هناك توجهات لاقتحام مناطق السلطة او على حد قوله: السيطرة على شعب آخر؟؟ او التخلي عن اوسلو؟؟ في حين ان المستوطنين يأخذون القانون بأيديهم وهذا واضح ان هناك حالة من الفلتان السياسي والدموي داخل الشارع الاسرائيلي وحالة من الفوضى لم تشهدها اسرائيل منذ سنوات عديدة.. فيما يبدو حاليا ان اسرائيل تعيش حاليا بدون قيادة قوية تستطيع اتخاذ قرارات حاسمة وتستطيع معها ضبط كل الاوضاع الداخلية في اسرائيل وعدم السماح للتطرف وللمستوطنين ولبعض قادة الجيش من اخذ زمام الامور بأيديهم بعيدا عن القرار السياسي الاسرائيلي. وبالتالي فان هناك مشكلة كبيرة تعاني منها اسرائيل وهذا الوضع الآن يضع الحكومة الاسرائيلية والمنطقة على مفترق طرق خطير، فإما طريق المتطرفين والمستوطنين وكل الذين لا يريدون السلام في اسرائيل وهذا سيؤدي حتما الى اشعال المنطقة بالحروب المدمرة وزيادة الدم بين الاطراف جميعها لا يدري احد النتائج المترتبة عليه ذلك لا يمكن ان يكون هناك امن ولا أمان ولا استقرار ولا مفاوضات او حوارات او لقاءات بل ان هناك سيكون نسف لكل الجهود الدولية والعربية التي بذلت للتوصل الى سلام في المنطقة، وإما سلوك الطريق الاسلم والسليم وهو طريق السلام الشامل والكامل الذي يجلب الامن والامان والاستقرار والخير للمنطقة بأسرها بحيث يزدهر معه الاقتصاد والسياحة ويزدهر العلم والمعرفة والعلاقات بين الدول ويبدل السلام بالحرب وعندها يكون الشرق الاوسط هو فعلا الشرق الاوسط السعيد انه السلام الحقيقي والاكيد وبهذا فقط يعود الاعتبار لهذه المنطقة وشعوبها التي انهكتها الحروب ونريد ان نسأل الحكومة الاسرائيلية التي تغتصب الأراضي الفلسطينية والمقدسات الاسلامية والأراضي العربية الى متى ستبقى هذه خياراتهم خيارات الحرب والسيطرة والمصادرة والقتل والتشريد واخضاع الشعب الفلسطيني؟ الى متى سيستمر هذا لماذا يريدون قتل الاطفال الفلسطينيين؟ لماذا يجعلون عسكرهم في حالة استنفار دائم من اجل حراسة مجموعة من المستعمرين؟.. وهل يتوقعون ان تبقى اسرائيل تملك زمام المبادرة والتفوق؟ لماذا لا زالوا يتجاهلون امة عربية واسلامية ومسيحية بالكامل؟؟ لماذا يرفضون كل القرارات الدولية ويتنكرون لها؟ ماذا سيتركون لاطفالهم في المستقبل الذين يعيشون وسط محيط وبحر من الأمة العربية والاسلامية والمسيحية؟ وهل ان هذا السياج والحصار العسكري الاسرائيلي والمدافع والصواريخ والدبابات هي التي ستحسم الصراع.. وهل هذا السجن الكبير لكل الشعب الفلسطيني سيحل المشكلة..؟ وهل هذه الاغلاقات الكاملة على شعب بالكامل وعدم السماح له بالدخول او الخروج من بلده والمحاصر برا وبحرا وجوا وتجويع شعب بالكامل والسيطرة عليه سيساعد على حل المشكلة؟؟ وهل عمليات القتل والاغتيالات والاقتحامات ايضا ستسرع في انهاء الصراع في هذه المنطقة؟؟ ان هناك الكثير الكثير الذي لا يعد ولا يحصى من الاجراءات الاحتلالية غير الشرعية وغير الانسانية.. انها محاولات لالغاء ولانهاء شعب بحضارته وثقافته وقيمه ومبادئه ووجوده فهل هذا يتوافق مع حضارة القرن الحادي والعشرين ومع تقدم العالم باتجاه عالم تسوده الحرية والديمقراطية وسعادة الشعوب. ان كل هذا لن يخدم السلام ولن يجلب الا المزيد من الحروب.. وان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يتراجع عن اهدافه وحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف مهما كانت شدة هذه الاجراءات الاحتلالية، بل ان هذا سيزيد من صلابة الشعب الفلسطيني وتصميمه على المضي قدما باتجاه اهدافه الوطنية النبيلة.
انني ارى ما اتوقعه لو نفذت اسرائيل سياسة التطرف والعنجهية وتحدي كل العالم والقرارات الدولية فان حتمية الحرب وارادة لا محالة ومن يزرع الشر لا يحصد الا الغضب والندم، وان اسرائيل عندها ستخسر دوليا وعربيا بعدما كادت تصل الى سلام مع العالم العربي لو انها نفذت الاتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني والجانب العربي وفي النهاية فان المنتصر الوحيد هو الشعب الفلسطيني والامة العربية التي ستعلن تضامنها ووقوفها صفا واحدا امام اسرائيل باعتبارها الخطر الحقيقي الذي يهدد هذه الامة ويهدد المنطقة بأسرها ويهدد مصير القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية.
وعليه فان اسرائيل اليوم تقف أمام خيارات صعبة وأمام امتحان كبير وهذا لا بد له من قيادة وقائد مثلما كان لفرنسا قبل انسحابها من الجزائر حيث ان حكومة ديغول قد تعرضت لضغوط داخلية كبيرة من الجيش ومن المستعمرين الفرنسيين في الجزائر وحتى من اسرائيل عندما حاول بن غوريون يرافقه شمعون بيريز الحالي في زيارتهم السرية لفرنسا محاولين اقناع الرئيس الفرنسي ديغول بتقسيم الجزائر بين المستعمرين الفرنسيين وبين سكانها الأصليين والعمل على تهجير مليون جزائري الى فرنسا ونقل مليون فرنسي للجزائر ليستعمروا في منطقة الساحل الجزائري حيث كان الجيش الفرنسي يمارس ضغوطه على الحكومة وعلى الرئيس الفرنسي ديغول بهذا الاتجاه، نقول: )ما أشبه اليوم بالبارحة( حيث ان قيادة الجيش الاسرائيلي اليوم تقوم الآن بالدور نفسه، الا ان الرئيس الفرنسي ديغول فاجأ الجميع ورفض قرار الجميع واخذ قراره الشجاع والتاريخي حيث اصدر تعليماته واعلن عن انسحاب فرنسا من كل الاراضي الجزائرية لينعم الجزائريون بعد ذلك بالحرية والاستقلال. لقد اصبح ديغول بعد هذا القرار الشجاع بطلا تاريخيا تفتخر به فرنسا وكل الاجيال لانه سحب فرنسا من وحل احتلالها للجزائر واوقف نزيف الدم بين الجزائريين والفرنسيين الى الأبد.
ومن هنا نقول ان اسرائيل بحاجة الى قائد مثل ديغول ليأخذ قرارا تاريخيا شجاعا ينهي مرحلة طويلة من العذاب والظلم والتشريد والقهر والنزيف والاحتلال للشعب الفلسطيني والعربي ليعيد الابتسامة لاطفال المنطقة، وليعيد السلام والامان والاستقرار الى كل شعوب المنطقة وعليه فان شارون بيريز الآن امام الامتحان فاما ان يجروا المنطقة بأسرها الى دوامة طويلة من الصراع والقتل والحروب والدمار ويخرجوا من التاريخ وتبقى تلاحقهم الاجيال وإما ان يأخذوا قرارات شجاعة كشجاعة ديغول باتجاه السلام العادل والشامل ويدخلوا بعدها التاريخ وتذكرهم بعدها الاجيال والشعوب. ويجنبوا المنطقة من الكوارث ومزيد من سفك الدماء، فهل ينتصر صوت السلام في ارض السلام ام صوت التطرف والمستوطنين وعندها نقول سلام على السلام.
* نقيب الصحفيين الفلسطينيين
|
|
|
|
|