| الاولــى
*
منى واس:
وجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكى الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولى العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطنى حفظهما الله كلمة الى حجاج بيت الله الحرام لموسم حج هذا العام 1421ه في الحفل السنوي الذي أقيم في القصر الملكي بمنى لرؤساء الدول والشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج لهذا العام وفيما يلى نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى «ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين».
قال الله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب».
وقال الله تعالى «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبنى وبني أن نعبد الاصنام. رب انهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعنى فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم. ربنا انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون.
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وجزيل كرمه ومَنّه والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين، أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فمن هنا من صعيد منى المبارك ومن جوار بيت الله الحرام يسرنا أن نرحب بكم اجمل ترحيب وأن نحييكم بأطيب تحية.. كما نسأل الله عز وجل أن يمن على جميع الحجاج الذين وفدوا من كل حدب وصوب الى هذه الديار المقدسة بأن يجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم صالحا مقبولا وأن يعيدهم لأوطانهم وأهليهم سالمين غانمين فرحين مستبشرين..
أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. بالامس يوم التاسع من شهر ذي الحجة وقفتم جميعا على صعيد عرفات وأديتم صلاتي الظهر والعصر قصرا وجمعا اقتداء بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتم ترتدون ملابس الاحرام الموحدة لا فرق لاحد عن أحد الا بالتقوى عملا بقول الله تبارك وتعالى «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير».
أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. ان هذا التجمع الإسلامى الكبير الذى يقدر بنحو مليوني نسمة من اخواننا الحجاج يتواجد اليوم فى هذه المشاعر المقدسة تجمع أفراده العقيدة الإسلامية السمحة اخوة متحابين فى الله ملبين ومكبرين ومهللين «لا إله إلا الله محمد رسول الله» كما يؤدون عباداتهم وفق ما شرعه الله عز وجل لهم فى أمن واستقرار والحمد لله ولذا ساد بينهم الوئام والإخاء والمساواة على هذا النحو المتكامل الذى يسعدون فى ظله وقد جاءوا ملبين أمر الله عز وجل لنبيه إبراهيم الخليل عليه السلام فى قوله تعالى «وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. ان المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تبارك وتعالى بخدمة ضيوف الرحمن لتشعر بالعزة وهى تقوم بمسؤولياتها وواجباتها بأداء هذه الامانة على الوجه الاكمل حتى يتمكن حجاج بيت الله الحرام من أداء نسكهم بكل طمأنينة ويسر وهذا يتطلب أن نواصل السعي حثيثا لحشد الطاقات والإمكانات لإنجاح كل الجهود الرامية الى توفير كافة الاحتياجات والمستلزمات الاساسية التي تعين على أداء هذه الشعيرة بجو مشبع بالايمان والهدوء والاطمئنان.. أيها الإخوة حجاج بيت الله الحرام.. لقد بادرت المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز تغمده الله برحمته ورضوانه بالاهتمام الجاد المتواصل بالاراضي المقدسة ومهبط الوحى ومهوى أفئدة المسلمين وان عمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما الى أن وصلا الى هذه القدرة الاستيعابية غير المسبوقة لخير شاهد على ماتقوم به هذه البلاد من انجازات عظيمة تجاه هذا الركن المهم من أركان الاسلام خدمة للاسلام والمسلمين.. هذا الى جانب العديد من المشروعات الاخرى التي تشمل بناء المزيد من الطرق وفتح الانفاق واقامة الجسور المؤدية الى المشاعر وكذلك استكمال خطة انشاء الخيام المطورة المكيفة والمقاومة للحريق.. وكذا انشاء مجمع خاص لطباعة المصحف الشريف فى المدينة المنورة منه يتم تزويد اخواننا المسلمين أفرادا ومؤسسات ومراكز ومساجد فى أنحاء العالم بملايين النسخ من القرآن الكريم بالاضافة الى ترجمة معانيه الى العديد من اللغات ليتمكن الجميع من تلاوته وفهمه وتدبر معانيه.. كما وجهت هذه البلاد جل عنايتها لتحقيق الامن وفق مفهومه الشامل وذلك استنادا الى منهج الحكم المنبثق من العقيدة الاسلامية السمحة والخضوع لها قولا وعملا والتزاما بإقامة الحدود الشرعية مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكان من الطبيعى أن تنتظم الحياة فى هذه البلاد ويستقيم الجميع فيها على منهج الله القويم وشرعه الحكيم فأمن المواطن والمقيم والحاج والمعتمر والزائر على دينه ونفسه وعرضه وماله وصدق الله القائل فى محكم كتابه «الذين ان مكناهم فى الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور»..
أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. ان المملكة العربية السعودية تلتزم بسياسة خارجية ثابتة تقوم على الاحترام المتبادل بما يجعل علاقاتها مع الدول تسير من حسن الى أحسن وذلك بالتركيز على التضامن والتعاون مع الاشقاء العرب والمسلمين وبالتعاون مع الدول الصديقة لكل ما فيه تحقيق الامن والاستقرار والرخاء وكان ومايزال لهذا النهج السليم الذى أرسى قواعده الملك عبدالعزيز رحمه الله الاثر الكبير لتنامي علاقاتنا مع الاشقاء والاصدقاء وتجنيب هذه البلاد الوقوع فى خضم الصراعات والنزاعات مع الآخرين وان مما يأتي فى مقدمة أولوياتنا الحرص على تطبيق الشريعة الاسلامية والاحتكام اليها فى كل شأن من شؤوننا لا تأخذنا فى ذلك لومة لائم وان نكون دوما فى خدمة الاسلام والمسلمين، ولهذا فإن من الطبيعى أن نسهم بالدعوة الى الله ونصرة قضايا المسلمين حيث قامت هذه البلاد بتأسيس وبناء وتجهيز الكثير من المساجد والمراكز الاسلامية والمدارس والمعاهد وكراسي البحث الجامعى فى العديد من دول العالم مع استمرار الدعم والمساندة لها ولغيرها ماديا ومعنويا لكى تتواصل الجهود البناءة للدعوة الى الله على هدى وبصيرة ولسنا هنا في مجال حصر تلك الاسهامات خاصة وان المستفيدين منها يعلمونها علم اليقين ويعرفون مجالاتها ومردوداتها الخيرة كما أن غيرهم من المراقبين المنصفين يعترفون بها ويبرزونها فيما يوثقونه ويقدمونه مما يدخل فى اختصاصاتهم وان التذكير بهذا لمن يعرفه والاشادة بجملته يجعلنا أكثر استشعارا لاهمية الدور الذى لابد لنا من القيام به.
هذا وستتواصل باذن الله جهودنا على الاسس والمنطلقات نفسها لنصرة قضايا الامة العربية والاسلامية وفى مقدمتها قضية الشعب الفلسطينى الشقيق ليحصل على حقوقه المغتصبة كاملة غير منقوصة وفق مانصت عليه القرارات الدولية ومن ذلك اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى وعاصمتها القدس الشريف وكذلك حق اللاجئين فى العودة الى ديارهم ومدنهم التي شردوا منها والعمل على استعادة الاراضى العربية الاخرى فى الجولان حتى خط الرابع من حزيران 1967م ومزارع شبعا التي تشملها الحدود الدولية فى الجنوب اللبناني..
أيها الاخوة المسلمون.. ان الامة الاسلامية مدعوة أكثر من أي وقت مضى الى المسارعة لتوحيد كلمتها والتغلب على خلافاتها بالطرق الودية حتى تتمكن من الاخذ بالاسباب المعينة لها على الدفاع عن قضاياها المصيرية ولتحمى حقوقها ومقدساتها كما ان على العلماء والمفكرين والمعنيين فى وسائل الاعلام أن يكثفوا جهودهم لبث الثقافة الاسلامية ونشرها وغرسها فى الذاكرة بعمق مع تأصيل مفاهيمها بهدف تقوية الجبهة الداخلية والمحافظة على هوية الامة لتكون دوما فى مستوى المسؤولية وعلى استعداد تام للتصدى لكل المخاطر المحدقة..
أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام.. لقد برزت الى السطح فى مناطق مختلفة من العالم منذ امد ليس بالقصير ظاهرة الارهاب ونحن معشر المسلمين نستنكره شأننا فى ذلك شأن كل المحبين للسلام فى العالم وان استنكارنا له نحن المسلمين ليس وليد الساعة فهذا الخليفة الاول أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوصي جنده قبل اربعة عشر قرنا بألا يتعرضوا بسوء للمدنيين الابرياء من شيوخ ونساء وأطفال ولا للرجال الذين انقطعوا للعبادة فى الصوامع وألا يقطعوا شجرة مثمرة ومن اراد الاستزادة من هذه الملامح المشرقة فأمامه كتب التراث فهي حافلة بالشواهد وهذا يعني أن الاسلام بريء من كل ما يلصق به من دعاوى باطلة مردها الإعلام المعادي الذى يعرف تماما أن الارهاب اساسا ليس له وطن وليس له هوية والدليل على ذلك ما تنقله لنا الاخبار يوميا من أحداث مؤسفة على مستوى العالم باسره، ولذلك فإنه يجب التأكيد فى هذا الصدد على ان التطرف والعنف والارهاب ظواهر عالمية غير مقصورة على شعب أو عرق أو ديانة ولذا فان التصدي لها ومكافحتها بالطرق الناجعة لايمكن أن يأتي إلا من خلال عمل دولي متفق عليه فى إطار الامم المتحدة يكفل القضاء على الارهاب ويصون حياة الابرياء ويحفظ للدول سيادتها واستقرارها، كما نلفت الانتباه الى ما يعمد اليه المغرضون وذلك بالخلط بين ظاهرة الارهاب وبين حركات التحرر المشروعة التي تبذل الغالى والنفيس والمهج والارواح من اجل استعادة الحقوق المغتصبة والتي لا بد ان تلقى الدعم والتأييد والمساندة لقطع دابر الظلم والقهر والاستبداد وبخاصة ان
العالم فى مستهل حقبة جديدة نأمل ان تكون مفعمة بالامن والاستقرار والعيش الكريم والحرص على تجنب الحروب والتوترات والتطاحن بحيث تسود لغةالحوار للتغلب على المشكلات فى مهدها حتى يتسنى للخطط التنموية الجادة ان تنطلق فى مساراتها البناءة نحو افاق مستقبل افضل تسعد به الاسرة الدولية وذلك بازدهار الحياة الاقتصادية وزيادة معدلات الدخول الوطنية والانصراف الى مزيد من الاعمار والتقدم.
وختاما نكرر ترحيبنا بكم ضيوفا أعزاء متمنين لكم مجددا حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعودا حميدا الى دياركم واهليكم سالمين غانمين بعد أداء الركن الخامس من أركان الاسلام ونكرر تهانينا بمناسبة حلول عيد الاضحى المبارك لجميع الاخوة المسلمين فى مشارق الارض ومغاربها ونخص الاخوة الحجاج الكرام سائلين المولى جل وعلا أن يعيده عليهم أعواما مديدة حافلة بالامن والامان والعيش الهانئ الرغيد.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|
|
|
|
|