| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
في جلسة هادئة ضمّت بعض الآباء والشباب، تبادل الجالسون أطراف الحديث، والحديث كما تعلمون ذو شجون، وكانت المحطة التي طال الوقوف عندها في هذا المجلس محطة العيد وما يتعلق به وبمتطلباته وخصوصياته، وكان الحديث يدور على عدة محاور وهي إجمالاً )عدم استشعارا لكثير لمسألة التعبّد لله تعالى بذبح الأضاحي حتى صارت ميداناً للتفاخر والمباهاة عدم الاستفادة من كامل أجزاء الأضحية عدم الدقة في توزيع لحوم الأضاحي عدم الحرص على النظافة العامة أيام العيد ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ قبيل الأعياد والمناسبات جريان الكثير من الشباب بل وحتى الكبار خلف الموضة وتتبع الجديد في عالم الغتر والشماغ استعمال المفرقعات النارية أيام العيد شدة الزحام وتأجيل المشتريات حتى ليلة العيد( ونظراً لأهمية تلك النقاط وواقعيتها آثرت أن أتحدث عنها عبر منبرنا الأول )عزيزتي الجزيرة( علّ الله تعالى ان ينفع بها، وسيكون الحديث عن تلك النقاط مرتباً حسب ما أجمل سابقاً، وإليك تلك الرؤى والهموم بشيء من الإيضاح والبيان:
1 لعل من الأسئلة التي يكثر ورودها قُبيل العيد وأثناءه وبعده: كم ستذبحون؟ كم ذبحتم من الأضاحي؟ وقول البعض: نحن ذبحنا كذا وكذا، حتى انتقلت هذه الشعيرة المهمة من باب التعبد بها لله سبحانه لتصير ميدانا للمفاخرة والمباهاة، ولاشك أن ذلك مما يخل بالعمل وينقص من أجره ومثوبته* ويلغي الحكمة من مشروعيته، ونحن نعلم أهمية ومكانة النية في العبادات ووجوب إخلاصها لله تبارك وتعالى حيث قال سبحانه: )وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء...( وقال: )قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين( وقال صلى الله عليه وسلم: )إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى.. الحديث( وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : )لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له( وقال داود الطائي: )رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية( وقال ابن المبارك رحمه الله: )ربَّ عمل صغير تعظمه النية، وربَّ عمل كبير تصغره النية( لذلك كله يجب علينا ان نهتم بالنيات والإرادات والمقاصد فإن شأنها عظيم، ويابها خطير، وهي المحك الأول لقبول الأعمال ومضاعفة الحسنات.
2 من الأمور الملاحظة على كثير من المسلمين عدم الاهتمام ببعض أجزاء الأضحية ورميها في المزابل كالجلد والرأس والأرجل والشحوم ونحوها، وهذا خطأ واضح، وهو من امتهان نعم الله تعالى، وإذا كنا غير محتاجين لها فهناك من هو بأمس الحاجة إليها، فحبذا لو تنبه المضحون لذلك واستفادوا من تلك الأجزاء بالتفاهم مع جمعيات البر الخيرية ومحبي الخير.
3 من الأمور الملاحظة كذلك عدم إعطاء الفقراء والمساكين من الأضاحي وقصرها على الأصدقاء والجيران والأقارب، ونحن نعلم أن الفقراء أحوج إلى ذلك منهم فحبذا التنبه لهذه المسألة وعدم الغفلة عن العمال والضعفاء والمساكين، وقد ذكر العلماء أنه يستحب للمضحي أن يقسّم أضحيته أثلاثاً ثلث يأكله وثلث يهديه لأقاربه ونحوهم وثلث يتصدق به للفقراء والمساكين والمحتاجين.
4 يُلقي بعض المضحين ببقايا الأضحية كجلدها ودمها ومخلفاتها بجوار براميل القمامة أو في بعض الأحواش ونحوها ولا شك ان ذلك مما يلوث البيئة ويساهم في تكاثر الحشرات والجراثيم، وهنا يبنغي للمسلم أن يذبح في الأماكن المخصصة، وأن يضع مخلفات الأضحية في أكياس مناسبة تسهل على عمال البلدية مهمتهم.
5 عندما يأتي الحديث عن الأسعار في أسواقنا أتذكر أمواج البحر لأن بينهما صلة عجيبة وشبهاً بيناً ، وذلك من حيث الارتفاع المحموم ودون سابق إنذار ودون مراعاة لأحوال الناس، وإنني هنا أتساءل عن دور وزارة التجارة عن التلاعب الفاضح في الأسعار في المناسبات والأعياد؟! ولم تُرِك الحبل على الغارب ليمارس البعض مع المواطنين ضروباً من التجاوزات بعيداً عن أعين الرقيب البشري؟!!
6 من الأمور التي جُبلت عليها المرأة حب التجمل والعناية بالمظهر وحسن الهندام، ولذا نرى الكثير منهن يلهثن خلف الجديد والموضة، وكان الرجال قبل سنوات قليلة يلومون النساء على ذلك ويصفونهن بقلة الادراك، والغريب في زمننا هذا هو أن الكثير من الشباب بل وحتى الكبار بدأوا بمنافسة النساء في هذا المجال، بل والتفوق عليهن حيث صاروا يلهثون خلف الجديد من الملبوسات والمراكب، دون أدنى تفكير بواجبات الرجولة ونوعية الملبوس، فهذا يتفنن بطريقة تفصيل ثوبه، وذاك في طريقة وضع أزراره، وذاك في شكل حذائه ونعله، وذاك يقضي جلَّ وقته في محلات زينة السيارات لمتابعة ما جدَّ من الملصقات وأدوات الزينة، وإذا وصل الحديث الى الغترة والشماغ فلك هنا أن تبصم بأصابعك العشرة على أن الرجال تقمصوا دور النساء، وصاروا ألعوبة بأيدي المسؤولين عن تلك الشركات المتخصصة في صنعها، فصار لكل غترة بصمة وشكل، خط يرتفع وخط ينزل وآخر يضاف والثاني يحذف والمضمون واحد والنوعية من حيث الجودة واحدة، ومع ذلك إذا نزل الجديد للسوق قضى على القديم حتى صار الرجل في بعض الأحيان يجد غضاضة في لبسه، وهذا ما يدفعه لتتبع الجديد دون أن يشعر، وبسبب ذلك كله صار الآباء يعانون مع أولادهم حيث انهم لايريدون إلا البصمة الجديدة ولو غلا ثمنها، فيا ترى ماذا يصنع بعض الآباء بما عنده من غتر تحمل الشكل القديم ولو كانت جديدة لم تستعمل بعد؟!! ولماذا أيها الشباب اغتررتم بمثل هذه التوافه؟!! وأين ذهبت رجاحة عقول الرجال؟!! ارحموا آباءكم وعودوا إلى رشدكم، ولا تكونوا ألعوبة بأيدي الآخرين!!
7 يحتاج الأطفال لشيء من الفرح والمتعة، وفي عصرنا الحاضر صارت الألعاب النارية والمفرقعات هي السائدة بين الأطفال والناشئة، وغير خافٍ على الجميع ما تسببه تلك الألعاب من المخاطر والمفاسد والاضرار، حتى صارت المستوصفات ومراكز الاسعاف على أهبة الاستعداد ضحى العيد لاستقبال ضحايا تلك المفرقعات والألعاب النارية الخطرة، التي تطوّرت بشكل مريع ومخيف، فمتى نقضي على تلك السلبية؟!! ألا ترون بأن الاحتفالات الكبرى والألعاب النارية الضخمة التي تشهدها بعض المدن تُسهم بشكل واضح في انتشار هذا الوباء الخطير!!
8 اعتاد الناس أن يؤخروا مشترياتهم التي تتعلق بالعيد إلى آخر رمق، ولذا نرى الزحام في الأسواق، وتضيق المحلات بمن فيها، ويحق لنا هنا أن نتساءل: لماذا نؤخر أعمالنا إلى آخر وقت؟! وهل هذا خاص بنا نحن العرب أم هي ظاهرة بشرية عالمية؟!
حقاً إنه أمر عجيب يعجز العاقل عن إدراك كنهه!! كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه المحلات التجارية ليلة العيد كما اراها بقية أيام العام؟! فلا تأخير ولا زحام ويكون ذلك بتفهم المواطن واستعداده للحدث قبل حلوله بوقتٍ كاف، خاصة وأن الجميع على علم بموعده وزمانه!!
9 يعتبر بعض الناس أيام العيد أيام لهو وطرب ومرح ولذا يكثر فيه سماع الغناء واختلاط الرجال بالنساء في المتنزهات وأماكن الترفيه، وهذا أمر محرم لا يقره شرع ولا عرف، ثم ان عيدي المسلمين وهما )عيد الفطر وعيد الأضحى( يأتيان عقب انتهاء عبادات جليلة تعتبر من ركائز الدين وأعمدته، ولهذا يحتفل المسلمون بهما، فعيد الفطر يأتي بعد انقضاء شهر رمضان المبارك وما فيه من صيام وقيام وطاعات وعيد الأضحى يأتي بعد أن يؤدي المسلمون جلَّ شعائر الحج الذي يعتبر ركناً من أركان الإسلام، فهل يليق بالمسلم أن يشكر الله على هذه النعم بارتكاب المحرمات؟!!
وفق الله الجميع وعلى دروب الخير نلتقي بإذن الله تعالى.
أحمد بن محمد البدر
الزلفي
|
|
|
|
|