| تحقيقات
* تحقيق عبد العزيز العيادة بشير الرشيدي:
عندما أعلن صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز امير منطقة حائل اهتمامه بالآثار الموجودة بالمنطقة عموما برزت )الشق( كأحد تلك المواقع البارزة ولكن صعوبة الطرق المؤدية اليها جعلت فرحة الاهالي والباحثين يشوبها بعض اليأس ولكن جاء الاعلان الثاني من سموه بقرب انشاء طريق الحائط الشملي ليجعلها على حافة زمن جديد خصوصا وهي لا تبعد عن هذا الطريق سوى خمسة كيلو مترات فقط.
)الجزيرة( من خلال هذا التحقيق ستسلط الضوء على الشق في منطقة حائل وعلاقتها بالانسان البدائي والعصور الاسلامية وتاريخها الذي يعود الى ما قبل الميلاد والى ما قبل اختراع اللغة! قلاع وحصون ونقوش مختلفة ومقتنيات اثرية ورسوم فنية لفنانين من العصر الجاهلي تؤكد ان )الشق( متحف مكشوف لكل العصور ولاشك ان صاحب السمو الملكي الامير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز نائب امير منطقة حائل بتوجيه من سمو امير المنطقة يولي كافة المواقع الاثرية بحائل جل اهتمامه ورعايته حتى تصبح كل المواقع الاثرية بالمنطقة في كامل استعداداتها مستقبلا لاستضافة الزائرين بشكل مريح ومتكامل الخدمات.
نشير هنا الى تطلعات الاهالي في )الشق( لتعيد طريقها الذي يربطها بطريق الحائط الشملي الذي لا يزيد عن خمسة كيلو مترات وضرورة وجود مركز صحي لخدمة الاهالي والزوار القادمين اليها وترميم بعض المواقع الاثرية ومضاعفة العناية بها وتجهيزها بالخدمات الضرورية حولها لتكون مزارا سياحيا متكاملا بإذن الله.
الأهمية التاريخية
في البداية اكد احد المهتمين بالآثار الاستاذ عبد الرحمن العنزي ان الشق بلدة تاريخية ورد ذكرها في معجم البلدان للشيخ الامام شهاب الدين ابي عبد الله يا قوت الحموي في المجلد الثالث ص 355 ومنها قوله: )شق بكسر اوله ويروى بالفتح(.
ويقول: بدأ الانسان البدائي انسان ما قبل التاريخ في الاستقرار والتوطن بهذه البلدة وبدأت تظهر حضارته ومخربشاته على الصخور البركانية وبرز بفنه الرائع وهذه النقوش التي تعود الى عصر ما قبل الميلاد وتعتبر من اقدم نقوش العرب في المنطقة ويشير الى ان الرعي كان المهنة الاساسية للانسان القديم فيها وتدل على ذلك كثرة رسوم صور الحيوانات على الصخور تعبيرا عن حالة المنطقة آنذاك وشكلت الوعول والغزلان ذات القرون الطويلة والتيوس حيوانات رئيسية في الحياة القديمة فيها.
واضاف العنزي: هناك نقوش ورموز وجدت على صخورها الجبلية تعود الى عصر ما قبل التاريخ وما قبل اختراع اللغة!
وقال ان الشق تشكل مادة تاريخية خصبة وبلدة اثرية ممتعة تستحق الزيارة والاهتمام لما فيها من اسرار وآثار لم تكتشف بعد! ولو ان ما اكتشف حتى الآن يعد كنزا ثمينا لابد من المحافظة عليه وابرازه.
بينما اشار مطلق سليمان ان ما تتميز به الشق فعلا هو القلاع القديمة ذات التصميم الرائع حيث قال ان في بلدة الشق يوجد قلعتان وهما من اهم القلاع بالمنطقة ويطلق على هذه القلاع لفظ hydmoma او المحطات التجارية station وقد تم تشييد هذه القلاع لتكون محطات تجارية او لغرض وضع بعض المحميات العسكرية لحراسة الطرق كما هو متبع في القلاع التي بنيت في شبه الجزيرة العربية ومصر حيث تتشابه تلك المباني وقال ان احجار تلك القلاع اختيرت بعناية من حيث الشكل والسمك والوزن والطول والعرض حيث ان عرض الجدار 5.1 متر بأحجار تم وضعها دون ان تمسها آلات الصقل ومرتبة لا ترى بها ارتفاعا او انخفاضا وضعت فوق بعضها على نحو يجعلها متداخلة مع بعضها البعض ويبلغ طول كل قلعة ما يقارب 35X35م تحتوي كل قلعة على 12 غرفة وصالات بالاضافة الى استراحة للعربات والحيوانات كما يوجد بأعلى القلاع حصون تسمى نقط الابراج 13 برجا في اماكن مرتفعة وذلك للاشراف على نواحيها واللجوء اليها في الحروب ا والظروف الطارئة وتتعدد بها الثقوب لاستخدام الاسلحة للتصدي لاي عدوان قادم في الزمان السابق كما يوجد بها اماكن لحفظ الذخيرة والامتعة وما يحتاجه الشخص من ماء وغذاء وغيره وقد استخدمت هذه الحصون للمراقبة الدائمة من قبل حارس يستخدم )المراية( وهي سر الاشارة فيما بينهما وتعد الاتصال المباشر حيث يلوح الحارس لزميله الآخر بالابراج المقابلة وذلك في حالة وجود شخص غريب لمراقبته اولا بأول.
ما هي.. الشق؟!
رغم ماضيها العريق وتاريخها الموغل في القدم لم تخل من ساكنيها الذين استوطنوها عقودا من الزمن ويوجد في الشق مدرستان للبنين والبنات بالاضافة الى خدمات الكهرباء والخدمات الأخرى مثل البلدية والبريد والزراعة والهاتف وتعتبر مركزا تجاريا لسكان القرى المجاورة وتوجد بها اسواق تجارية ونهضة زراعية وتمتاز بخصوبة تربتها نظراً لوقوعها على مسار وادي الرمة الشهير اكبر الاودية بالمملكة.
ويقول منصور سعود شويلع ان بلدة الشق بحاجة الى تعبيد طريقها بطريق مسفلت وخصوصا بعد اعتماد طريق الشملي/ الحائط الذي لا يبعد عن القرية الا خمسة كيلو مترات بالاضافة الى مركز صحي ورصف شوارع الاحياء فيها وانارتها وزيادة حصتها من سقيا البلدة من المياه التي تجلب بالوايتات اليها او اقامة مشروع مياه خاص بها اسوة بالقرى الاخرى!
مشيرا الى اهمية تطوير خطة الاهتمام بالآثار الموجودة بها من قبل وحدة الآثار بإدارة التعليم بحائل بالشكل الذي يرقى لاهمية تلك الآثار!!
ستكشفها الحفريات
وأثناء مقابلتنا لامير قرية الشق سعود بن شويلع اكد لنا بأن المواقع الاثرية بالشق غنية بالادوات التي كان في السابق يستخدمها الانسان وخاصة الفخار وبعض الادوات المنزلية وقال ان البحث والتنقيب والحفريات سوف تكشف اسرار قلاع وحصون بلدة الشق التي شيدت في العصر الروماني واليوناني واضاف ان البلدة في الوقت الحالي ولله الحمد تحظى باهتمام حكومتنا الرشيدة ورعاية صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز امير منطقة حائل وصاحب السمو الملكي الامير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيزنائب امير منطقة حائل الذين يوليان المنطقة عموما جل عنايتهما )رعاهما الله( ولاشك ان آثار الشق كغيرها من المواقع الاثرية بالمنطقة هي في صلب اهتمامهما.
مميزات عديدة
وبتجولنا في موقع القرية نجد انه في نهاية الوادي جنوبا جانب البلدة مليء بخرز العيون التي كانت في السابق تتدفق بغزارة واصبحت تشبه الى حد كبير Tumulu التي هي من صنع الانسان وقد اكد لنا المزارع فرج هديبان ان في )الشق( اكثر من بئر اثرية تسمى جاهلية مبنية من الحجر البركاني الاسود وقال ان من اشهر الآبار الاثرية بئر صبرة ويبلغ طوله 23 مترا وبعرض 2 متر ومازال قائما حتى حتى الآن كذلك )بئر الهوز( في وسط مجرى الوادي )وبئر معينة( بالاضافة الى الخرز الممتد على مسافة 4 كيلو مترات مجرى العين وهو وعبارة عن عروق للمياه السطحية آنذاك.
ومن اهم المزروعات والمنتوجات بالبلدة التمور وهي المصدر الاساسي للغذاء وكان اعتماد هذه البلدة سابقا بعد )الله سبحانه وتعالى( على هذه النخلة المباركة وعلى )الحنطة( الدقيق وفق ما اكده خيران فالح الذي اشار الي ان عجوة الشق من اجود وألذ انواع التمور بالمنطقة كما تغنى بها احد الشعراء في العصر الجاهلي حيث يقول:
من عجوة الشق يطوف بالودك
ليس من الوادي ولكن من فدك
ومازالت الشق تشتهر بنخيلها وجودة تمورها.
أكبر معمر في الشق
والتقينا بأكبر معمر ومزارع في الشق عوض الصلماوي 97 عاما )أطال الله عمره( حيث يتمتع بصحة جيدة ولله الحمد فقال:
لدي مزرعة قمت بنفسي بحفر بئرها ولكنه في السابق كان الري والسقيا شاقة ومرهقة حيث نستخدم السواني والدلو اما اليوم فالكهرباء تم ايصالها للمزارع وبات بأيدينا كافة قنوات الري الحديثة والمضخات وشبكات المياه وانابيب التنقيط وغيرها.
وتطرق لاصناف النخيل في الشق موضحا ان منها )الحلوة والمكتومي والسكري والجسبة والبرحي(.
وقال ان خصوبة ارض الشق وصلاحيتها للزراعة جديرة بالاهتمام وقابلة للتخطيط الزراعي كما ان اشجار الطلح تزين واحاتها الخضراء الجميلة فهي غنية بالاشجار والمراعي المتميزة التي تحتاج لعناية ومتابعة ومراقبة وزارة الزراعة والمياه ممثلة بادارة المراعي والغابات للمحافظة على هذه الاشجار من العبث والانقراض.
خط المسند
لقد اطلق المسند على هذه الخطوط لان حروفها ترسم على هيئة خطوط ومسندة الى اعمدة وبذلك يصعب فك رموزها الا عن طريق شخص متخصص يترجمها ويوضح معانيها مثلا
هذا النقش موجود على جدار احدى لقلاع الموجودة بالبلدة ويعني اسم رجل يدعى )صعب ولد علي( وكذلك يوجد نقش مماثل
داخل القلعة الأولى ويعني هذا الرمز )تسلم( وكذلك وجود يعني عتم وهو مفتاح الحياة.
وبلدة الشق الاثرية عبارة عن متحف مفتوح لكل العصور منذ بداية التاريخ الجاهلي وانسان البداوة الى آخر العصر الاسلامي حيث يلاحظ نقوش وكتابات كتبت في صدر الاسلام وباللغة العربية ويمكن ارجاع تاريخها الى صدر وبداية الاسلام لانها كانت عبارة عن )دعاء الى الله.. اللهم اغفر.. وارحم انك على كل شي قدير( وكذلك يوجد نقوش على سفوح جبال البلدة بلفظ الجلالة.. بسم الله.. وهذه النقوش منقوشة على احجار قد رسمها الفنان الجاهلي في عصور ما قبل الميلادومعاد استخدامه في صدر الاسلام بالاضافة الى الزخرفة والرسم لكافة ما يدور في فكر الانسان الجاهلي والتي تمتد على سفوح جبال وادي الشق جنوبا وشمالا وتشكل مادة تاريخية خصبة.
ولعل ما عبرت به الصور المنحوتة على الصخور هو مدى عمق ارتباط الانسان في الشق قديما بالرعي فالرسوم تمثل قطعان الوعول والتيوس والغزلان في الشق قديما مما يؤكد جودتها كمراع تكاثرت فيها الغزلان!
دور رجال الاعمال!
ودعا محمد السلماني الى اهمية ان يكون لرجال الاعمال دور هام في المناطق الاثرية عموما وفي الشق تحديداً لما تتمتع به من مواقع وتاريخ ثري وقال ما من شك ان رجال الاعمال من الممكن ان يقيموا ويستثمروا )الشق( بما يعود عليهم وعلى بلدة الشق بالفائدة.
واشار الى ان صاحب السمو الملكي الامير عبد العزيز بن سعد نائب امير منطقة حائل بتوجيه من صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبد المحسن امير منطقة حائل مهتم بتطوير الخدمات واعمال الترميمات اللازمة لكافة المواقع الاثرية بالمنطقة ولكنه قال انه يجب على رجال الاعمال القيام بدورهم على اكمل وجه لخدمة )الشق( واقامة مشاريع سياحية اثرية تساهم في جذب المهتمين وتيسر عليهم الاطلاع على هذا المتحف المفتوح الذي ان لم تقم فيه المشاريع اللازمة ربما يكون مستقبلا في طي النسيان ويندثر.
وقال ان الواجب ينقسم الى قسمين على الجهات الحكومية المعنية وعلى رجال الاعمال ،واهالي بلدة الشق.وطالب عبد الرحمن الشمري بإقامة مكاتب متخصصة بحائل لها آلية مختلفة عن آلية المكاتب السياحية المعتادة وتأخذ صبغة معينة تختص بها منطقة حائل التي تعتبر من اكثر المناطق التي تتوفر بها هذه الكمية من المواقع الاثرية بحيث ترتبط تلك المكاتب بأمانة لجنة السياحة بالمنطقة وبالتالي تكون هذه المكاتب الواجهة اللائقة بكل القادمين للمنطقة بحيث تقدم لهم الخدمات اللازمة والارشاد السياحي اللازم وترافقهم خلال الرحلات الاستكشافية للآثار وتؤمن لهم وسائل النقل المناسبة لا سيما ان بعض المواقع تحتاج الى سيارات خاصة!
وقال الشمري ان الشق بما تحتويه من مواقع اثرية بحاجة لوجود مثل هذه المكاتب وكذلك بحاجة لمزيد من الخدمات الضرورية لانعاش الحركة السياحية فيها واتاحة الفرصة امام الباحثين لمعرفة اسرار القلاع والمواقع الاثرية فيها وتطرق لاهمية الطريق حاليا وقال انه عقبة كبيرة لابد ان تحل كي تبرز اهمية الشق بشكل اكبر!!
مازالت مجهولة
وقال ادهم الحربي ان الشق بعمقها التاريخي مازالت مجهولة رغم جهود الباحثين وان تاريخها لم يكشف بعد وتحتاج الى مزيد من الجهود والزيارات الميدانية والدراسة والتوثيق لاشياء كثيرة )فالشق( لاشك انه متحف لكل العصور ولابد من العناية به والعمل على تهيئة كل العوامل المساعدة لذلك.
واقترح ان تقام جمعية في حائل )مستقلة( تضم كل المهتمين بالآثار تكون مهمتها المساهمة مع الجهات المعنية في كشف اغوار هذه المواقع الاثرية وكذلك القيام بالبحوث اللازمة وبالرحلات الاستكشافية اللازمة لكافة المواقع بالمنطقة وتسجيل الملاحظات وبلورة كل الافكار الطموحة بشأن تطوير تلك المواقع الى واقع بمنهج علمي سليم.
وتكون مهمة هذه الجمعية ايضا متابعة كافة الاعمال التي تقوم بها الجهات الحكومية المختصة وتقديم الجهود المساعدة واضافة الاشياء التي من الممكن اضافتها للعناية بتلك المواقع! وأكد مريشد عوض ان البعض للاسف من عامة اهالي المنطقة عموما لا يعرف مقدار اهمية عثوره على احدى المقتنيات الاثرية وربما ان البعض ايضا بدافع اهتمام شخصي يحاول البحث عن تلك المقتنيات ويعثر عليها وبعد وقت يهملها وقال يجب على هؤلاء المساعدة في حصر تلك المقتنيات وتسليمها للجهات المختصة والقيام بالدور الوطني المطلوب وعدم العبث بهذه المقتنيات فكل قطعة لها دلالتها التي ربما تعود لفك طلاسم حقبة زمنية سابقة وقال: ما من شك ان الجميع يعشق الوطن بملء السمع والبصر ولكنه آن الاوان ان يقوم كل واحد منا بدوره كما يجب ويحاول ان يجمع كل هذه المقتنيات ويسلمها للادارة المختصة وقال: للاسف ان هناك مقتنيات كثيرة قد اتلفت واخرى سربت خارج المنطقة وبيعت واخرى اخذها بعض المهتمين بالآثار في متحفهم الخاص وهذا جعل من حصر ومعرفة التاريخ الماضي بشكل سليم صعبا او غير متكامل نظراً لتوزع بعض القطع هنا وهناك.
وطالب بأن يكون ابناء الشق حريصين على تلك المقتنيات اكثر من غيرهم ويقوموا بمساعدة الآخرين على الحفاظ عليها.
دراسات وأبحاث
وقد التقينا بحارس الآثار حمدي محمد مصلح الذي اكد بأن الآثار بالشق ضمن المواقع الاثرية الهامة بمنطقة حائل وسوف يتم اعداد الدراسات اللازمة قريبا ان شاء الله لهذه المواقع الاثرية والتي تم ترسيمها وتحديدها من قبل وحدة الآثار بالمنطقة المكلفين بحراستها ومراقبتها يومياً. وبعد.. مازالت آثار الشق مجهولة رغم كل ما تقدم ورغم كل الجهود المبذولة من الجهات المختصة ومازالت الشق.. بانتظار طريقها الاسفلتي الذي يربطها بحائل حتى يسهل على الباحثين القدوم اليها مراراً وتكراراً لكشف المزيد من اسرار قلاعها وآثارها.
|
|
|
|
|