| مقـالات
يقول المؤلف )مما يدخل في التقدير عند بيان فضل الاسلام وسبقه للحضارة الحديثة الى ارفع الآداب واكرمها في مسألة الرق ومعاملة الارقاء، فلم تكن معاملة الارقاء على الوجه الذي امر به الاسلام مصلحة اقتصادية على فرض من هذه الفروض، بل ربما كان من المصلحة ابقاء الرق على نظامه الاول ليفرغ الارقاء لاعمال المعيشة والسخرة ويفرغ الاحرار لاعمال الجهاد والرئاسة(.
لم يبن المؤلف من اين جاء بهذا واقطع انه نقله لكن حسب جهدي لم أقف على مصدره اما ان الاسلام سبق الحضارة المادية الحديثة فحق ولعل كثيراً من المحاسن مما في هذه الحضارة جاء من الاسلام اثناء الفتح الاسلامي لشمال افريقيا ومما بقي في )الأندلس( ومن علوم المسلمين وآثارهم التي سُرقت او بيعت لهم أثناء غزو التتار للمسلمين، اما فيما يتعلق في )الرق( وحقيقته واصله وسببه فلابد هنا من تأصيل هذه المسألة المهمة وكنت قبل الآن قد بينت سبب الرق، وقد أوضحت هذه الاسفار المراد منه:
المستصفى/ للسرخسي
المحلى/ لابن حزم
المغني/ لابن قدامة
المجموع/ للنووي
فتح الباري/ لابن حجر
تفسير ابن كثير/ لابن كثير
اضواء البيان/ للشنقيطي
أذكر بعضا من كتب الاحكام من اجل نظرها عند الحديث عن )الرق( خاصة او عند نظر غيره عامة فلا يكون المعول في شيء ثبت فيه نص لا يكون المعول على مجرد رأي او بحث شخصي من ذي جهل او هوى يقع في حبائل مثل هذين من يريد الحق فيصده مصدر جاهل عن مراده.
ثم ذهب المؤلف في ص 56 يؤسس على ما ظنه وعلى ما اطلع عليه فهو يقول: )فلا يقال ان الاسلام قد منع رق المسلم وقصر الرق على الاسرى وأوجب لهم حسن المعاملة إلخ..(.
وإذ داخل كلامه ما داخله فقد اجاد إذ قال في ص 57:) وقد تبدل نظام الرق على يد الاسلام في اوسع نطاق للتبديل او على اعمق اساس يُبنى عليه كل تبديل في امثال هذه الانظمة الاجتماعية، لأنه عمد الى اساس التفرقة بين الاجناس والاقوام فمحاه او عفى عليه، وعلم الناس ان المؤمنين اخوة وأنه لا فضل لمسلم على مسلم بغير التقوى(.
وهذا صواب في جملته خاصة سواسية المسلمين أياً كان لونهم او لغتهم او قومهم، فالمسلمون سواء يسعى بذمتهم ادناهم وهم يد على من سواهم ولا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى وتبدل نظام الرق بمعنى تبدل مساره، فهناك العتق حال اليمين المنعقدة وهناك العتق حال الظهار وهناك العتق حال الجماع في نهار رمضان وهناك العتق حال النذر وهناك العتق حال الشكر لله وهناك العتق تطوعاً وهناك العتق من اجل المكاتبة وهناك العتق حال الاسلام لمن لم يسلم.
اما تبديل نظام الرق وطمسه كلية فهذا يطول نظره وذكرت آنفاً بعض ما يمكن العودة في مثل هذا، وحري بالباحثين والعلماء نظر المذكور بعقل سليم وبتجرد تام صادق امين ورد في ص 58 حديث )الصلاة وما ملكت ايمانكم( قلت: صحيح
وجاء كذلك:) لقد أوصاني حبيبي جبريل بالرفق بالرقيق حتى ظننت ان الناس لا تستعبد ولا تستخدم(.
قلت/ فيه نظر.
وورد كذلك:) لا يقل احدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي(.
قلت: أصله صحيح.
وجاء أيضاً:) هم إخوانكم وخولكم..(.
قلت: أصله صحيح. ص 59.
في ص 63 من )نشأة بلال( تحدث المؤلف باختصار عن نشأة بلال، ولادته، اسمه واسم أمه وأبيه ولهجته ولونه وموطنه، ثم قال في ص 64:)وأنه من ثم أسرع الى الدعوة المحمدية( و )كما كان يفهمه المتدينون والمتدينات بالمسيحية(.
وقد سبق القول ان مثل )الدعوة المحمدية( لا تقوم بميزان الحق فهي الدعوة الاسلامية اما كلمة )مسيحية( او )المسيحية( فهي كلمة لا صحة لها لتطلق على اهل الكتاب )النصارى( فهم )نصارى( اما النسبة الى )مسيحي( فلا تقوم على حقيقة لكنها جاءت قسراً من المبشرين ومن كان قبلهم نسبة الى المسيح )صلى الله عليه وسلم( ومن المعلوم انه منهم بُراء لما حصل منهم من تحريف للأناجيل الصحيحة كما نص عليه القرآن الكريم وكما هي حالهم من عدم الايمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والكذب وسواه مما نهى الله تعالى عنه، وقد قرر سبحانه كفرهم لمصادمتهم دعوة عيسى عليه السلام فقال تعالى: )لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة( الى غير ذلك.
وغالب ما ورد في ص 64/65 جاء به من السيرة لابن هشام وابن اسحاق، ويودر ما اورده بين الصحة والضعف لكنه لا يتعلق بحكم عبادة او حكم معاملة.
لكن ما نقله من قول ان الصديق رضي الله عنه )استبدله بغلام له جلد من عبيده(.
والمراد أن أبا بكر الصديق استبدل بلالاً بعبدٍ له قوي.
وقد شكك المؤلف في هذه الرواية، قلت تشككه في محله/ فلم تصح..
ثم في ص 66 ذكر )حمى المدينة( وما جرى لنفر من الصحابة بسببها.
قلت/ صحيح.
وجاء في ص 66/67 كلام منقول من كتب السيرة يدور بين الصحة والضعف، كذلك ما جاء في ص 68.
وما جاء في ص 69 فغالبه: صحيح.
وجاء في ص 74 من:)صفات بلال( )وقد تفق المصلحة في سبيل العقيدة قبل الايمان بها. لأن المصلحة موجودة والايمان غير موجود(.
وهذا قد يكون حقاً لمن طبع على: الإلحاد بسبب تربية/ او قراءة/ او صحبة/ او استغلال/ للعقل الخاوي من اجل: شهرة/ او جاه/ او مادة.
لكن إن قصد سبق الحياة الكفرية اصلاً على وجود الايمان فهذا ما لا يصح وكنت قد بينت طرفا قبل الآن.
وكان المؤلف قد عالج مسألة )اتباع ماركس( في ص 73 عالجها بعرض بسيط جداً ولم يبين سبب الايمان بالمذهب المادي والتعصب له، وقد بينه وعالجه الأستاذ/ قيس القرطاس، في كتابه )نظرية داروين بين مؤيديها ومعارضيها( وكنت قد بينت ذلك خاصة في كتابي )نقد اصول الشيوعية( فتركاً للتكرار فلعله ينظر فيهما ففيهما بحث علمي يغني قليله عن كثير لا يحتاج إليه.
وجاء في ص 74 في آخرها نص نقله عن الامام ابن سعد، قلت: صحيح
وكذا ما جاء في ص 75 عن قتل ابي جهل لسمية قلت: صحيح.
وقال في ص 76 ) فلا العبيد آمنوا لأن الاسلام يسوي بينهم وبين الاحرار ، ولا الاحرار آمنوا لأن الاسلام يسوي بينهم وبين العبيد، لأن قصارى هذه التسوية أنها مصلحة لفريق من الناس، وما زال الايمان والمصلحة شيئين مختلفين ومعدنين متباينين، فالمصلحة شيء تحتويه حياة الفرد وقد تحتويه حصة قليلة من حياته، اما الايمان فهو أبداً شيء يتجاوز الفرد الواحد وقد يبذل في سبيله المصلحة والحياة(.
وهذا حق، فالمصلحة وسيلة والحياة وسيلة المصلحة، وسيلة للتقوى على الايمان حتى يعبد المسلم ربه سبحانه وتعالى آمناً مطمئناً بين يديه وسيلة كبيرة لبلوغ الايمان الصحيح من مصلحة يسخرها لدينه الحق وايمانه الصحيح.
والحياة وسيلة لأنها دار اختبار وابتلاء فهي وسيلة كبيرة وجليلة اذا استُغلت في الطاعة، وتوحيده والدعوة إليه بحكمة وعقل واخلاص وصدق متابعة ووعي تام لحقيقة الحياة وفقهها وجعلها وسيلة لغاية عظمى، عباده الله تعالى وتوحيده التوحيد الخالص الصحيح.
وفيها ص 76 يسخر من الاديان الوثنية والكتابية المحرفة.. يقول )أوَلم يوجد في الوثنية وفي بعض الأديان الكتابية وهم يؤمنون ان الارباب تغرق بين اقدارهم واقدار المصلحة في الحياة وبعد الممات.
وهذا حق معلوم من حال الوثنية والدين الكتابي المحرف يعبدون آلهة متعددين وينتقلون بين هذا وذاك واذا ما عاينوا ما قدره الله تعالى في )الكون( عن ارزاق وخيرات وحمل وولادة وقحط ومطر وزواج وطلاق نسبوه الى )آلهتهم( وظنوا بهذا تعدد آلهتهم ذلك الظن الذي جاءهم تقليداً للاباء والآباء للأجداد وهكذا بسبب اغواء الشيطان ولهذا شفع الله تعالى على الدهريين فقال عنهم )ان هي الا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر(.
وشنع على الوثنيين فقال سبحانه )إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون(.
وشنع على اهل الكتاب فقال )وقالت اليهود عُزير ابن الله( )وقالت النصارى المسيح ابن الله( ثم قال سبحانه )لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة( ثم بيّن حقيقة التوحيد فقال سبحانه )وما من إله الا إله واحد( وبيَّن أمر حكمه وألوهيته وربوبيته سبحانه وتعالى فقال )ألا لله الدين الخالص( )وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله( ثم بيّن حقيقة ان المصلحة والحياة وسيلتان فقال جل وعلا )الا له الحكم والأمر وإليه ترجعون( ثم بيّن المؤلف دلالة الفطرة الحقة في النفس والعقل فيقول )او لم يكن بلال يؤمن باللات والعزى وغيرهما من ارباب الجاهلية وكان لا يرجو منها نصفة منها ولا تسوية بينه وبين سادته المتجبرين عليه وعلى سائر الضعفاء(.
فلما ساء ظنه بهذه الاشتات من الارباب كان حسن ظنه )بالإله الاحد( هو الذي سوّأ ظنه بدين الجاهلية، وكانت وحدانية الله العلي الاعلى هي التي تجري على لسانه وتعمر قلبه وتعينه على شدته وهو يتلقى من ألم العذاب بين يدي سادته القساة(.
) فكانت الوحدانية هي الكلمة الواحدة التي لخص بها فضل الدين الجديد على الدين المهجور، وقد ألهم هذا التخليص الصادق الوجيز إلها الايمان الذي يهدي العقل الى موقع الهدى من أوجز طريق( ص 77.
وقال في ص80:) نعم ان العبيد كانوا أسرع من الاحرار الى دخول الدين الجديد ولكن الذي يفهم من ذلك أو ينبغي أن يفهم منه ان المصلحة لم تكن عقبة بين العبيد وبين الإصغاء الى الدعوة الجديدة، وان الاحرار كانت لهم مصالح تحجبهم عن جمال تلك الدعوة وعن التأمل في صدقها، وبطلان ما هم عليه(.
وهذا في مجمله ليس بذاك ولا يكون، لأن المؤلف نفسه قال بعد قليل:( لقد كانت في نفس بلال حاجة الى الولاء والاخلاص، فصدق النبي الكريم )صلى الله عليه وسلم( لأنه كان أهلاً لولائه واخلاصه، وكان خليقاً ان يطمئن إليه ويشعر بالسكينة في الإصغاء الى قوله والاقتداء بعمله(.
وقال: )وسمع رجلاً ينادي بأن الناس )المسلمون( أمة واحدة من بني هاشم او في الذؤابة العليا من قبائل العرب جمعا، فكان هذا نسب )التصديق والايمان(. وكانت دعوة الرجل الحبيب النسيب الذي لا مصلحة له فيها هي البرهان الاول على صدق العقيدة( يريد ان المؤمن المخلص لا يريد حين يؤمن الايمان الخالص الصحيح، لا يريد بهذا جاهاً أو مالاً أو رفعة ما ويقرر المؤلف في ص 81 حقيقة المساواة بسبب الايمان فهو يقول:) فبلغ من تعظيمه انه كان )بلال( نداً لأعظم المسلمين في حياة النبي )صلى الله عليه وسلم( وحياة الصديق والفاروق بل كان الفاروق يقول «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا».
وفيها ص 81 جاء: واتفق يوماً ان أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو بن الحارث ورهطاً من سادة العرب طلبوا لقاء الفاروق وطلبه معهم: بلال وصهيب فأذن لهما حتى يستمع لما يريدان ويفرغ بعدهما لعلية القوم(.
قلت: أصله: حسن،
ثم علق المؤلف فقال:) جمال هذا الأدب هو الذي يهون في سبيله الموت وسوء المعاملة والعذاب الأليم، وهو الذي يوحي العقيدة الى النفس فترتفع بها فوق المصالح والمساومات، ولقد كان هذا ادب النبي )صلى الله عليه وسلم( فأحبه الاحرار وأصفوا إليه وصدقوه، ولقد تمت أداة العقيدة حين تم الحب والاصغاء والتصديق فما يزال بنو الانسان )المسلمون( على هذا الشأن الى آخر الزمان(.
وقال في ص 81:) وما يكونون يوماً احوج الى الايمان منهم يوم تعز عليهم القضية التي تُحب والداعي الذي يُصدق(.
صالح بن سعد اللحيدان
|
|
|
|
|