أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 8th March,2001 العدد:10388الطبعةالاولـي الخميس 13 ,ذو الحجة 1421

مقـالات

مركاز
فضفضة 2
حسين علي حسين
يروي لي صديق في شركة توزيع ان شاعراً عربياً زارهم بعد واسطة كبيرة للقائمين على أمور التوزيع، ليس لكي يعمل لديهم، ولكن لكي تقبل هذه الشركة توزيع ديوان ذلك الشاعر، وقد جرى استقبال حافل لذلك الديوان، الذي أتى محمولاً من المطابع الى دار التوزيع مباشرة، وقد حرص الشاعر على تغليف ديوانه خوفاً من فضولي المكتبات، الذين يحرصون غاية الحرص على تقليب كل مطبوعة قبل شرائها، وقد وضع الشاعر سعراً للديوان رأى ببصيرته الثاقبة، أنه يقل عن اجرة حلاقة الرأس في صالونات الحلاقة الشعبية المنتشرة في الحلة والشميسي ومنفوحة وغيرها، وكان المفروض ان يضع سعراً يتناسب أيضاً مع اولئك الاستهلاكيين الذين يقطنون الشقق والفلل الفاخرة في شمال الرياض، لكنه حسب ما نما الينا من علم، كان ينحاز دائماً للطبقات الفقيرة والكادحة الذين حسب افتراضه يساوون بين رغيف الخبز والكتاب!
ولم تأخذ شركة التوزيع وقتاً طويلاً في تجهيز الديوان للسوق، فقد نزل بعد يومين الى العديد من البقالات ومحلات السوبر ماركت والمكتبات، وحالما نزل الديوان بدأ الشاعر أو المؤلف في إنشاء غرفة عمليات خاصة في منزله، لمتابعة مسيرة الديوان، من شركة التوزيع الى نقاط البيع، ومن نقاط البيع الى القراء، وقد رأى أن يطمئن اولاً على أن كتابه قد تم توزيعه في كل مكان حيث قام بمسح شامل وبشكل يومي على ما جاء في طريقه وسمع عنه من الاماكن التي تعرض كتباً، وهنا بدأت هواتفه اليومية الى شركة التوزيع حاثا إياها على تزويد المكتبة الفلانية والبقالة الفلانية، ناسيا ان نسخ الديوان كلها لم تزد عن ثلاثة آلاف!وكانت شركة التوزيع تسحب نسخة من المكتبة التي اعطتها نسختين لتلبي رغبة المؤلف في ان يكون ديوانه في كل مكان. وبدأت الخطوة التالية في جمع خراج الديوان، وكان له اتصالات شبه يومية بشركة التوزيع لمعرفة ما تم بيعه، وكان الجواب الدائم: حتى الآن.. لا شيء!!وهنا بدأت الخطوة الاخرى في التشنيع على شركات التوزيع التي تمتص دماء الكتاب والأدباء، وبدأ التهديد بلطف بسحب الديوان، وتقديمه لشركة توزيع اخرى، ولم تكذب الشركة هذه الاشارة فبدأت في سحب الديوان من نقاط التوزيع بعد ستة شهور، واتصلوا بالمؤلف الذي جاء غاضباً ليأخذ الكمية التي دخلت بالواسطة وخرجت برضا وقناعة شركة التوزيع، لكي تعتق نفسها من الشعر ومؤلفيه!!اما القصة الاخرى فهي عن كاتب قصة عربي صديق، اصدر مجموعة قصصية على حسابه الخاص، وقدمها الى مؤسسة صحفية كبيرة، تملك اسطولا من السيارات، وقد رضي بالعمولة التي طلبتها، لتصل مجموعته الى كافة المدن والقرى في بلاده، وفي هذه المرة تكفلت شركة التوزيع بتغليف الكتاب على حساب المؤلف، لكن الكتاب بعد المدة القانونية التي تمنح له في منافذ التوزيع لم يبع ولا نسخة واحدة ، وفي المرة الثانية وضع في نقاط توزيع جديدة حتى انتهت هذه المدة، وكانت حصيلة كل هذه الجهود توزيع نسخة واحدة!وقد أرقت هذه النسخة المؤلف واطارت النوم من عينيه، فمن هو الذي اشتراها؟ او من هي اليد التي امتدت اليها؟ يد عدو أم يد حبيب؟ هل هو من اهل الرقابة او رجال الأمن، أولئك الذين ربما كانوا يبحثون في قصصه عن مبرر لإلقاء القبض عليه!وفي يوم كان مسافراً من مدينة الى مدينة، وكان يتمشى في ممر القطار عندما لاحظ مجموعته في يد راكب بدا مهموماً ومغتماً وهو يقرأ في صفحاتها، لكزه من كتفه وطلب منه ان يقف ليأخذه بالحضن!فقد طمأنه هذا القارىء الضجر، بأنه أخيرا عرف مستقر النسخة الوحيدة التي بيعت من مجموعته التي بذل ما له وجهده، وسهر الليالي لكي يكتبها ويطبعها ويبيعها، ومع ذلك فقد خيبت ظنه فيها وفي القراء معاً، باستثناء قارىء القطار الذي عبر له عن امتنانه أصدق تعبير وكاد يستضيفه على وجبة غذاء في القطار لولا انهم وصلوا الى مستقرهم!!والشواهد التي تقول ان الكتاب في أزمة كثيرة، وهذا ما يعزيني ويشد من أزري لمكافحة الازمة لعلها تنفرج في وطننا العربي، كما هي منفرجة في أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول، التي ترى في الكتاب رغيفاً للعين والقلب في الوقت الذي نراه من الكماليات )وسقط المتاع(.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved